* ظاهرة العنف هي من اقدم الظواهر في المجتمع الانساني بشكل عام، و تعاظمت مخاطرها في العقود الاخيرة سواء من حيث مظاهرها او من حيث النطاق الذي تمارس فيه، والوسائل المستعملة فيها او من حيث المتسببين والمشاركين فيها والدوافع التي تغذيها. وعلى الرغم من كل الجهود التي تبدل عبر تكثيف الانشطة الرياضية والفنية والحملات الاعلامية – التحسيسية والامنية – الردعية كأساليب للتقليل من السلوك العدواني الا ان ذلك لم يكن بالفعالية المأمولة. * ظاهرة العنف في ملاعبنا الرياضية هي ظاهرة اجتماعية معقدة تدخل فيها عدة متغيرات وهي ظاهرة ليست حديثة في المجال الرياضي وانما هي ظاهرة قديمة قدم الرياضات الانسانية، لكن الجديد فيها هو تعدد مظاهر هذا العنف واشكاله داخل الملعب وخارجه والعنف بكل مظاهره هو كل سلوك يؤدي الى الحاق الضرر بالذات وبالآخرين، وللعنف اشكال منها ما هو لفظي (الاساءة اللفظية) كالسب والشتم والصراخ.. ومنها ما هو مادي يؤدي الى خسائر مادية كتكسير اواتلاف التجهيزات الرياضية، وحرق الاليات واحداث الضرر الجسدي للأشخاص، وهذا العنف بصنفيه يؤدي الى ضعف العلاقات او تفكك الروابط الاجتماعية، * ارتبط مفهوم العنف والشغب في الملاعب الرياضية بظاهرة "الهوليكانز" وهو اسم ينحدر من احدى العائلات الايرلانديةLes HOOLIHANS وهي فئة من المشجعين في ملاعب كرة القدم الانجليزية، تتميز بسلوكها اللااجتماعي المصحوب بالعنف من اعمال الشغب الجماعية، وينحدرون من طبقات اجتماعية حادة، ومنحرفين في حياتهم العادية، وغالبا ما يبرزون ايديولوجية اليمين المتطرف. يقصد بظاهرة العنف والشغب في الملاعب الرياضية، مجموعة الانماط السلوكية المرتبطة بالانفعالات التي تصدر من جماهير المشاهدين والحاضرين للمنافسات الرياضية تحت ظروف خاصة، وتتصف بانها خارجة عن السلوك العام الذي يحدده المجتمع وفقا لضوابطه ومعاييره القانونية والاجتماعية، ومنها تلك السلوكات العنيفة لفظية كانت ام مادية كالمشادات والجرح والاعتداء والسرقة والتكسير والتخريب والحرق التي تسبب فيها حشود المشجعين والمناصرين اثناء اللقاءات الرياضية الحاسمة، فتندلع اعمال العنف بين مناصري الفريقين المتباريين او بين فئة من المشجعين وقوات حفظ الامن، وقد تكون موجهة ضد الممتلكات في الملاعب او بجوارها او على الطريق العام. ان الاحداث العنيفة التي عرفها ملعب الامير مولاي عبدالله بالرباط خلال مقابلة كاس العرش هزت وقائعه صورة الرياضة الوطنية، لكن خبراء الرياضة وعلماء الاجتماع يجمعون على ان العنف لا يقتصر على ملاعبنا فقط، بل ان العنف والشغب اللارياضي اصبح ثقافة عالمية عابرة للبلدان، ويحتاج الى علاج تربوي وقانوني واعلامي وثقافي واجتماعي. كون العنف موجودا يدل على انه ظاهرة طبيعية وانسانية في نفس الان، فقد تعبر الطبيعة عن غضبها وعنفها على شكل زلازل وفيضانات..، وقد يغضب الفرد ويحدث اضرارا بعنفه وفعله العدواني الا ان كون العنف ظاهرة طبيعية وانسانية لا يعني انه مطلوب ومستحب، فهو مخالف لقوانين النمو الطبيعي لذلك كان العنف على كونه طبيعيا ظاهرة غير صالحة من حيث المبدأ وتوجب علينا تجنبه، فالقتل الذي يحصل بسبب الاعتداء على الاخرين ليس له تبرير خلقي ولو كانت له تفسيرات نفسية واجتماعية، والضرب واللكم…الذي يحصل لفض جدل فكري او سياسي او عقائدي او ثقافي او فني او رياضي هو اسوا اشكال السلوك لأنه يصدر عن تعطيل فعالية العقل. وفي هذا السياق يعتبر العامل التربوي بمنظومة قيمه التأطير المنفتح السليم القادر على التحكم في التفكير والتصرفات، وهو بمثابة افضل لقاح وتحصين ضد كل اشكال العنف والشغب، والتربية السليمة تبدا بتفعيل كل القنوات الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية (الاسرة – الاعلام – المدرسة – الاحزاب – النقابات – الجمعيات..) على اختلاف منابرها ومرجعياتها واشكالها واهتماماتها وعبر تأسيس قاعدة تربوية اجتماعية وثقافية وسياسية وفنية ورياضية كفيلة بتحصين النشء من كل انحراف. ان بلورة تنشئة اجتماعية تتمحور حول فكرة المواطنة والتنشئة الاجتماعية هي عملية اكتساب الانسان صفة الانسانية، وهي عملية تعلم وتعليم وتربية، تقوم على الاتصال والتفاعل الاجتماعي، وتهدف الى اكتساب الفرد( طفلا – مراهقا – راشدا..)سلوكا ومعايير واتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية معينة تمكنه من مسايرة جماعته والتوافق الاجتماعي معها، وتكسبه الطابع الاجتماعي وتيسر له الاندماج في الحياة الاجتماعية، فالنشء المغربي يجد نفسه محاطا ومطوقا بمختلف القنوات التي تسهم في نشأته وتربيته (الاسرة – الشارع – المدرسة الجمعيات- الاعلام– الاحزاب- وسائل التواصل الاجتماعي) مع توفر وانتشار منتجات تربوية عديد تصل حد التناقض احيانا وهو ما يولد لديه نوعا من الاضطراب والانحراف في سلوكه وتربيته. -ادريس لكريني- اكد عالم النفس سيغموند فرويد ان للإنسان نزوتين اساسيتين هما نزوة الحياة (ايروس) ونزوة الموت (تاناموس) وكليهما منبع للنشاط الطاقوي، فنزوة الحياة هي منبع الطاقة المسؤولة على الرباط الايجابي مع الاخرين وفيها التعاطف والتوحد والتقارب على عكس غريزة الموت التي تهدف للتدمير والتخريب والعنف والحقد.. والنزوتان متفاعلتان داخليا وخارجيا في الفرد الذي قد يكون له ميل فطري لتدمير الذات او توجيه الدفعة التدميرية الى الخارج كوسيلة لحماية الذات.. لكن التربية هي الوسيلة الوحيدة التي تسمح للفرد ان يتغلب على الجانب الحيواني في شخصيته.. والانشطة الرياضية والفنية هي اساليب تربوية للتقليل من السلوك العدواني. التربية باعتبارها امتدادا للتنشئة الاجتماعية هي منظومة القيم يكمن دورها في نقل مضمون ثقافي معين عبر تنشئة الفرد وتربيته وتلقينه المعارف والمهارات تحميه من نزوة الموت وتمنعه من تدمير الذات حتى يصير الفرد من خلالها مالكا لزمام اموره ومتغلبا على الجانب العدواني في شخصيته. التربية التي ننشدها هي تلك تعمل على تنمية شخصية الفرد جسديا ونفسيا وفكريا وروحيا، تربية تقوم على الثقة في النفس واحترام حقوق الانسان ومعرفة الذات وقدراتها ومعرفة الاخر والتعامل معه بنجاح. (نفس الكاتب اعلاه). ان التنشئة الاجتماعية السليمة والتربية الصحيحة تعد اخر رهان لنا في ظل اكراهات العولمة التي اضحت تهدد قيمنا وثقافتنا من خلال تكريسها لهيمنة ايديولوجية، واختراقها لكل الانظمة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية قصد تشكيل الاذواق والاتجاهات والقيم والسلوكات تحمل في طياتها معاني العنف ضد الاخر مستعينة في ذلك بكل وسائل التواصل المفتوحة من قنوات فضائية والكترونيات والانترنيت ووسائل الاتصال الحديثة فهل من ملجا لنا غير الاحتماء بالتربية كأداة للتكيف والتفاعل مع البيئة الاجتماعية الجديدة ومظاهرها، او كأداة للتغيير نحو الافضل ان الماسي والكوارث الاجتماعية التي تنجم من جراء الاحداث الدامية والعنيفة التي تقع في ملاعبنا ومدارسنا واحيائنا وبيوتنا… * ناجمة عن انتشار مظاهر الفقر والامية والبطالة والسكن غير اللائق وغيرها من المظاهر التي تشكل فضاء خصبا لانتشار العنف او ارتكاب العنف ضد الذات والمجتمع. فالشباب الذي يطرح اسئلة ذات حمولة اقتصادية واجتماعية وثقافية تتعلق بمستقبله وتظل بدون جواب واقعي لابد ان تسرع بعض الجهات الجاذبة التي تستغل هذا الفراغ لتطرح بديلا منحرفا قوامه الحقد والعنف,, او يضطر هذا الشباب الى الهروب والسقوط في شباك وسائل التواصل الحديثة وبالتالي الهروب عن محيطهم الاجتماعي بحثا عن بديل اخر مما يؤدي الى تكوين خصائص سلوكية تقولب اذواقهم ومشاعرهم وفكرهم وسلوكهم.
ب – وقد تكون هذه الاحداث والماسي ناجمة عن فقدان المرجعيات الاخلاقية والتربوية والثقافية الاساسية من جراء تفكك بنية الاسرة وتقلص وظائفها الى اقصى حد، واخفاق المدرسة الوطنية في مقابل تصاعد هيمنة العولمة على الحقل التربوي وتشكيل اذواق الناس واتجاهاتهم وسلوكاتهم باستعمال وسائل تقنية جبارة لإثارة الادراك وتنميط الذوق والفكر ولذا يجب على كل المؤسسات الاجتماعية والتربوية ( الاسرة – المدرسة- الاعلام – الجمعيات..)والتي تجعل من التربية والتنشئة هدفا ومطلبا لها ان تعمل مجتمعة وفق ارضية تربوية قارة تتوخى تربية الفرد على الايمان بالتعددية وروح التسامح والقيم الدينية والمواطنة والديموقراطية