بيلماون، أو بوجلود، احتفال شعبي عريق متأصل في جذور العادات والتقاليد الأمازيغية بمنطقة سوس، وهو تراث سنوي يتكرر خلال كل عيد أضحى، يتأهب فيه الشباب خاصة للتنكر من خلال ارتداء جلود الأضحية والخروج إلى الشارع للاحتفال فرادى وجماعات. الدشيرة، بنسركاو، تيكوين، تراست، أيت ملول.. كلها أحياء في أكادير تشهد على طقوس احتفالية أبطالها ساكنة في مختلف الأعمار، لكن غالبيتهم من الشباب يرتدون جلود الماعز والأكباش وألبسة ساخرة وأقنعة، ويخرجون للشوارع بعصيهم التي يصنعونها من أرجل الأضاحي، فتبدأ مطاردة المارة ذكورا وإناثا في جو تغلب عليه الإثارة والمرح، لتدوم الفرجة أياما عديدة على أن تختم بحفل فني يقام بالأموال التي يتم جمعها سلفا. وينقسم الشارع في منطقة سوس عموما، وفي مدينة أكادير بالخصوص، إلى قسمين، الأول يرى في “الكرنفال” إضافة ونكهة خاصة تضاف لأيام العيد، ولا عيد بدون هذه الاحتفالات حسب وجهة نظره، بينما يذهب الجزء الثاني إلى أن بيلماون أو بوجلود، لا يضيف شيئا للعيد، بقدرما يعكر صفوه ويحول أيامه إلى نوع من “حظر التجول”، وأنه على السلطات المحلية أن تخضعه للقانون.. التأهب يسبق العيد ينتظر الشباب في أحياء مدينة أكادير عيد الأضحى بأحر من الجمر، بل يضربون للموعد ألف حساب، فما إن يعلن عن قدومه حتى يتأهبون في جماعات تمثل أحياء عديدة، وقبل العيد بنحو أسبوعين كل جماعة عليها أن تحشد أكبر عدد من الساكنة في مختلف الفئات، يرسمون على الجدران والواجهات لوحات فنية ويصبغون الأرصفة، ثم يزينون مداخل الشوارع بالأعلام والبالونات واللافتات. وكل مساء يجوب الشباب شوارع الأحياء الأخرى بطبولهم وأصواتهم المتعالية كأنهم يتباهون ويفتخرون، و يقولون للأحياء الأخرى بأن كرنفالهم سيكون الأحسن. ويكون طوافهم حول المدينة فرصة لجمع تبرعات المتعاطفين، وانخراطاتهم مقابل الحصول على شارة '' بادج ‘‘ لا يحمل توقيع أي إطار قانوني، لكن يخول له مقابل ذللك ارتداء الجلود أيام العيد ويمكنه من الانضمام للجماعة، وتختتم الاحتفالات بسهرة فنية في كل حي تشارك فيها الفرق المحلية. بيلماون.. أيام العز بيلماون اليوم ليس هو بيلماون الأمس، وثمة بون شاسع بينهما خصوصا من الناحية التنظيمية، ويروي ''بوميا ‘‘ أحد الذين كانوا يسهرون على تنظيم كرنفال بيلماون في فترات الثمانينات كيف كانت الأمور حينها في غاية البساطة، فرغم أن الإجراءات التنظيمية كانت تحكمها العفوية والارتجالية، إلا أن الكرنفال كان يمر وقتها في جوي أخوي جميل تطبعه الفرجة ويشهد له الجميع بالنجاح. أما اليوم، يضيف '' بوميا ‘‘ فلا بد للشاب قبل أن يرتدي الجلود أن يحتسي الخمر ويتناول أصنافا مختلفة من المخدرات، وهو الشيء الذي كنا نرفضه كفعاليات شعبية ونقف ضده، لأن من يقارع الخمر سيبتز المواطنين خاصة النساء، وسيسرق ويسب ويشتم ويهاجم المارة بهمجية”. وبدوره يسرد بوخريص، من أبناء منطقة تيكوين القدامى، كيف كان الكرنفال البسيط يحقق نجاحا باهرا، مشيرا إلى أن الذين يرتدون الجلود قلائل يعدون على رؤوس الأصابع، ولا مجال لكل من هب ودب ليقحم نفسه طرفا في الكرنفال، حيث كنا يقول بوخريص نخرج صباحا وننهي التجول في حدود الساعة السادسة أو السابعة مساء، لا كما يفعل جيل اليوم الذي يطارد الناس حتى منتصف الليل، وهو الشيء الذي يفتح الباب على مصراعيه لمختلف أنواع التجاوزات. جمعيات تنفر.. وشباب يغامر إذا كان بيلماون أو بوجلود تراثا عريقا يتوجب علينا الحفاظ عليه من الاندثار، فإن عددا من الجمعيات بأكادير تنفر منه بمبرر عدم القدرة على تحمل مسؤولية تنظيمه، رغم أن ثمة مطالبات من طرف الساكنة المحلية أن تسند مهمة تنظيم هذه الاحتفالات التراثية السنوية للجمعيات، باعتبارها إطار قانوني بإمكانه السهر على مرور الكرنفال في جو فرجوي سليم ومنظم، وفي مقابل ذلك يحمل شباب متطوعون على عاتقهم المسؤولية التنظيمية لكرنفال بيلماون. رضوان، عضو جمعية الفضيلة بمنطقة المزار أيت ملول، وهي واحدة من الجمعيات التي تنظم كرنفال بيلماون، يعزو سبب رفض مجموعة من الجمعيات إقحام نفسها في تنظيم الكرنفال بالدرجة الأولى إلى عدم القدرة على تحمل المسؤولية والخوف من العواقب الوخيمة في أحايين كثيرة، مردفا بأنه يتعين على الجمعيات أن تتشجع في مستقبل السنوات من أجل الحفاظ على موروث عريق. ويرى سمير، أحد الشباب الذين يسهرون على تنظيم الكرنفال هذه السنة في أحد أحياء المدينة، أن تنظيم بيلماون من العادات الأمازيغية المتوارثة التي يتوجب على الشباب الحفاظ عليها مهما كلفهم الأمر، مضيفا أن الأمور ستمر بخير نظرا إلى نضج الشباب المشاركين ووجود لجنة منظمة، وأيضا لإلزامية خضوع هؤلاء لالتزام يحمل عددا من البنود التي ستجعل هذا الحفل الجماعي يمر في أحسن الظروف” حسب تعبير سمير. فوائد قوم عند قوم مصائب “بيلماون، شفارة كيشجعوا تشفارت والكريساج”، يقول حسن من ساكنة منطقة تيكوين التي تعتبر واحدا من الأحياء الشعبية المشهورة بتنظيم بيلماون، وعلى نهجه سار عدد من الساكنة هناك، إذ يتهمون الشباب الذين يرتدون الجلود يوم العيد إلى تعكير صفو هذا اليوم الجميل، وتحويله إلى جحيم لا يطاق. ويحلو لعدد من الساكنة الأكاديرية أن تصف بيلماون بالتراث الديكتاتوري والمستبد كونه يفرض على الأغلبية حظرا للتجوال بالأزقة والشوارع العامة، فإما أن تدفع بضعة دراهم أو يهوي عليك الإنسان/ الخروف بالضرب المبرح غير آبه بتوسلاتك، إنسان لا تظهر ملامحه ولا يحمل أية هوية، وهو الشيء الذي تنتقده الساكنة وتعتبره غير قانوني. خديجة، طالبة جامعية في شعبة الاقتصاد بجامعة ابن زهر، ترى أن بوجلود يحرمها من عيش لحظات العيد كما تحب، إذ يرغمها على المكوث في المنزل دون الخروج لزيارة العائلة والأهل، وتضيف أنه على التراث أن يكون تراثا من أجل التراث لا من أجل زرع الرعب في صفوف الساكنة ومطاردتهم في الشوارع العامة. ويرفض عبد الله قائد فرقة موسيقية، سبق لها أن دعيت إلى الحفلات التي تنظم أيام العيد من طرف الشباب المنظمين للكرنفال، المشاركة في هذه الحفلات بداعي أن عواقبها وتبعاتها تكون وخيمة ولا تنتهي في غالب الأحيان نهاية سعيدة، ومن الأحسن الابتعاد عن ذلك.. ما بغيناش فلوسهم ‘‘ يضيف عبد الله. أما رشيد بحماني، ناشط أمازيغي مهتم بالتراث السوسي، فيجد أن بيلماون تراث أمازيغي عريق، يعبر عن مدى ارتباط الانسان الأمازيغي بالطبيعة عموما وبالحيوان على وجه الخصوص، لكن رشيد يرفض أن يكون هذا التراث ماديا، ويرى أن فصله مع بعض السلوكيات الدخيلة عليه التي تصاحبه في السنوات الأخيرة سيكون أحسن لضمان بقائه. تراث أمازيغي يقترن بالجريمة إلى متى ستستمر الجريمة ترافق بيلماون وتقترن به، وإلى متى سيسقط قتلى بمحيط هذا التراث المتأصل، يتساءل المواطنون بمدينة أكادير، فلا يمكن لعيد أضحى أن يمر دون أن يرسل عدد من الشباب إلى قاعات الأموات وعددا آخر من المعطوبين إلى غرف المستعجلات. ولا ينسى الرأي العام المحلي والساكنة الأكاديرية الجرائم البشعة التي وقعت في مجموعة من المناطق، مثل الجريمة التي وقعت بمنطقة تيكمي أوفلا الدشيرة، وراح ضحيتها شاب بعد خلاف حول فتاة مع أحد أفراد بوجلود، وأيضا جريمة تيكوين الذي ذهب ضحيتها جندي سابق على يد أخوين، وكذا أحد المتفرجين الذي طعن زميله بطعنة سكين غادرة في حي بنسركاو، والشاب الثمل الذي وجه ضربات بالسكين لفتاة بعين القليعة، وعدد من الجرائم الأخرى التي يكون فيها بيلماون طرفا أو تقع في محيطه، والتي تختم فرحا جماعيا لا يخلو في غالب الأحيان من الملاسنات و الصدامات والصراعات، وتبادل عبارات السب والشتم بين الشباب لأسباب تافهة يلعب فيها عامل المخدرات دور بارزا.