اصلاح الاوضاع التعليمية رهين بإصلاح الاوضاع المادية للمدرس يعد مجال التربية والتعليم احد القطاعات الاساسية التي لقيت اهتماما لدى جميع الامم والشعوب على مدار العصور نظرا لدوره البالغ في تنمية وتطور ورفاهية المجتمعات لذى تسعى كل الدول والامم الى اصلاح منظوماتها التربوية لأنها تعي العلاقة الجدلية بين هذا القطاع وباقي القطاعات الاجتماعية والاقتصادية، ويكفي ان نلقي نظرة على احوال الدول المتقدمة والمتخلفة لنجد انها انعكاس لأحوال قطاع التربية والتعليم. ان اصلاح منظومة التربية والتعليم لا يتوقف على عنصر محدد بل يشمل كل عناصر العملية التعليمية من البرامج والمناهج والبيداغوجيات الى الوسائل والطرائق والكتاب المدرسي والتقويم ..مرورا بأحد اهم ركائز العملية التعليمية الا وهو المدرس. هذا الكائن الذي مهما تغيرت الظروف وتطورت العلوم يبقى دوره اهم الادوار على الاطلاق في بناء العمران الحضاري. المدرس او المربي هو من يملك كل مفاتيح نجاح الامة في برامجها ومشاريعها ومخططاتها، هو من يملك فنون وتقنيات البحث والحفر الاركيولوجي في جغرافية المعرفة للوصول الى كنوزها، وهو من يملك الارادة والايمان للعمل من اجل خير المجتمع والامة، لقد سبق ان قال مؤسس سنغافورة "لي كوان" (انا لم اقم بمعجزة في سنغافورة، انما فقط خصصت موارد الدولة للتعليم وغيرت مكانة المعلمين من طبقة بائسة الى ارقى طبقة في المجتمع، فالمعلم هو من صنع المعجزة وهو من انتج جيلا متواضعا بحب العلم والاخلاق) بنفس الحكمة والراي الرشيد قال احد المستشرقين: اذا اردت ان تهدم حضارة امة عليك بوسائل ثلاث ستصل بك الى قاع الجهل والتخلف، وهي: * هدم الاسرة. * هدم التعليم. * اسقاط القدوات والمرجعيات. لكي تهدم الاسرة عليك بتغييب دور "الام" وجعلها تخجل من وصفها "ربة بيت" !!. ولكي تهدم التعليم، عليك بالمعلم، فلا تجعل له اهمية في المجتمع و قلل من مكانته حتى يحتقره الناس !! ولكي تسقط القدوات عليك بالطعن والتشكيك في العلماء والتقليل من شانهم حتى لا يكونوا قدوة، وباختفاء الام(المربية) واختفاء المعلم(المرشد) وسقوط العلماء(القدوة)، علينا ان نتساءل عندئذ من سيربي النشء على العلم والقيم والاخلاص للوطن والانسانية؟؟؟ ان المدرسين هم وحدهم القادرون على نقل القيم وصقل الطبائع وترسيخ المواقف والسلوكات ومنح كل متعلم امكانية ان يصبح مواطنا صالحا (فيديريكو مايور) عند حلول يوم 5 اكتوبر من كل سنة يحتفي الكون باليوم العالمي للمدرس، لكن صورته ومكانته الاجتماعية في مجتمعنا هي في تدن وتراجع خطير. رواتب هزيلة واجور لا تضمن لهم مستوى عيش كريم، في كل لقاء واثناء كل احتجاج و تظاهرة تراهم يتساءلون في عجب وفي غضب عن تدهور اوضاعهم الاجتماعية.. فلا اجرة مشجعة ومحفزة على العمل، ولا كرامة انسانية تعوض نقصهم المادي، وفي عجب وغضب يتساءلون عن الاموال التي تقتطع من اجورهم ورواتبهم لتكون لهم سندا في تقاعدهم، انهم يحتاجونها كاملة وزيادة عند نهاية المدار والمسار حين يتعب الجسد ويقل الجهد وتتراكم الالتزامات المالية لمواجهة الامراض والاعراض فلا يظفرون الا بالمعاناة. يجمع معظم خبراء التربية على ان المدرس هو العنصر الاهم في العملية التعليمية وان اصلاح اوضاعه المادية والاجتماعية تصب في اصلاح العملية التعليمية برمتها، ويرى نفس الخبراء ان العناية بالجانب المادي للمدرس يجب ان يكون هو الاولوية في اي اصلاح او تنمية بشرية واجتماعية. وحالة مدرسينا اليوم تتصف بالتردي والبؤس وهذا ما يؤثر على نظرة المجتمع الى هذا المدرس ومكانته والمدرسة وقيمتها، ويؤثر سلبا على نفسية المدرس و يؤدي به الى الشعور بالإحباط وعدم الحافزية. لقد تفاقمت المشكلات الاجتماعية والاقتصادية لنساء ورجال التعليم، وتخبطت وضعية التربية والتعليم في بلادنا في جحيم من التناظرات والاسقاطات و تمرغت في مستنقع الازدواجية الهجينة للنسق التعليمي(خصوصي-عمومي، وطني-اجنبي، عربي-فرنسي-دولي..) لتتفشى نتيجة ذلك ظواهر الاغتراب لذى متعلمينا وتؤثر سلبيا في قيمهم واتجاهاتهم وطموحاتهم وتحجم انتماءهم القومي والوطني ثقافيا ولغويا(الامازيغية والعربية). ولقد اتفقت كل الاستقراءات والاستبيانات على تراجع قيمة المدرسة العمومية وتدني المكانة الاجتماعية لسدنتها ومرشديها ومعلميها فلم نعد نرى فيها الا الادعان والتسرب والاغتراب والملل والعنف والالم والتعب والحزن حتى اضحت هذه الظواهر جزءا من يوميات المدرسة العمومية !!! كل سنة يحل فيها اليوم العالمي للمدرس الا ويكون الاحتفاء فيها على شكل طقوس مخرومة ومعدومة الفعالية، فكيف لنا ان نحتفي ونحتفل بالمدرس واوضاعه الاجتماعية لم تتحسن واجرته المادية لا تناسب تضحياته، والمحيط الذي يعمل فيه لا يقيم له وزنا واعتبارا، والمجتمع الذي يعمل فيه ويضحي من اجله لا يقدس شخصه و يصون كرامته، فترك وحيدا ليستبسل ويكافح وكانه "سيزيف" عصره يحمل على ظهره امال واحلام المجتمع الجديد رغم الاحساس بالفقر والاحتقار، ورغم الازمات المحبطة للطموحات . يحل علينا اليوم العالمي للمدرس، ويمر كما مر ايامه بالأمس القريب والبعيد، يمر في صمت غريب.. واستثناء قد نقرا في هذا اليوم اخبارا عن نقابات تصدر بلاغات وبيانات التنديد بالوضعية المادية البئيسة للمدرس، اما الصحافة والاعلام فقد تضع بنضا رقيقا عن هذا اليوم العالمي (حدث في مثل هذا اليوم !!) وفي الجانب الاخر "تجتهد" الوزارة الوصية وتذكر من لا "يريد" ان يتذكر بانها تعمل كل ما في وسعها ل "تحسين" ظروف عمل موظفيها(سلاليميا) و (رتبيا) وقد تدخل "السرور" قريبا على من يزداد عنده مولود جديد ان يستمتع برخصة نصف شهرية مدفوعة الاجر !!! يحل اليوم العالمي للمدرس يوم 5 من اكتوبر، والملفات الكبرى لاتزال مفتوحة على المجهول : اين النظام الاساسي الجديد لموظفي التعليم الذي ما يزال حديث اللقاءات والقاعات المغلقة وقد قطع اشواطا مارطونية اما في اطار لجن مشتركة بين النقابات والوزارة الوصية او في اطار عمل "الخبراء"، وحسب الروايات المتداولة في الاوساط النقابية او عبر صفحات الاعلام الالكتروني فان هذا المشروع ربما اكسب نوعا من الاحاطة بمطالب مختلف الفئات التعليمية مما يعد في حد ذاته امرا ايجابيا الا ان اخوف ما نخاف منه ان يتم التعامل المجزأ مع مطالب كل فئة (الاساتذة الموظفون – الاساتذة المتعاقدون – المديرون – المتصرفون التربويون – اطر التوجيه – المفتشون…) مما قد يؤدي الى حجب واغفال المرامي الاساسية التي يفترض ان المشروع يهدف الى تحقيقها وهو السعي الى اصلاح نظامنا التعليمي وليس تغذية النزاعات الفئوية في الجسد التعليمي وما يتولد عن ذلك من انعكاسات سلبية على تماسك الامة التربوية والمجتمع التربوي. فالتعليم هو الجزء الاساسي المتمم للبناء الاجتماعي والحضاري للامة، ومستقبل التعليم في المغرب تعني مستقبل البلد بكامله. ان العصر الحالي هو عصر حضارة المعلومات ومجتمع المعرفة، هذا المجتمع ينبني تاسيسا على بنى تحتية لها شروطها من مؤسسات تعليمية وعلمية وسياسات وتشريعات وتنظيمات قصد تنمية الراس المال البشري وتنمية قدرات الفرد. من هذا المنطلق يجب النظر الى مشروع النظام الاساسي الجديد كاطار عام لتحفيز كل القوى العاملة في القطاع التعليمي الى تحقيق اصلاح تربوي جدير بمتطلبات الحاضر والمستقبل. يتساءل اهل التربية والتعليم عن مبدا الاستحقاق والتحفيز في استمرار نظام "الكوطا" في الترقية من درجة الى اخرى وهو ما يمثل عائقا امام تحرير الدينامية الداخلية للعمل التربوي، فالتعامل مع نظام "الكوطا" من منظور رقمي او حسب المناصب المالية المحدثة يفرغه من طابعه التربوي ويفرز تفاوتات بين زملاء المهنة الواحدة والصنف الواحد ويخلق حساسيات حتى داخل المؤسسة التعليمية الواحدة.. انه لابد من التعامل مع هذا المعطى من منطلق تربوي وعلى اساس الاستحقاق للإزالة كل التفاوتات التراتبية الادارية بين مختلف فئات رجال التعليم. ويتساءلون عن القانون الذي يجب ان يؤسس المعادلة الادرية للشهادات الجامعية والمهنية عوض احتساب السنوات الجزافية كامتياز؟؟ وما هو امر، اين قانون التعويض عن الساعات الاضافية او على الاقل الغاء الساعات الاضافية لسنة1985؟؟ ان نساء ورجال التعليم ينتظرون الظفر بنظام اساسي جديد شامل وكامل وعادل يعيد الاعتبار للمدرس ولمهنة التعليم ام هل سنبقى نحلم الى ان يحل اليوم العالمي للمدرس في 5 من اكتوبر من السنة المقبلة او السنوات الاتية، ونبشرهم بنسخ معدلة من المشاريع السابقة؟؟؟