ينفرد المغرب على غيره من البلدان بكثرة ما يحتويه ترابه من أضرحة الأولياء والصلحاء، ذلك أن أضرحتهم و مزاراتهم تنتشر في كل مكان من ربوعه وأصقاعه، دانيها وقاصيها، عامرها و موحشها، فلا يخلو من وجودها السهل والجبل و الساحل، حتى أن بعض النواحي والمدن صارت مشهورة بما يوجد فيها من كبار الصلحاء، فلا تذكر إلا مقرونة بذكرهم. وتبعا لهذا الانتشار الواسع للصلحاء وكثرتهم العددية، فإن بول باسكون لم يفته أن يصف المغرب" ببلد المائة ألف ولي “. وتُعَد منطقة عبدة أقدس مناطق المغرب وأكثرها ازدحاما بالصلحاء والأولياء، ذلك أن ظاهرة الصلاح تضرب بجذورها عميقا في مجاهل تاريخ عبدة، وأنها ظلت قوية عبر العصور والدول، فهذا المؤرخ والجغرافي والرحالة الإغريقي سيلاكس SCYLAX، والذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، يشدد بعد زيارته لمنطقة عبدة، على وجود “حياة دينية مكثفة بها، وعلى أنها أقدس مكان بمجموع شمال إفريقيا “، وذكر أنه وجد بها “معبدا عظيما مخصصا لبوصيدون “، إله البحر عند اليونان القدماء. وهذا ابن قنفذ الذي أقام بالمنطقة زمنا خلال القرن الرابع عشر، يؤكد بدوره على تجذر الصلاح بعبدة، بقوله: " أن أرضها تُنْبث الصلحاء كما تنبت العشب “. وقد تحقق لأرمان أنطونة، إحصاء صلحاء منطقة عبدة، فوصفها " ببلد الألف سيد “. ويستقر أكثر صلحاء عبدة على ساحل المحيط، وقد فَطََنَ لذلك عامة الناس وخاصتهم، فأشاعوا " أن كل حجرة بالساحل، هي بولي “. وبالبحث في هذا الكم الهائل من الصلحاء بمنطقة عبدة نعثر على صلحاء غير مسلمين، ما يزال بعضهم مشهورا، يحظى بتقديس الأهالي و استبراكهم، مثل أولياء ابن ازميرو اليهود، وآخر مسيحي يعرف بضريح “النبي سيدي دنيان “، ويظهر أنهم آخر ما تبقى من صلحاء يهود ومسيحيين، انتشروا بالمنطقة قبل إسلامها، كما أن عددا منهم اندرست أخبارهم وعفا الزمن عن ذكرهم، ناهيك عن آخرين تمت أسلمتهم بتعريب أسمائهم وتحوير تاريخهم. ضريح " سيدي دنيال " أو " سيدي دنيان " كما يحلو لساكنة آسفي تسميته، على عادتهم في إبدال اللام نونا، والموجود بجنوب آسفي، على بعد عشرة كيلومترات بتراب الجماعة القروية اولاد سلمان، في منطقة إشعاع الطائفة الرجراجية المعروفة بكثرة مريديها وخدامها، هو واحد من الأضرحة التي لازالت تُشَدُّ إليه الرحال من كل حدب وصوب كلما انعقد موسمه السنوي بحلول شهر ربيع الأول بتزامن مع عيد المولد النبوي. وبحسب الثقافة الشعبية بآسفي، لا يذكر " سيدي دنيان " إلا مرفوقا بكلمة " سيدي " وعبارة “نفعنا الله ببركته " فهو في نظرهم شريف يبسط بركاته حتى بعد وفاته وانقطاع عمله، إلى درجة بلغ معها الاعتقاد إمكانية شفائه بعض الأمراض، فالمرء قد يحلف بالله في إطار الكلام العادي، لكنه لا يستطيع أن يأتي بنفس الفعل في مقام الضريح، خوفا من أن " يُفْلس ويُكَمدها فيه الولي"، فيصبح “ضَحْكَة واشْفَايَة “. فالذاكرة الشعبية المحلية، التي تبجل الحجر والشجر، وتقدس الجن والأموات، وتضع لهم المزارات والأضرحة و الأحواش، وتنصب لهم الولائم و المواسم، وتعقد عليهم الآمال في جلب الرزق والولد والزواج، لا يبعد عليها أن تضع أسطورة لنبي الله دانيال دخل مدينة آسفي حيا يرزق أو ميتا في تابوت. فمن يكون يا ترى دفين ضريح سيدي دنيان؟ وما السر وراء الطول الكبير الذي يتميز به الضريح والبالغ ستة أمتار؟ فهل حقا أن الضريح لنبي الله دانيال جاء به اليهود العبرانيون إبان هجراتهم إلى المغرب أو زعماء الدولة البورغواطية التي امتد نفوذها إلى آسفي، وهي الدولة التي طالما وصفت بأنها دولة يهودية ضالة، خصوصا وأن زعماء الدولة البورغواطية تَسَمَّوا بأسماء أنبياء بني إسرائيل مثل: اليسع ويونس وإلياس وأيوب ..؟ أم أن دفين الضريح لا يعدو أن يكون خرافة ووهما من نسج الخيال الشعبي ؟ بالعودة للمصادر التاريخية التي تناولت سيرة ضريح “سيدي دنيان " على ندرتها، نكاد لا نعثر على ما يُشْفي الغليل ويُميط اللثام عن لغز شخصية دفين الضريح الذي حولته الأسطورة الخرافية الشعبية بآسفي إلى نبي، لم يَدّع الانتساب إليه أي أحد على غرار باقي الأجداد الروحيين للشرفاء الموجودين بآسفي، وهذا ما يُعَزز غُرْبَة دفين الضريح، الذي تضاربت حوله الروايات وذهبت في تفسيره مذاهب شتى: الرواية الأولى: يُعْتَقَد أن اسمه الحقيقي هو دانييل، أحد أنبياء بني إسرائيل، أصله من بلاد المشرق، وعن قصة قدومه إلى عبدة، تَذْكُر الرواية أن الناحية الموجود بها ضريحه، شهدت قبل الفتح الإسلامي جفافا رهيبا، امتد سبع سنوات، ودَفْعا لضرره رأى كُبَراء السكان أن يبعثوا بأربعين منهم إلى بلاد الشرق، لإحضار رجل تقي، تتبرك به ناحيتهم في دفع هذه البلوى ورفع ما تَبعها من شدة، فجاءوا براهب مسيحي هو " سيدي دنيان “، وتزيد رواية شعبية أخرى بأن المطر أخذ ينزل مدرارا حال دخوله إلى ديار هذه الناحية، ولم يتوقف إلا بعد مرور عدة أيام، وبعد أن فزع السكان إلى “سيدي دنيان “، يطلبون دعواته لوقف المطر قبل أن يغرقهم الطوفان، وبفضل دعواته وصلواته تمت حماية المنطقة من المجاعات والكوارث والأوبئة وحلت بها البركة والطمأنينة. الرواية الثانية: وقد أوردها مؤرخ آسفي الفقيه العبدي الكانوني، نقلا عن الشيخ أبوعبد الله محمد بن عبد السلام بناني في كتابه " مغاني الوفاء " إذ قال " أهل الأثر إن الشيطان نزغ بين بني سام وبني حام ابني نوح عليه السلام، فوقعت بينهم حروب انهزم فيها أبناء حام، فخرج هذا الأخير إلى ناحية مصر ثم إلى المغرب، وانتهى به المقام إلى موضع يُعرف بآسفي، وهي الرواية التي ذكرها المؤرخ الحميري الصنهاجي صاحب " الروض المعطار في أخبار الآثار “، وذكر المؤرخ أبو زكريا يحيى بن خلدون ( أخو عبد الرحمان بن خلدون ) في كتابه " بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد " أن حاما بن نوح عليه السلام لما دعا عليه أبوه واسود وجهه فر حياء وخجلا من رهطه واستقر بثغر آسفي من المغرب الأقصى ومات عن 400 سنة وقيل 771 سنة وقبره الآن هناك بآسفي " فهل يكون سيدي دنيان أحد أبناء أو أحفاد حام بن نوح ؟ . الرواية الثالثة: هناك احتمال أن يكون الضريح لأحد المجاهدين البحريين أو البريين الذين دافعوا عن استقلال البلاد وتحريرها من الأطماع الايبيرية البرتغالية أو إلإسبانية، خاصة أن ساحل مدينة آسفي وباديتها مليء برفاث وأضرحة العشرات من الأولياء والمجاهدين الذين تصدوا للغزو الايبيري ( سيدي بوشتى، سيدي شاشكال، سيدي بنكرارة، سيدي شراحل، سيدي عبد الكريم ..). الرواية الرابعة: قد يكون اسم " سيدي دنيان " تحريفا لأحد الأسماء العربية أو الأمازيغية، فكثيرا ما تم تحريف أسماء الأولياء بآسفي مع مرور الوقت ( سيدي بوزكري أصلها سيدي أبو زكرياء ، سيدي الزلزولي أصلها سيدي الجزولي، سيدي شاشكال أصلها أش قال ..) وإما أن يكون الاسم (دنيان) اسم عربي أصيل، على اعتبار أن العرب تسمي بأسماء الأنبياء تكرما، مثل: عيسى وموسى وأيوب ويعقوب وإسحاق ويوسف وداوود.. الرواية الخامسة: عبارة عن رواية شفهية شعبية تقول أن البحر الهائج رمى بصندوق فيه جثة طويلة مجهولة، فدفنها الناس هناك إكراما لصاحبها كما تنص على ذلك تعاليم الإسلام. الرواية السادسة: هي احتمال خلو الضريح من أي مدفون سواء كان وليا أو نبيا، فقد أجمع المؤرخون أن بلاد المغرب لم يدخلها نبي قط، حتى قيل أن المشرق أرض الأنبياء والمغرب أرض الأولياء، وهذا الاحتمال وارد جدا، نظرا لكون مجموعة من الأضرحة بآسفي عرفت بذلك، وقد تطرق مؤرخ آسفي الفقيه العبدي الكانوني لهذه المسألة في جواهره فقال : " وقد ابتُلي الناس من هذه المقامات بداهية عمياء، إذ بينما نحن ننظر فيما ُدهينا به من القبب المزخرفة على أصحابها الحقيقيين (...) إذ ظهر لنا ما هو أدهى وأَمَرُّ ألا وهو تشييد القبب على مواضع لم يُدْفَن فيها أحد، بُنيت لمجرد رؤيا منامية، لكون الصالح الفلاني مر منها أو جلس، أو رغبة منهم في جمع الحطام، قبح الله المطامع ولا بارك في أهلها، وهذا هو السر في كثرتها مثل مقامات الشيخ عبد القادر الجيلاني، مع أنه لم يدخل المغرب قط، وبسوس قبة سيدنا علي بن أبي طالب يقام عليها موسم سنوي مع أنه لم يدخل المغرب .." وذهب الكانوني نفس المذهب مع أضرحة أخرى اعتبرها وهمية و خالية من أي مدفون، ليس لها وجود في الواقع، تفنن البسطاء من الناس بآسفي في نسج أحداث وخوارق حولها، فشدت إليها الرحال من كل صوب. فقد يكون المدفن لأشخاص حقيقيين أو وهميين، مثل ضريح سيدي بوذهب المغلق منذ سنوات، أو ضريح سيدي الوافي أو ضريح سيدي الضاوي، الذي يسجل الفقيه الكانوني في شأنهما، أنهما ضريحان وهميان لم يتبث التاريخ وجودهما. وسواء صَحَّت كل هذه الروايات أو لم تصح، فإنها لا تخلو من قيمة تاريخية، فهي تَحْبَل بدلالات تاريخية لها أهميتها في تقريب فهم أمور ما يزال الجدل محتدا بشأنها، وتهم منطقة عبدة والمغرب عموما، ومن ذلك: 1 _ أن ساحل عبدة بمغاراته ووحشته وبُعْده عن العمران، كان عبر العصور مكانا مثاليا للخلوة والعبادة والانقطاع عن الناس، حتى أن مارسي يعتقد أن بعض خلواته و رباطاته، كانت في الماضي البعيد أديرة للناسكين والرهبان، وقد اشتهر ساحل عبدة بعدة خلوات في العصور الإسلامية، ومنها خلوة تامرنوت التي كان يتحنث بها الشيخ أبو محمد صالح الماجري، قبل بناء زاويته، وخلوة الشيخ محمد بن سليمان الجزولي، والتي ما تزال آثارها قائمة إلى اليوم . 2 _ أن ساحل عبدة شهد عبر العصور الإسلامية، ظهور رباطات،كانت في الحقيقة امتدادا لرباطات أخرى، تنتشر على طول الساحل الأطلنتي من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، شكلت جدارا أمنيا ودفاعيا للتصدي للقراصنة الأوربيين، ولمواجهة الاعتداءات الصليبية الإبيرية، التي تزايدت في القرن الخامس عشر، تحولت كثير من هذه الرباطات إلى أضرحة وقباب، ضمت جثامين مجاهديها من الصلحاء والصوفية، ولتقدم " دليلا على الدور الذي قام به الصلاح في ميدان الجهاد " . 3 _ فهي تقدم دليلا آخر بأن عبدة عرفت قبل إسلامها شيوع ديانات توحيدية يهودية ونصرانية، ولما كان " المستقدمون " لسيدي دنيان من جهة يحسبون ضمن ديار قبائل رجراجة، فإن مضمون هذه الرواية ينسجم تماما مع قول صاحب كتاب “بشارات الزائرين الباحثين عن الصالحين"، من أن قبائل رجراجة كانوا مسيحيين، وأنهم من حفدة حواريي السيد المسيح، وأنهم لم يدنسوا إيمانهم بعبادة إله غير الله تعالى، مما أكسبهم شرافة وعزة بين القبائل. 4 _ أنها تقوي القول باحتمال معرفة قبائل رجراجة ببلاد المشرق واتصالهم بها، إما عبر أسفار حج إلى المقدسات المسيحية بفلسطين، أو عبر رحلات تجارة واستكشاف، وقد يكون هذا من بواعث قول بعضهم بأن أصل رجراجة من الشرق، وقول البعض الآخر بصحبة رجراجة للرسول صلى الله عليه سلم، وسبقهم إلى اعتناق الإسلام . 5 _ أنها تجعل من إحضار الصلحاء والشرفاء والتبرك بهم، عادة مترسخة بأرض المغرب، كان المغاربة يأخذون بها قبل الإسلام، وأنها تجددت في العصور الإسلامية باستقدام أمازيغ أوربة وسوس و تافيلالت للشرفاء الأدارسة والسعديين والعلويين للتبرك بهم في نشر الطمأنينة والاستقرار وإصلاح الغلال، علما أن جلب جثامين الأولياء والصالحين ودفنهم وسط القبيلة من أجل البركة أو الاستسقاء أو الشهرة والتميز عن الغير مسألة معروفة جدا، خصوصا وأن المنطقة عرفت مجاعات وجفاف وحروب قبلية، كما أن ظاهرة التنقل بجثامين الأولياء والصالحين للتبرك بها أو استجلاب النصر موجودة عند الكثير من الشعوب ومنها اليهود، وجريا على نفس العادة عرفت منطقة آسفي نفس الظاهرة، ومثال ذلك استخدام جثمان الولي الصالح أبوعبد الله محمد بن سليمان الجزولي من قبل تلميذه عمر الشيظمي الملقب بالسياف، قبل أن ينقل الجثمان إلى مراكش ويصبح أحد رجالاتها السبعة. و عن الطول المفرط لضريح “سيدي دنيان " والبالغ حوالي ستة أمتار، فإن للمغاربة في البناء على الأولياء والصالحين أعراف وعادات بل صورا متعددة وأحيانا غريبة، ففي بعض المناطق يبنون " القبب " على أضرحة الأولياء، كما هو شأن سيدي عيسى بن مخلوف، الذي تعلو ضريحه خمس قباب، وفي مناطق أخرى يبنون ما يسمى " الحوش " وهو سور حجري صغير محيط بالقبر، أو يركمون الحجارة بشكل دائري أو نصف دائري حول القبر وهو ما يسمى " الكركور “، وفي أماكن أخرى تدار الحجارة حول صخرة مجوفة ويسمونها " المزارة “. و " يُعْزى الشكلين الأخيرين إلى بقايا معتقدات وثنية قديمة ظلت حية بالوجدان الديني لسكان المنطقة من المصامدة بعد إسلامهم، وأخذ بها العرب الهلاليون بعد دخولهم عبدة واستقرارهم بها " . وتطويل البناء على القبور لا يعني بالضرورة طول الجثمان، فقد يكون التطويل في البناء من أجل المفاخرة والمباهاة، أو من أجل إضفاء الهيبة والاحترام على الضريح، أو من أجل التميز القبلي، أو للدلالة على المكانة الروحية والدينية للولي، أو قد يكون الجثمان دفن في مسكن ثم اتخذ بعد ذلك ضريحا . وتخبرنا بعض المصادر العبرية والمسيحية، أن " دانيال " اسم عبري، يُكْتَبُ خطأ دانييل ودنيال وداينال، ومعناه كما جاء في تفسير قاموس الكتاب المقدس " الله قضى “، وهو نبي من أنبياء بني إسرائيل، و من سبط يهوذا و نسل داوود الملك، وهو ممن لا يُعلم وقته على اليقين، إلا أنه كان في الزمن الذي بعد داوود، وقبل زكريا و يحيى عليهم السلام، وكان في الوقت الذي قدم فيه بختنصر إلى بيت المقدس وخربه، وكان النبي دانيال ممن تم أسرهم ونقلهم إلى بابل إبان السبي البابلي لبيت المقدس. له سفر باسمه في كتاب أهل الكتاب، وهو أشبه الأنبياء بيوسف عليه السلام، إذ هو غريب مضطهد لكن الله رفعه بالعلم وتعبير الرؤيا لدى الملك. و قد دعا النبي دانيال ربه أن يدفن على أيدي أمة نبي آخر الزمان محمد صلى الله عليه وسلم، وقد حدث ذلك بالفعل في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وقال صلى الله عليه وسلم : (من دل على دانيال فبشروه بالجنة)، وقد ُوجد جثمان دانيال عليه السلام في بلاد فارس في تابوت في بلدة تستر، وهناك روابة ثانية تقول أن مرقده في مدينة شوش في إيران، فيما رواية أخرى ترى أن ضريح نبي الله دانيال موجود في مدينة الموصل بالعراق، والمسألة فيها خلاف، لكن المؤكد أنه حين ُوجد بعد مئات السنوات من موته، وجد سليما، ذلك أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء والشهداء والصالحين. واشتهر أن الصحابة عثروا على قبره، ثم أمرهم عمر بن الخطاب أن يُغَيبوا قبره خشية أن يتخذه الناس معبداً أو يشرك بالله عنده. وحتى وإن كان ضريح نبي الله دانيال مُغَيّبا وغير معروف وليس له أي وجود بآسفي، فإن الكثير من الطقوس المبتدعة لزيارة ضريحه المزعوم، مستمرة إلى اليوم، من قبيل إقامة موسم سنوي له في ربيع الأول من كل سنة، وإشعال الشموع بضريحه، والتبرك بترابه والمسح به على الرؤوس والصدور والأعناق اعتقادا من بعض زواره أنه البلسم الشافي من الأمراض، كما لازالت النساء يشكلن الشريحة الأكثر ارتيادا لضريحه، حيث يمكثن به أياما وكأنهن في مشفى عمومي، وإن كان ليس كل زوار موسم سيدي دنيان بآسفي من أتباع الضريح بل فيهم تجار و متسوقون. و لعل الغموض الذي يلف ضريح " سيدي دنيان " والإعتقاد بوجوده وفاعليته بعد موته، ليست حكرا على مدينة آسفي فقط، ففي منطقة " تاكموت " بالسوس الأقصى يوجد ضريح طوله سبعة أمتار مغطى بالثوب الأخضر، يعتقد سكان المنطقة أنه لنبي الله “دانيال " جلب في تابوث من أرض العراق قصد الاستسقاء به، وذكر ابن بطوطة في رحلته الشهيرة أن بمدينة " خنخ بال " بالبحرين " قبر الشيخ الولي القطب دانيال، وله اسم بتلك البلاد شهير، وشأن في الولاية كبير، وعلى قبره قبة عظيمة " . المصادر المعتمدة في مقاربة الموضوع: 1 _ ذ ابراهيم اكريدية: صلحاء آسفي وعبدة و أصولهم وما كان لهم من أدوار اجتماعية. 2 _ سعيد البهالي: حقيقة ضريح سيدي دنيان: نبي أم ولي أم خرافة ؟_ جريدة لواء آسفي_ عدد 12 _ ماي 2007.