يوم الأحد الماضي، زرت جبال الأطلس، لأول مرة في حياتي، ورأيت بعينيّ العزلة، والبؤس والفقر وموت الكرامة الإنسانية، بعدما كنت أقرأ في الجرائد فقط، عن معاناة سكان تلك المناطق النائية مع قساوة العيش. الطريق التي توصل إلى المنطقة، والتي لا تستطيع سوى سيارات الدفع الرباعي أن تسلكها، يعتبر المرور منها مخاطرة حقيقية. في كثير من المنعرجات يضطر السائق إلى التوقف، والرجوع إلى الوراء، كي يجتاز المنعرج، لأنّ المنعرجات حادّة وضيقة وخطيرة، ورغم كل هذا، ف”الطريق” (التي أضعها بين معقوفتين لأنها ليست طريقا)، لا تصل إلى الدواوير، بل يضطر السكان للاستعانة بالدواب، أو السير على أقدامهم، من أجل الوصول إلى بيوتهم. هذا هو المغرب الذي يجب على المسؤولين المغاربة أن يزوروه، عوض الجلوس داخل مكاتبهم الفاخرة في العاصمة الرباط، ويوهموننا من خلال نشرات التلفزيون الرسمية بأن المغرب منْ أجمل بلدان العام. 2 المنطقة التي زرتها، هي نفس المنطقة التي زارها وزير الاتصال قبل أيام، من أجل الوقوف على الآثار التاريخية التي قيل بأنّ سلفيين قاموا بطمس معالمها، وتمنّيت لو أن الوزير زار المنطقة عبر الطريق التي سلكناها نحن، لكي يرى، باعتباره عضوا في الحكومة، وقياديا في حزب “العدالة والتنمية” الذي يرأس الحكومة، كيف يعيش الناس هناك، ويقف على معاناتهم القاسية مع ظروف العيش، وينقل تفاصيل ذلك كله إلى عبد السيد بنكيران، لكن شيئا من كل هذا لم يحدث، لأن السيد مصطفى الخلفي فضّل أن يصل إلى الموقع عبر طائرة مروحية، وهذا هو أكبر عيب للمسؤولين المغاربة. إنهم يفضلون النظر إلى الشعب الذي يعيش في الحضيض من أبراجهم العاجية، لذلك لا يحسّون ولا يشعرون بآلام ومعاناة البسطاء والمستضعفين. 3 عندما سألت أحد مواطني المنطقة كيف يسلكون تلك الطريق الوعرة والخطرة، نظر إليّ بنوع من الاستغراب، قبل أن يجيب بأنهم يحمدون الله على وجود تلك الطريق التي شقوها بأنفسهم، رغم خطورتها، لأنهم قبل ذلك كانوا يتنقلون فقط على متن ظهور الدوابّ، ويحملون عليها المرضى والنساء الحوامل إلى المستوصف الذي يبعد بعشرين كيلومترا، ولكم أن تتصوروا مريضا راكبا على ظهر دابة تسير في تلك المنعرجات الخطرة وسط الجبال الشاهقة. لو كنت مكان رئيس الحكومة، والماسكين بزمام الأمور في البلد، وزرت تلك المنطقة، ووقفت على معاناة ساكنيها، ما كنت لأنام أبدا. 4 في تلك المناطق المنسية التي تتحول إلى جحيم حقيقي مع دخول فصل الشتاء بسبب شدّة البرد وسقوط الثلوج، يمكنك أن ترى البؤس القاتم وتلمسه في كل مكان. على وجوه الناس التي تكسوها التجاعيد والأخاديد العميقة، ومن خلال ملابسهم البالية التي يلتحفونها، وفي المسالك الجبلية الوعرة، وفي كل مكان. عندما كنت هناك تذكرت ما قاله بنكيران، عندما كانت هناك دعوات بخفض أجور الوزراء، حيث قال بأنه يريد أن يعيش وزراء حكومته حياة كريمة، وتساءلت مع نفسي: ألا يستحق هؤلاء المواطنون المنسيون في أعالي الجبال أن يعيشوا بدورهم حياة كريمة؟ هل يعقل أن يعيش هؤلاء في جحيم كل هذه المعاناة وفي الرباط يوجد مسؤولون تصل أجورهم إلى 20 مليونا في الشهر؟ هل من العدْل أن يمنح المغرب لفرنسا 2000 مليار من أجل استقدام ال”تي جي في”، وهؤلاء المواطنون المهمّشون لا تتوفر منطقتهم حتى على طريق صالحة تسعفهم نحو الوصول إلى بيوتهم في أمان؟ أسئلة كثيرة طرحتها وظلت بلا جواب، وعدت وفي حلقي غصّة ومرارة وحرقة، وغاضبا من أولائك الذين كانوا سببا في تحويل حياة سكان ذلك المغرب المنسي إلى جحيم حقيقي، في الصيف والشتاء.