وأنا أشاهد إحدى الحلقات الخاصة عن موضوع الساعة حول الأساتذة المتدربين تطايرت إلى ذهني جملة سمعتها من احد ضيوف البرنامج ومفادها أن الأستاذ هو كل شيء وان لم يكون لن يكون هناك تعليم بالجودة المطلوبة لذا يجب الدفع بعجلة هذا الأستاذ نحو التكوين ليستحق أن يولج إلى هذه الوظيفة، وحسب قوله فاثنا عشر شهرا ومباراة ربما تكفي لان يكون الطالب في مهنة التدريس ولان يصلح لها وكلما اجتاز مباراة بنجاح إلا واستحقا أن يكون مدرسا بجدارة؟؟؟ فكرة تلفها الغرابة من كل الجوانب والغموض مسطر تحت كل كلمة فيها، إذ كيف يتحمل المدرس مسؤولية التعليم وحده، وكيف لمباراة أو تكوين أن تؤهله ليصير أستاذا على حد تعبير الوزارة، أتساءل من أين اقتنعت بهذه الفكرة؟ التكوين لم يكن يوما معيارا ولو استغرق العمر كله ومباراة من مئة سؤال لم ولن تكون كافية لتؤهل شخصا معينا ليدرس، و لا يقتصر الأمر على مجال التعليم فحسب بل على كل الجوانب الحياتية التي يمر منها الإنسان، لكن دعنا نتخذ من التعليم نموذجا كونه مهمة ليست بالهينة أبدا وان صح التعبير كونها الأساس الذي ينبني عليه كل شيء، ورسالته ما هي إلى غرس لبذور مختلفة ستزرع في المستقبل، أما إن كان ما سيجنى صالحا أو طالحا فهذا راجع إلى مدى رصانة الأساس الأول، ومدى تتبث جذوره… والنهوض بقطاع التعليم يعني مراجعة وإعادة التأكد من لبناته التي أصبح الكل يشك في مصداقيتها، وعندما أتحدث عن اللبنات فانا اقصد بها بالأساس كل المسؤولين، بدءا بالحكومة التي تتحمل الجانب الأكبر كونها من تنشئ المدارس وتؤطرها وتحكمها بمقرراتها، وتكون أطرا كفيلة وغيرها من الأمور التي لا تخفى على احد ثم البناي الذي بناها ومدى مصداقية المواد التي استعملها وفيما إن كانت ستصمد أمام هطول قطرات المطر والطاولات ومدى تحققها للراحة والانسجام التي أنشئت لأجله، وفيما إن كانت الصبورة مريحة للتلاميذ وللأستاذ ومدى نجاعة الطباشير لتحمي الأستاذ والتلميذ من حساسية ستلحق بهم غبار سيؤذيهم أكثر مما سينفعهم، وصولا إلى الأستاذ الذي يكمل المنظومة التعليمية والذي يحمل على وزره مهمة اقرأ التي نزلت منذ عقود، وهي أصعب مهمة لم ولن تتحقق إن قصرت الحكومة أو اخطاءت في الجانب الذي تتكفل به، إذ لا يمكن لتلميذ أو أستاذ أن يحقق حلمه في مهمة التعليم النبيلة وإذا به يصادف سقف مهدد بالسقوط في أي لحظة، أو درس حول جودة التعليم ضمن المقررات أو مدرسة في جبل شبه معزول يفتقر إلى ابسط شروط الراحة لا طريق ولا مستشفى ولا كهرباء وزد على ذلك الكثير من المشاكل، الأستاذ ليس آلة تلقن وكفى… هو إنسان يتنفس ويتعب ولن يسير إلى الأمام ما لم تكن هناك محفزات تدفعه وتقويه وتحببه المهنة – بدل أن تكرهه – وإلا فكيف له أن يعلم التلاميذ وكيف سيربي فيهم قيم وأساسيات العيش الكريم ضمن مقررات لا علاقة لها بالواقع، وكيف سيحدثهم عن الأمراض والمنطقة تفتقر إلى مستوصف، وكيف سيغرس فيهم القيم النبيلة وهو بالأساس ليست موجودة لديه، وكيف … الأستاذ في هذه الحلقة من سلسلة يتشارك فيها الجميع سيواجه وهو يعلمهم اكبر معضلة وهي أن يكذبه تلميذه ومن تم محيطه وقد يصل به الأمر إلى الشك في ما تعلم يوما، والنتائج وخيمة على الدولة وعلى الأسرة والتلاميذ و الأهم على المستقبل. القاضي سينشئ بطريقة خاطئة، والطبيب سيفتقر إلى المسؤولية والمدرس سيشك في مصداقية التعليم والمدير ستنقصه آليات التدبير والموظف لن يفي بدوره والمهندس سيغش في مهنته، والسائق لن يتقن السياقة لأنه لا يتقن القيم التي تؤهله لذلك، والقائمة طويلة وأعمق مما كنا نظن والنتيجة واقع مشتت مرير تنتشر فيه الحوادث والجرائم، السرقة والنهب كل يسعى لمصلحته أولا -هذا إن عرفها أصلا حق المعرفة-، والكل أعيد واكرر يتحمل المسؤولية فيما ستؤول إليه الأوضاع و إن لم يتم القضاء على الطاعون الذي يهش بالإنسان كانسان وبالدولة كدولة سيصبح القاضي غير عادلا والشرطي شبح سيخافه الكل بدل أن يشعر بالأمان وهو بقربه وستصبح الدولة مليئة بتماسيح وأشباح تفوق كل التوقعات أبدا لن ينقى الزرع من الشوائب ما لم يقطف وينثر من جديد بأساسيات الإصلاح الحقيقي الذي يهدف إلى تكوين الإنسان قبل الأستاذ وقبل الطبيب وقبل الوزير…، وبناء القناطر قبل المدارس لأننا أمام مشكلة الجوهر وما لم تنطلق الرؤية الإصلاحية من القيم والمبادئ والأخلاق لن يكون هناك إصلاح لا مع هذه الحكومة ولا مع حكومة غيرها لان المشكلة ليست في عدد المناصب والخصاص ولا في الميزانية المخصصة، ولكن في كيف ستصبح نفسية هذا الطفل وهو الرقم الثمانون في قسم لأستاذ واحد يدرس من الأول إلى الشهادة في بناية تطرح أكثر من علامة استفهام وتحصرها علامة التعجب من كل طرف، ولا تكوين أجدر للإنسان من اجل الإنسان ما لم يتربى عليها منذ أن صرخ للمرة الأولى ولو تكون وفق برنامج مؤهل وفي أفخم المعاهد لان الحل ليس لا في شهادة التأهيل في مدرسة معينة وهو يفتقر إلى شهادة تأهيل في واقع ينزلق في كومة من الوحل و للدولة والإعلام والأسرة مسؤولية فيه، على الجميع أن يعي بها وينهض بها كل، بدءا من نفسه فدور الضحية لا يلائمنا، فلنتركه للمسلسلات التي تفي بالغرض وتنصف الضحية في مجتمعاتها الأفلاطونية .