قررت وزارة الداخلية تخليص أراضي الجموع من سلطة الوصاية بالمركز، وتفويت إدارتها بطريقة مباشرة للولاة والعمال دون المرور عبر تأشيرة سلطة الوصاية بالرباط، التي ظلت تمسك بقبضتها على القطاع، منذ تعديل بعض بنود الإطار القانوني لاستغلال أراضي الجموع سنة 1965. وتبلغ المساحة الإجمالية لأراضي الجموع نحو 12 مليون هكتار معظمها غير محفظ، وعدد المستفيدين منها يقدر بحوالي 9 ملايين، ويبلغ عدد الجماعات السلالية أزيد من 4 آلاف و560 جماعة. وتعرف هذه الأراضي مشاكل عديدة، أبرزها قدم النصوص القانونية المنظمة، إذ أن الإطار القانوني لاستغلالها يعود إلى الفترة الاستعمارية، وتحديدا ظهير 27 أبريل 1919 الذي تم تعديل بعض بنوده سنة 1965، وهو تعديل لم يمس جوهر تنظيمها واستغلالها، لتبقى معرضة للنهب والاستغلال ومرتعا للفساد والمضاربات العقارية، تخلف مآسي اجتماعية. وتدرك وزارة الداخلية اليوم أن هذا النوع من الأراضي أصبح يشكل عائقا كبيرا في وجه الاستثمار بسبب عدم معالجة مشاكله، ولكن ما يثير الانتباه أن حكومة بنكيران لم تعط الاهتمام الكافي واللازم لهذا المشكل، ولم تكلف نفسها عناء إيجاد الحلول الكفيلة بإخراج أراضي الجموع من وضعية الجمود، إلى وضعية تجعلها قادرة على المساهمة في التنمية الشاملة لبلادنا، خاصة أن العديد من المشاريع الكبرى التي انخرط فيها المغرب، سواء على المستوى الفلاحي أو الصناعي أو السياحي تعتبر أراضي الجموع حجر الزاوية فيها، مفضلة بذلك الارتكان إلى الانتظار والعمل بمنطق «كم حاجة قضيناها بتركها». وتشكل أراضي الأحباس رصيدا يمكن أن يساهم في تسهيل برامج التعمير، لكن هذه العملية تظل رهينة بمدى استطاعة السلطات العمومية تجاوز مشكل مسطرة التفويت التي مازالت معقدة بالنظر إلى طبيعة هذا النظام. وأفرز هذا الواقع إحداث تجزئات عقارية في بعض أراضي الأحباس، دون احترام المقتضيات التشريعية، كما هو الشأن بجماعة سيدي رحال الشاطئ بإقليم سطات، وبالمنطقة الصناعية سيدي بوزكري بمكناس. كما أكرى بعض المستفيدين من الأوقاف قطعا أرضية للخواص تحولت بين عشية وضحاها إلى بنايات عشوائية، وهذه الظاهرة لا تقتصر على مكناسوسطات، بل تمتد إلى مراكش والقنيطرة وسيدي قاسم ووجدة. أما بالنسبة إلى أراضي الكيش التي تبلغ مساحتها نحو 350 ألف هكتار وتوجد بخمس جهات هي الرباطومراكشومكناس وفاس والقنيطرة، فتعتبر نماذج ل «الريع العقاري». ومازالت هذه الأراضي، التي تفتح شهية تجار العقار، تحتكم للأعراف والقوانين التمييزية، وهو ما يشكل ظلما وانتهاكا للحقوق الإنسانية الأساسية للنساء، ومنافية للاتفاقيات الدولية في مجال المساواة بين الجنسين. فبالإضافة إلى ما تتضمنه هذه الأعراف من إجحاف وإقصاء في حق المرأة، فإن مديرية الشؤون القروية التابعة لوزارة الداخلية تمارس بعض أشكال التعسف، منصبة نفسها وصية على أراضي الكيش دون سند قانوني، إذ يستثني الفصل 16 من ظهير 27 أبريل 1919 أراضي الكيش من هذه الوصاية، وهو ما أكدته العديد من الأحكام القضائية. وفتحت هذه الوصاية الباب أمام المديرية نفسها، لتفويت أراضي الكيش بطرق فيها الكثير من الإجحاف.