أحمد العمراوي : شاعر الحكمة المتجددة شكلا ومضمونا خوسيه رامون ريبول: شعر الميموني هو ذاته، لا تناقض فيه بين السياسي والصوفي نجيب العوفي: محمد الميموني، النهر الهادئ
أكد المشاركون في الملتقى الدولي حول تجربة الشاعر الراحل محمد الميموني أنها تجربة شعرية هائلة وأنيقة، وكونية عميقة. ومثلما هي تجربة تأملية في الذات والحياة، فهي تجربة جديرة بالتأمل مدى الحياة. الملتقى الدولي الذي نظمته دار الشعر في تطوان، بتعاون مع معهد ثيرفانطيس، يومي 2 و3 فبراير الجاري، شهد احتفاء خاصا من قبل ساكنة مدينة تطوان، وضيوفها الإسبان بالشاعر الراحل، من الذين توافدوا بالمئات لمتابعة أشغال الملتقى، منذ الجلسة الافتتاحية إلى الجلسة النقدية الأولى، فالثانية، ومنذ الحفل الموسيقي الذي أحياه عازف القيثار العالمي مارسيلو دي لابويبلا، وصولا إلى عرض مسرحية «بنات لالة منانة» لفرقة مسرح الطاكون، مرورا بمعرض «ذاكرة محمد الميموني»، الذي كشف عن رسائل ووثائق ومذكرات لم تنشر من قبل، وهي تعيد بناء صورة أدق وأعمق لأحد رواد الشعر المغربي الحديث والمعاصر. لقاء مغربي إسباني انطلقت وقائع الملتقى الدولي حول تجربة الشاعر محمد الميموني في فضاء معهد ثيرفانطيس بتطوان، يوم الجمعة الماضي 2 فبراير الجاري، بكلمة مديرة المعهد الإسباني لولا لوبيث إينامورادو، وهي تنوه بأهمية عقد هذا الملتقى الدولي، كما نوهت بأن يكون معهد سيرفانطيس شريكا لدار الشعر بتطوان في تنظيم هذه التظاهرة الثقافية الكبرى. وبعدما رحبت لولا لوبيث إينامورادو بالحضور الغفير الذي حضر فعاليات الملتقى، جدد مدير دار الشعر في تطوان الشاعر مخلص الصغير الترحيب بالمشاركين في الملتقى، وبأسرة وعائلة الشاعر الراحل محمد الميموني. كما استعرض مدير دار الشعر لحظات استثنائية جمعته بالشاعر محمد الميموني، منذ تسعينيات القرن الماضي، وإلى غاية مشاركته في تأسيس دار الشعر، جعلت منه شاهدا على تاريخ الشعر المغربي الحديث والمعاصر، ورائدا من رواده، ومناضلا فاعلا في حركة التحديث في المغرب الحديث. الجلسة النقدية الأولى قدم لها الشاعر والمترجم المغربي خالد الريسوني، وهو أحد أهم مترجمي الميموني إلى الإسبانية، حيث أسلم الكلمة لمترجم آخر من مترجمي الميموني، وهو الشاعر والمستعرب الإسباني خوان خوسيه سانشيثساندوبال. وقد توقف المستعرب الإسباني عند بدايات علاقته بالشاعر المغربي محمد الميموني وبشعره، فهو قد تعرف على شعر محمد الميموني من خلال قراءاته التي حاولت أن تستكشف الإبداع الشعري المغربي لما كان يعمل في كلية الآداب بجامعة محمد الخامس في الرباط، يدرس الطلاب المغاربة اللغة الإسبانية، فقرأ للشاعر المغربي بعض دواوينه الشعرية وبعض دراساته حول الشعر المغربي. لكن لقاؤه بالميموني سنة 1999 إثر زيارة قام بها لمدينة مرتيل، حيث تم إعداد اللقاء سلفا، وكان محمد الميموني عائدا للتو من زيارة لوالده العجوز بشفشاون، وهكذا تلقى المستعرب من الشاعر أول درس، وهو كيف يتم تحويل التجربة الحياتية المعيشة إلى قصيدة، إذ أن الشاعر حكى له عن لقاء والده العجوز بفتاة صغيرة، كان كلاهما يتأمل الآخر، هذا المشهد سيتحول إلى قصيدة رائعة هي المعنونة ب: «مرآة تتأمل المرآة»، ومنذ ذلك الحين كانت لقاءاتي بالشاعر محمد الميموني فرصة لأتعلم منه أشياء كثيرة بصدد الشعر كأداة للمعرفة، وبأسرار اللغة وبواقع الشعر، لقد كنت محظوظا أن أكون صديقا لمحمد الميموني، زرته مرارا وقمت بتصويره في شريط وثائقي يحتفظ بلقطات جميلة وساهمت في ترجمة بعض قصائده ونشرها في «المجلة الأطلسية»، كان شاعرا ومعلما يمتلك سحر الكلمة الشعرية، رحل لكن شعره سيبقى، ومن ثم وجب العمل على الحفاظ عليه ونشره بين الناشئة… أما الناقد والشاعر المغربي أحمد العمراوي، والذي أصدر أكثر من كتاب ودراسة عن تجربة الراحل، فيرى أننا «إزاء كتابة جديدة ومتجددة ومختلفة لشاعر مختلف هو محمد الميموني». وقد انطق المتدخل من الديوان الأخير للشاعر «بداية ما لا ينتهي»، وهو «السفر الجامع المختلف عن كل كتاباته الشعرية السابقة»، يضيف العمراوي. وللكشف عن مظاهر هذا الاختلاف ينطلق الباحث من سؤال: ما الذي تغير في رؤية الميموني للذات والعالم والشعر؟ فيتمثل الجواب عنده في «الحكمة المتجددة على مستوى الشكل والمضمون معا». ومن مظاهر التجديد الشعري في كتابة الميموني، غياب العنوان بالكلمات وحضور الرقم مكانه، حيث غابت عناوين القصائد في الديوان الأخير، وحل محلها رقم خاص بكل قصيدة، حيث الرمز بدل العبارة، والإشارة تلخص الكلام أو ما يسميه العمراوي «السعي للحكمة وللنهاية بطريقة حديثة مرتبكة بأصولها». وما دام الشاعر يريد التموقع في اللانهاية ، في اللازمان واللامكان، فقد عوض الرقم الحرف ليحقق دلالة عنوانه الكبير «بداية ما لا ينتهي» على أساس أن «وقوع النص خارج الزمان هو ما يضمن بقاء النص، ويجعله مخترقا للحدود والتصورات». أما الشاعرة ثريا ماجدولين، والتي أصدرت كتابا عن تجربته خلال السنة الماضية، بعنوان «الرؤيا والقناع»، فقد اختارت الحديث عن «بلاغة الصورة في التجربة الشعرية للميموني»، ذاهبة إلى أن جمالية الصورة في قصائد الميموني إنما تكمن في «ثراء الخيال، وفي تلك القدرة الهائلة على الخلق والإبداع. فهو لا يسعى من خلال صوره إلى نقل العالم أو نسخه، وإنما يسعى إلى إعادة تشكيله وابتكار علاقات جديدة داخله» على أساس أن الشاعر إنما يطمح في «خلق عالم آخر، يكون مغايرا لواقعه ومماثلا لعالمه الشعري، فيلجأ إلى خياله ليرسم الواقع المشتهى». كما أن الصور التي تحفل بها دواوينه تتجسد في مستويات متنوعة في موادها وطرق صياغتها، بحسب ماجدولين دائما. فهي تتكاثف في القصيدة الواحدة، لتستوعب مشاعر القلق والتوتر والاغتراب التي كانت تتزاحم في كيانه. إضافة إلى كونها تعدّ أقربَ إلى الصور الرؤيوية، التي تتخطى حدود الرؤية المباشرة للأشياء، لتنقل المواقف والأفكار والرؤيةَ للعالم. وتخلص الباحثة إلى أن تجربة الميموني هي تلك التجربة «المحتفية بالكون وبالإنسان، والمتشبعة بالتجارب الشعرية العالمية التي كان مشدودا إليها والتي شكلت إحدى المرجعيات الأساسية في تجربته، وخاصة التجربة الإسبانية»، على أن مجمل القضايا التي انشغل بها الميموني ظلت قضايا وجودية وطنية، خاصة في دواوينه الأخيرة. واختتم مداخلات الجلسة الأولى الشاعر والباحث الإسباني خوسيه رامون ريبول، مدير «المجلة الأطلسية»، حيث عاد بذاكرته إلى الزيارة الأولى التي قامت بها المجلة إلى مدينة تطوان لإعداد ملف عن الشعر المغربي سنة 1998، حيث كانت مشاركة الميموني فعالة في الاتصال بعدد من الشعراء المغاربة، لكن ريبول ركز في مداخلته على التواطؤات الإيقاعية التي حققتها القصيدة عند محمد الميموني، وهو يقول: «رغم جهلي باللغة العربية وبالمعاني التي كان يقرأها الشاعر المغربي في الأمسيات العديدة التي رافقنا فيها، سواء في المغرب أو في إسبانيا، كنا نحس بأن لشعره قوة إيقاعية خارقة. لكن بعد قراءتي لنماذج مترجمة من شعر محمد الميموني، اكتشفت هذه الحميمية في شعر الرجل وصيغته الذاتية في مقاربة اليومي وتحويله إلى تأملات شعرية حول العالم والأشياء، تأملات أقرب إلى الصوفية، تأملات في سيرة الإنسان الذي يعيش السؤال والحيرة، ويحاول تعميق المعرفة بالعالم وإضاءة الذات، إنه قريب من عوالم ابن عربي وسان خوان دي لاكروث، هذا فضلا عن التزامه السياسي مثل شعراء جيله: أحمد المجاطي ومحمد السرغيني وعبد الكريم الطبال، وهو الجيل الذي يمكن اعتباره قريبا في تصوراته من الجيل الخمسيني إسبانيا، شعر الميموني كما يرى هو ذاته، لا تناقض فيه بين السياسي والصوفي، لأن الشعر يحقق عمقا جماليا وبعدا متعاليا له قدرة على ملامسة هموم الإنسان الصغيرة، هذا بالإضافة إلى أن محمد الميموني يحقق تناسقا وانسجاما بين الشخصية وشعرها، حيث يصعب الفصل بينهما، مما يجعل مكاشفاته أحيانا أقرب إلى القصائد الشعرية وهذا ما سحرني، وقد حكى الشاعر خوسيه رامون ريبول عن تجارب الرفقة أثناء تقديم العدد الخاص من «المجلة الأطلسية» في الرباط وما كان من تحقيق الشعر لما عجزت عنه السياسة، لما قرأ الشاعر محمد الأشعري الذي كان وزيرا للثقافة حينئذ قصيدة بالعربية تكفل سفير إسبانيا بالرباط بقراءة ترجمتها إلى اللغة الإسبانية، وتحدث عن بعض قصائد الشاعر التي لا تنسى مثل قصيدة «مرثية النوارس» وغيرها من القصائد… قراءة ثانية لشعرنا الجديد تواصلت فعاليات الملتقى الدولي حول الشاعر محمد الميموني، يوم السبت 3 فبراير الجاري، في فضاء مدرسة الصنائع والفنون الوطنية. هذا الفضاء الأندلسي الذي أغوى المتدخلين بالحديث عن «أندلسية محمد الميموني»، متأثرا بالشعر الأندلسي ثم الإسباني الحديث والمعاصر، ومترجما له أيضا. وقد استهل الناقد الإسباني المعروف خوان خوسي طييس مداخلته، وهو يخبرنا كم كان المبدع الراحل محمد الميموني «شغوفا بالشعر الأندلسي الحديث، وخاصة بشعر فيديريكو غارسيا لوركا، بقدر ما كان شغوفا بمدينة غرناطة». ويؤكد لنا الباحث الإسباني أن اسم الميموني كان مألوفا ومتداولا في العديد من المحافل والمجلات الأدبية الأندلسية، وكيف أن شعره قد عبر إلى اللغة والثقافة الإسبانيتين عبر ترجمة شاعرين آخرين هما خالد الريسوني وخوان خوسي ساندوفال. كما استحضر طييس مدن محمد الميموني بمدن معينة، مثل شفشاونوتطوانوغرناطة، مقدار ارتباطه بصداقات عميقة مع مبدعين وشعراء أندلسيين، ومساهمته في تأسيس تظاهرات شعرية رفيعة، في مقدمتها مهرجان الشعر بشفشاون. وعن شعرية الميموني، خلص المتحدث إلى بيان مظاهر الفرادة في تجربة الميموني، متمثلة عنده في الاحتفاء بالجمال، ومقاومة الحنين، وأخيرا ما يسميه خوان خوسيه طييس «تهذيب الحيرة». وقد غالبت الشاعرة والباحثة الإسبانية خوسيفا بارا تأثرها برحيل الشاعر محمد الميموني، وهو صديقها المغربي والشعري الأول، لتتحدث عن تأثير شعره على قرائه، وهي ترسم صورة للشاعر محمد الميموني الذي ربطتها به علاقة صداقة دامت لسنوات قليلة، لكنها كانت سنوات مكثفة ومثمرة، علاقة أثرت في مسارها الشعري بعد أن تعرفت على شعره مترجما إلى الإسبانية، ضمن كوكبة من الشعراء المغاربة، نظير عبد الكريم الطبال ومحمد بنيس ووفاء العمراني. وبحسب الشاعرة خوسيفا بارا، يبقى الميموني «من أهم الأصوات الشعرية بالمغرب»، ومثلما يتميز شعره بالجدة والدقة، فقد كان الميموني شاعرا في سلوكه وفي معيشه، تقول المتحدثة. أما الناقد المغربي نجيب العوفي، وهو أول النقاد المغاربة الذين درسوا شعر الميموني، منذ كتابه العمدة «درجة الوعي في الكتابة»، وقبل ذلك، فقد عنون مداخلته ب» محمد الميموني، النهر الهادئ». الناقد المتخصص في الشعر المغربي قدم، في البداية، تصوره عن المسار الشعري لصاحب «آخر أعوام العقم «، ومرافقته شعره منذ الستينيات إلى نهاية السفر، متوقفا عند ما اعتبره أهم المحطات، ومخضعا للتحليل أعماله الكاملة التي نشرتها وزارة الثقافة المغربية، لافتا الانتباه إلى تفاعل الشاعر محمد الميموني مع الشعر الأندلسي الحديث وأعلامه الكبار: لوركا، ألبيرتي وخوان رامون خيمينيث، منبها إلى أن الميموني كان شاعر وكان مناضلا سياسيا، تماما كما هي صورة فيديريكو غارسا لوركا، وأنه كان ناقدا مرهفا وهو يتناول أشعار الشعراء المغاربة المحدثين والمعاصرين. فالميموني عند نجيب العوفي هو «نهر شعري هادئ ظل يشق مجراه ومسراه وئيدا عميقا، منذ ستينيات القرن الماضي، لا يلوي إلا على الشعر». وقد ظل الميموني «يكتب الشعر بعشق ودأب، لا يخلف الميعاد، كصنوه ورفيقه عبد الكريم الطبال». وإذ ينتمي هذا الشاعر لجيل الستينيات، فهو «واحد من مؤسسي ومشترعي القصيدة المغربية الحديثة»، أيضا. وبقدر ما كان الميموني شاعرا منتجا للشعر، كان أيضا واصفا ودارسا للشعر وراصدا للخطوات الريادية الأولى للشعر المغربي المعاصر، كما يتضح ذلك من خلال كتابيه «سبع خطوات رائدة في الشعر المغربي المعاصر»، و»في الشعر المغربي المعاصر: عتبات التحديث». وفي هذين العملين، يقول العوفي « قارب الميموني، وبحصافة نقدية عالية، التجليات المبكرة للحداثة الشعرية المغربية، في الوقت الذي قارب فيه مجايله أحمد المجاطي تجليات الحداثة الشعرية العربية بعامة». الميموني شاعرا وعن تجربة الميموني، دائما، غداة هذه الندوة التي سيرها الكاتب والمترجم المغربي عبد اللطيف البازي، قدم الناقد المغربي حسن مخافي دراسة في معالم هذه التجربة ومراحلها، مؤكدا أن الميموني، وإن كان قد «انصهر في تجربة الحداثة الشعرية بالمغرب وشكل طليعة من طلائعها، فإنه شق طريقه في صخر القصيدة لوحده، وبرز باعتباره مبشرا بتجربة خاصة، أضفت تنويعا آخر على المشهد الشعري المغربي ساهم في ثرائه وغناه». وإذا كان رواد القصيدة المغربية الحديثة، والميموني أحدهم، قد كتبوا القصيدة الرومانسية في البداية، متأثرين، في منتصف القرن الماضي، بشعراء المهجر، مثل جبران ومطران وميخائيل نعيمة، فإن الشاعر محمد الميموني «شكل استثناءا بين شعراء جيله، إذ اختار، كما يفصح عن ذلك ديوانه الأول «آخر أعوام العقم»، الانخراط في ما كان يسمى حينئذ «القصيدة الملتزمة» التي ازدهرت في الشعر العربي بسبب المد القومي الذي ظل لعقدين من الزمن على الأقل، يمثل تيارا جارفا في الثقافة العربية. وفي مرحلة ثانية، انشغلت قصيدة الميموني ب»إعادة الاعتبار للذات من حيث هي ذات تعاني الاغتراب، بكل معانيه. اغتراب المثقف الذي وجد نفسه في العراء بعدما أتت على الصرح الذي ظل يبنيه قصيدة قصيدة، الهزائم المتوالية، وقد تعرضت أحلام للوأد". أما المرحلة الثالثة والأخيرة، فهي التي توجها ديوانه الأخير "بداية ما لا ينتهي"، حيث حرص الشاعر "على أن يجسد كل ما راكمه من تجربة شعرية في هذا العمل". من هنا، جاءت القصيدة في هذا الديوان ضربا من النسج وجنسا من التفكير، وليس مجرد التصوير. أو كما يقول مخافي، فإن هذا الديوان الأخير "يقدم قصائده باعتبارها ضربا من ضروب المعرفة"، وإن كانت معرفة خاصة لا يقودها العقل، بل الحدس الذي يولد المعاني تباعا لينتج في النهاية خطابا حول الوجود يحاول ما حاولت الفلسفة ولم تصل إليه". الميموني مترجما الشاعر والناقد العياشي أبو الشتاء، وهو المتخصص في الثقافة الأدبية الإسبانية، اختار الحديث عن محمد الميموني المترجم، من خلال ترجمة ديوان «التماريت» لفيديريكو غارسيا لوركا، مستحضرا، في البداية، مختلف الإضاءات النقدية والتاريخية تضمنتها المقدمة التي وضعها المترجم بين يدي الديوان المترجم من قبيل تأثير الشعر العربي الأندلسي والمشرقي في «ديوان التماريت»، عن طريق ما ترجم من هذا الشعر إلى اللغة الإسبانية، وخاصة الترجمات التي أنجزها المستعرب المعروف إيمليو غارسيا غوميث، الذي نشر في مجلة «الأندلس» أشعارا جمعها سنة 1930 في كتاب بعنوان «قصائد عربية أندلسية» وترجمته في ما بعد (1940) لكتاب علي بن سعيد المغربي، المسمى «رايات المبرزين وغايات المميزين»، وهو يضم مختارات شعرية وتراجم لشعراء أندلسيين مميزين. وهو الكتاب الذي استقبل، وما فيه من أشعار، استقبالا حسنا من طرف جميع شعراء جيل 27 كما يقول غارسيا غوميث. ثم انصرف العياشي أبو الشتاء إلى الحديث عن بالفعل الترجمي والترجمية، لدى الميموني، من خلال رصد الفعل الترجمي، وكيف يتحقق في النص المترجم. وهذه الترجمية، بحسب المتدخل، إنما تتلخص في مجموع التمظهرات التي تتحقق بها الترجمة. كل ذلك عرضه أبو الشتاء من خلال نماذج تطبيقية راوحت، من أجل الشرح والتوضيح، بين الذهاب إلى النص الأصل والرجوع إلى النص المترجم، بين لغة الانطلاق ولغة الوصول، لينتهي المتحدث إلى خلاصة مفادها أن الترجمة إنما هي تأويل، مثلها مثل القراءة. لذلك «لا يمكن أن نقول يوما إننا انتهينا، ولمرة أخيرة، من ترجمة «التماريت»، إذ سيبقى هذا الديوان قابلا للترجمة، باستمرار، مثلما سيبقى قابلا، دوما، للقراءة و التأويل».