العجز هو وجود إرادة للفعل مع عدم وجود قدرة لإنجازه، أما الكسل فهو انتفاء تلك الإرادة .. فأي فعل هو اجتماع الإرادة مع القدرة؛ فالإنسان إذا توافرت له الإرادة، فقد خرج من دائرة الكسل، فإذا كان عنده القدرة فقد خرج من دائرة العجز . وإذا أصيب المرء بالعجز والكسل؛ فاغسل يديك منه .. فالكسل يفوت علينا الفرص التي يصعب تعويضها، ويحرمنا من تحقيق ما نرغب فيه، وبالكسل تتراكم الأعمال حتى يصل المرء إلى العجز عن القيام بها، ومن بذر بذرة «ليت»، نبتت له شجرة «لعل»، يقطف فيها ثمر «الخيبة والندامة» .. قال الإمام الراغب رحمه الله: “من تعطّل وتبطّل انسلخ من الإنسانية، بل من الحيوانية وصار من جنس الموتى”. ومن تعود الكسل ومال إلى الراحة فقد الراحة، وقد قيل: إن أردت ألا تتعب فاتعب حتى لا تتعب، وقيل أيضا: إياك والكسل والضجر، فإنك إن كسلت لم تؤد حقا، وإن ضجرت فلن تصبر على الحق. ولقد ذم الله تعالى الكسل، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: 38 – 39]. بل عد سبحانه الكسل من صفات المنافقين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيداً} [النساء: 71 – 72]. وعن أنس – رضي الله عنه – قال –صلى الله عليه وسلم-: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال» [متفق عليه]. يقول ابن القيم رحمه الله في (زاد الميعاد): “والكيس هو مباشرة الأسباب التي ربط الله بها مسبباتها النافعة للعبد في معاشه ومعاده فهذه تفتح عمل الخير، وأما العجز فإنه يفتح عمل الشيطان، فإنه إذا عجز عما ينفعه وصار إلى الأماني الباطلة بقوله لو كان كذا وكذا، ولو فعلت كذا، يفتح عليه عمل الشيطان فإن بابه العجز والكسل، ولهذا استعاذ النبي –صلى الله عليه وسلم- منهما، وهما مفتاح كل شر ويصدر عنهما الهم، والحزن، والجبن، والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال، فمصدرها كلها عن العجز والكسل وعنوانها (لو) فلذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «فإن (لو) تفتح عمل الشيطان» فالمتمني من أعجز الناس وأفلسهم، فإن التمني رأس أموال المفاليس، والعجز مفتاح كل شر. وأصل المعاصي كلها العجز، فإن العبد يعجز عن أسباب أعمال الطاعات، وعن الأسباب التي تبعده عن المعاصي، وتحول بينه وبينها، فيقع في المعاصي، فجمع هذا الحديث الشريف في استعاذته –صلى الله عليه وسلم- أصول الشر وفروعه ومباديه وغاياته وموارده ومصادره، وهو مشتمل على ثماني خصال كل خصلتين منها قرينتان، فقال «أعوذ بك من الهم والحزن» وهما قرينان، فإن المكروه الوارد على القلب ينقسم باعتبار سببه إلى قسمين: فإنه إما أن يكون سببه أمرا ماضيا، فهو يحدث (الحزن)، وإما أن يكون توقع أمر مستقبل فهو يحدث (الهم)، وكلاهما من العجز، فإن ما مضى لا يدفع بالحزن، بل بالرضا والحمد والصبر والإيمان بالقدر وقول العبد قدر الله وما شاء فعل. وما يستقبل لا يدفع أيضا بالهم، بل إما أن يكون له حيلة في دفعه فلا يعجز عنه، وإما أن لا تكون له حيلة في دفعه فلا يجزع منه ويلبس له لباسه ويأخذ له عدته ويتأهب له أهبته اللائقة به ويستجن بجنة حصينة من التوحيد والتوكل والانطراح بين يدي الرب تعالى، والاستسلام له والرضا به ربا في كل شيء، ولا يرضى به ربا فيما يحب دون ما يكره، فإذا كان هكذا لم يرض به ربا على الإطلاق، فلا يرضاه الرب له عبدا على الإطلاق، فالهم والحزن لا ينفعان العبد البتة بل مضرتهما أكثر من منفعتهما، فإنهما يضعفان العزم ويوهنان القلب ويحولان بين العبد وبين الاجتهاد فيما ينفعه ويقطعان عليه طريق السير أو ينكسانه إلى وراء أو يعوقانه ويقفانه أو يحجبانه عن العلم الذي كلما رآه شمر إليه وجد في سيره فهما حمل ثقيل على ظهر السائر”. للطب رأي من طريف الدراسات الطبية عن الكسل، ما أثبتته دراسة جديدة أن الكسل أكثر خطورة من التدخين، بعد أن تبين أن عدد من يقضي عليهم الكسل في (هونج كونج) أكبر من عدد من يقضي عليهم التدخين. وأظهرت الدراسة التي أجريت على سكان (هونج كونج) الذين توفوا في عمر يزيد عن 35 عاما عام 1998 أن عدم القيام بأي نشاط بدني أدى إلى وفاة أكثر من 6400 شخص في العام، مقارنة بأكثر من 5700 شخص توفوا بسبب التدخين. وجاء في الدراسة التي نشرتها صحيفة (ساوث تشاينا مورننغ بوست) أنه تم توجيه الأسئلة لأقارب حوالي 24079 شخصا توفوا عام 1998 حول قيام المتوفين بأية نشاطات بدنية خلال العقد الذي سبق وفاتهم. ونقلت الصحيفة عن البروفيسور (لام تاي هينج) رئيس قسم صحة المجتمع في جامعة (هونج كونج) الذي أشرف على الدراسة: “لقد حسبنا أن حوالي 20% من الوفيات التي حدثت لأشخاص في هونج كونج بعد سن 35 عاماً يمكن أن تعزى إلى عدم قيامهم بأي نشاط بدني. ويصل ذلك إلى 6450شخصاً”. وأضاف أن الوفيات التي سببها الكسل تفوق تلك التي سببها التدخين والتي وصلت إلى 5270 عام 1998)، وتبين للباحثين أن خطر وفاة البالغين الذين لا يمارسون الرياضة بسبب الإصابة بالسرطان ترتفع بنسبة 45% عند الرجال و 28% عند النساء. بل إن التغلب على الكسل أولى خطوات الوقاية من الاكتئاب والتوتر لأنها ترفع قدرة الإنسان على المقاومة النابعة من سعادته، وإحساسه بالقدرة على الخروج من الدوائر الصغيرة، وأنه قادر على هزم الحصار الروتيني حوله، وبالتالي الانتصار على الأمراض. الكسل كله شر الإنسان في هذه الحياة إذا ركن إلى الراحة والدعة والخمول هان على نفسه وعلى الآخرين، فالكسل حلقات متتالية، فمن كسل عن شيء جره ذلك إلى الكسل عن آخر وثالث ورابع حتى يلتحق بالأموات وهو يمشي على الأرض، ولربما تكاسل عن أسباب المعاش فلجأ إلى سؤال الناس فكان دنيئا. حياة الرتابة والتثاؤب مملة بل قاتلة حين يظل طلب النفيس مفقوداً، وحين يعيش قطاع منا كالهمج الرعاع يكفيه من الدنيا ملبس ومطعم .. إنهم قسمان تجاه مغالطات الواقع؛ قسم ابتلاه الله بهمّ وسقم، فهو في فلكهما ليس له من الإحساس والتفاعل بالواقع شيء، وهذا لا يُعذر أبداً. وقسم لا يؤمن بالتجديد، ويوكل المهمة لغيره، وإن كان أسوأ سريرة، وهم كثر وإلى الله المشتكى. كما أن الوهن داء عضالٌ، إذا تمكن من الأفراد أو الأمم كان الذل والخزي من نصيبهم، وكانوا عرضة لسطوة أعدائهم وتسلطهم عليهم، بحيث يعيشون في هذه الحياة وكأنهم غير موجودين، بل يعيشون مسلوبي الإرادة، مهزومي النفوس، مشلولي الفكر. ولو نظرت في قصص الماضين لوجدت مصداق ذلك، فما استذلت أمة إلا بهذا. الطريق من هنا – من الطبيعي أنه قد تمر على الإنسان أحوال يفتر فيها عزمه، وتخور قواه النفسية، ويحتاج إلى تجديد العزم، وشحذ الهمة، وإنعاش الأمل في غدٍ أفضل، وسيجد ما يبحث عنه في حسن التوكل على الله، والترحال بين الأفكار والبلدان، وتشارك الهموم مع من يهتم به. – لكل نفس آلية خاصة لإدارة ذاتها، فابحث لنفسك عن آلية تجابه الوهن، وبإدارتك الناجحة لنفسك تكون قادراً على تخطي حواجز الوخم، وقمع الكسل وهنيئاً لك. – ابحث عن أهداف مقنعة وابنِ حياتك حولها .. يمكن للعديد من العوامل أن تُسهم في كَسَلك. لكن يبقى النقص في الرغبة للإنجازات أهم العوامل التي تثبط عزيمتك. فإذا لم تكن تتحرك باتجاه شيء يثيرك، فمن الصعب أن تعزز جهودك، وتتغلب على كسلك. – الحل يبدأ بما نسميه «البداية الصغيرة» حتى لا نقول كلاما كبيرا يؤدي إلى مزيد من الإحباط.. البداية الصغيرة تعني أن تختار من أعمالك المتراكمة عملاً واحدا.. هكذا بالتحديد عملا واحدا، وليس أكثر، ثم تحدد ساعتين يوميا -أيضا ساعتين فقط- ولا تستصغر الساعتين أو العمل الواحد .. وتبدأ في وضع خطة زمنية لإنجاز هذا العمل، ولنفرض أنه سيحتاج إلى عشر ساعات، فيكون المطلوب هو خمسة أيام لإنجازه. وهكذا حتى يتم إنجاز العمل الأول، فتنتقل بهدوء إلى عمل ثان أكبر قليلا، بعدد ساعات أكبر في اليوم، بعدد أيام أكبر، بنفس الطريقة السابقة….وهكذا إلى عمل ثالث ورابع. بهذه الطريقة ستجد أن حياتك ستنظم ووقتك سيرتب، لأنك ستتعود هذا الأسلوب في الإنجاز الهادئ المتدرج المنظم، ولا تنظر إلى أعمالك المتراكمة وتقول: ماذا ستفعل ساعتان في إنجاز كل هذه الأشياء؟ فالحقيقة الآن أنك لا تنجر شيئا على الإطلاق، ولا تحصل أي دقيقة عمل، وحياتك كلها غير منظمة.. فلننظم جزءًا من حياتنا، ولنبدأ بداية صغيرة، وبعدها سننظم حياتنا كلها، وسننجز كل أعمالنا بإذن الله تعالى. – من قال إن حياتنا يجب أن تكون مقصورة فقط على ما نحب؟! وهل إذا جاء يوم رأيت فيه أن في صلاة الفجر ثقلا عليك ستتملص منها؟ أم أنك ستجاهد نفسك للقيام بما هو مطلوب منك مرة بحب، ومرة من منطلق الالتزام. – الشفافية ومراجعة النفس ومتابعة التطورات في الحياة جهد مهم، ولابد أن ينال فاعله عظيم المثوبة. – ندب الحظ والتولول على النفس طريقة قديمة يتقنها الكسالى بكل احتراف، فلابد إذاً من صياغة النفس لمقاومة ودمغ التثاؤب أو الشعور به. – ينبغي أن نسقط العبارات التالية من قاموس حياتنا: * لقد فاتني القطار! * لم يعد في العمر متسع.. لقد شخت وتعذّر القيام بذلك. * ما فائدة العمل الآن.. لقد ضاعت فرص كثيرة.. إنّ الحظّ يعاكسني دائماً. * لقد سبقني إلى ذلك كثيرون.. لم يعد لي مكان. * جرّبت وفشلت لا داعي لتكرار التجربة. علينا أن نستبدل تلك العبارات بالعبارة التالية: «هناك دائماً وقت للعمل قبل الموت». – اجعل قلبك دائم الثأر من عدوه الذي يستحثه على الخمول .. أيقظ في داخلك نداء الانتباه والنشاط، ولا تتنازل عن تثبيت دعائمه، وإياك أن تُبقى خزانة أعمالك وإنجازاتك فارغة. – من الحالات التي قد يصاب بها المرء بعد إنجازه للأعمال -وخصوصاً تلك التي يبذل فيها جهداً كبيراً- الفتور والتراخي عن مواصلة بذل الجهد، وبالتالي الوقوع في الفراغ، والانخداع بالوقت. وهذه من الحالات التي ينبغي للجادين الانتباه إليها، لتلافي الوقوع في براثنها.