الحزب السياسي تنظيم يسعى الى بلوغ السلطة السياسية، مستندا الى القاعدة الشعبية التي يؤطرها ويثقفها في ابجديات العمل السياسي، ومن تم يقنعها بفكره وخططه، هذا حين المفهوم الموضوعي للحزب، وحين الديموقراطية الملاذ في عصر احترام ذكاء الانسان وعقله، وفي بلاد المعارك الحزبية على البرامج والاستقطاب والحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، فتطرح البرامج المختلفة للجمهور ليختار، وحين يختار تتفرق الحشود احتراما لرغبة الجمهور، فتحترم الاقلية الاغلبية وتحفظ الاغلبية حقوق الاقلية.. ذلك، وفي دولة البلقنة السياسية وتفريخ الاحزاب واستنساخها، يقع العكس تماما، فالحزب السياسي غائب عن المجتمع في كل مراحله، بعيد عن الجمهور بكل اطيافه، فلا هو يقوم بالتأطير الوظيفة الاولى له، ولا يحاول فهم الواقع المعيش ليتأقلم معه ويجدد الافكار ويطور العمل، فظل عتيقا بال، يعيد استنساخ صفحات افكار وما يطلق عليه البرامج من خزانته المغبرة، غير ابه ان الزمن ليس الزمن والانسان ليس الانسان ولا حتى المكان نفس المكان، فالمحيط تغير ايجابيا او سلبيا لا يهم، الاالحزب السياسي ظل يترقب موسم الانتخاب ليستنجد بالجمهور الذي غاب عنه وغيبه، الجمهور الذي عاف السياسة فهي في نظره سبيل الفساد والدناءة وسوء الخلق، خاصة عندما تصبح السياسة فن الممكن بالخضوع للواقع السياسي بناءا على حسابات القوة والمصلحة، وفن الممكن الحقيقي هو دراسة وتغيير الواقع موضوعيا.. ذلك، والاحزاب عندنا اصناف، تجتمع في سلة واحدة الا اللمم، منها من صنعته السلطة السياسية لغايات معنى فن الممكن الاول، وكثير هي الاحزاب المغربية التي جاء بها دهاء السلطة السياسية، وهذه الاحزاب بدورها تزوجت بالمخزن فولدت المزيد من الاحزاب، سارعت الدولة بتسجيلها في كناش ولادة الكائنات السياسية، لتربيها على الاخلاص في السراء والضراء وعلى تسفيه احلام الجمهور العريض الذي اختار منحى اخر حين فهم ان السياسة جولات من المد والجزر، وان عصا الدولة قد تطاله ان عاق ابناءها، ومن هنا علم في القرى والضواحي المسكينة سبب الزحام عند كل صندوق، رغبة ورهبة، رغم ذلك في الفؤاد وفي القلب احزاب الشعب القريبة منه، الحاضرة دائما، قبل حتى ان تولد، فهي فتية جاءت في القلوب والعقول منذ ماقبل الولادة، ومنهم من يصف التاريخ لحسابه حين قاوم الدخيل ايام الحماية المزعومة، قاوم بربطة العنق في مغرب الثلاثينيات، حين كان المغاربة يقاومون في الجبال والسهول حفاة القدمين، وقادة تلك الاحزاب المزعومة تاريخية يلبسون ربطات العنق جنبا الى الى جنب مع المعمر، ثم الان يقولون شرعا تاريخا لنا البلاد، والتاريخ مضى وجزاكم الله كل خير، ورحم الله من قاوم فعلا لا قولا وزورا.. ذلك، واغدق الحزب المستقل دعوى لا حقيقة، المغرب بجنس نادر من الناس تقلدوا المناصب واستولوا على الخيرات فهم شعب الله المختار في بلاد المغرب، فوحدوا الاسم واشتقوا له اسماء، ووحدوا الوطن في شماله الغربي النافع الى عاصمة العلم التي ينسبون لها زورا وبهتانا، وحين استبدوا وطالتهم صيحات الجمهور الغاضب، جاءهم المخزن برجل من اقصا البادية يسعى، ليعلن ترميم البناية الفاسية التي لم تعد فاسية، ولن ترمم لان الزمن غير الزمن والبناية آيلة للسقوط.. ذلك، وفي مسعى اخر وحزب اخر عتيد في نظره، استدرج قبلا الى بيت المخزن ففتح ذراعيه للكراسي وجلس جلسة النصر، ووجد الكرسي مريحا فنسي، وبعد قليل طرد من غرفة العمليات فاقدا للعذرية التي لم يمتلكها يوما، حين اراد افكار قادمة من بلاد بعيدة لجمهور عريق في المغرب والاصالة، فلما وجد نفسه وحيدا الى جانب رفاق حاضرون غائبون الا في مناوشات نقابية بزعمهم، رفاق اجسادهم في هذا الوطن والعقول هناك في السحاب، رفاق الاحلام العاجزة عن فهم الذات، فكيف بفهم الجمهور المتجذر في البلاد والاصالة، اقول عندما وجد الحزب العتيد بنايته تنهار اتربتها فوق رؤساء الشيوخ البؤساء المرضى بالزعامة، جاءتهم قوى التغيير ولملمتهم الدولة من بتيهم الخراب الايل للسقوط، حين جاؤوهم برجل نهم للكراسي، شبيه الاول في الشكل والمعنى.. ذلك، فتحاول الدولة بالجرار بناء عمارة كتلك التي يسمونها سكنا اجتماعيا لإيواء قاطني دور الصفيح والبناء العشوائي الايل للسقوط، لإيواء احزاب آيلة للسقوط، وتلك خطة الدولة والمخزن لإيجاد فرصة عمل للجرار الذي لم يستطيع حرث ارادات الجمهور رغم البوادي المغلوبة على امرها والضواحي، ورغمالخطط المنسقة، فكان اخر الحل بناء هذه العمارة السياسية الضيقة، ومن الان على الاحزاب تلك تأدية فواتير العمارة، والاخلاص في السر والعلن، وفي العلن هاجم الحزب المستقل الساكن اجتماعيا والمسكون سياسيا، هاجم نفسه والاخرين بلا وعي طاعة عمياء، واحتمى في حضن المعارضة كعاهرة مفلسة، تخون زوجها.. ذلك، واما الجرار الذي يبني لغيره بيوتا اسمنتية باردة فهو اسواهم وضعا، بعدما ظهرت عوراته على قارعة الطريق وانهار جزء من بيته الانيق رغم حداثة البناء، انهار البناء لدرجة ان غرفة النوم تتراءى لكل مراقب سياسي متأمل، تلك الغرفة التي تزورها بعض الاحزاب بين الفينة والاخرى، لإشباع نهمها السياسي وتوسلا لمقاعد وثيرة او ربما لشقق مفروشة في عمارة العمل السياسي، والجرار الذي لم يعد له ما يخسره بعد ان خسر حتى السائق، مازال يحاول الحرث في ارض الحرية، مازال يهاجم الجمهور المسالم عبر مهاجمة خياره، ويسفه ارادات وذكاء الملايين، وعند كل امتحان يهان، .. ذلك، وفي القلب وطن، واصالة شعب، وفهم الجمهور وطنه ووطنيي البلاد، وانتفض جزئيا عند الصناديق، تلك الحرية الي يريدها، والبناية جميلة وصلبة يساندها الجمهور الحر الابي، يساندها الصفاء والنزاهة والعفة والحب، يساندها الوطن والمكان والزمان، فلا خوف على البناء المتين بالصدق، رغم العواصف والرياح الخبيثة، فالبناء باق بإذن الله الى ازدهار الوطن والمواطن، حفاظا على الاصالة والثوابت، حفاظا على الامن والامان للجمهور وللشعب المغربي العظيم.