فضيلة شيخنا وأستاذنا العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة فخر المغرب والمغاربة، تتلمذنا على يديه بشعبة الدراسات الإسلامية بآداب وجدة في الإجازة مع جماعة من أفاضل رفاق الطلب، فحبب إلينا العلوم الشرعية بمنهجه المبتكر في التدريس، فدرسنا مثلا في السنة الأولى سنة 1983 في مادة التوحيد كتاب كبرى اليقينيات الكونية للدكتور البوطي رحمه الله، ولم يكن يومئذ يُلتفت إلى هذا الكتاب المعاصر في تدريس العقيدة الأشعرية؛ وإنما يُعتمد على كتب المتأخرين كجوهرة التوحيد للعلامة اللقاني وغيرها، فكان تجديدا في علم التوحيد يقارن بين العقيدة الأشعرية وبين المادية التاريخية والمادية الجدلية والديالكتيك الماركسي، وفي السنة الثانية سنة 1984 علم الحديث فكان الكتاب المقرر معاصرا كذلك وهو كتاب الدكتور نور الدين عتر، وفي السنة الثالثة 1985 أصول الفقه للإمام محمد أبي زهرة، وكلها كتب مدرسية معاصرة فيها تطوير لمناهج التدريس، يميزها حسن الاختيار، وجميل الاصطفاء، والحرص على إفادة طلبة العلم بالجديد المفيد، أضف إلى ذلك ذوده عن ثوابت الأمة ومواقفه الإصلاحية في مقاومة التيارات المادية الإلحادية والتغريبية التخريبية والبدعية الهدامة يومئذ بالجامعة، إذ كان ولا يزال حفظه الله من العلماء الربانيين العاملين الناصحين المصلحين الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم؛ ولا يداهن أحدا في دين الله، ودليل ذلك آراؤه ومواقفه المشهورة المعروفة المُعلنَة، ولا نزكي على الله أحدا، ولذلك تعرض للأذى وللحملات المغرضة، وللاتهامات الرخيصة الساقطة الكاذبة الباطلة؛ ممن في قلوبهم مرض، وممن يسعى لتخريب وهدم ثوابت الأمة ومحكماتها التي بها كانت ولا زالت أمة، سنة الله في الذين يأمرون بالقسط من الناس ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولذلك حَبَّبَ إلى طلبته هذه العلوم الشريفة، واحتوشه تلامذته والتفوا حوله، ولزموا غِرْزَه وأحبوه. ولقد كنت عازما على التسجيل عند نيلي للباكالوريا في الآداب العصرية المزدوجة من ثانوية أبي يعقوب البادسي بالحسيمة في الحقوق أو اللغة العربية وآدابها، ولم تكن الفلسفة يومئذ بوجدة ولو كانت لسجلت بها، لكني لما ولجت مدرج شعبة الدراسات الإسلامية وحضرت محاضرة شيخنا ثم محاضرةً أخرى في الفكر الإسلامي عن العلمانية في تركيا على عهد مصطفى كمال أتاتورك والتي ألقاها شيخنا العلامة المفسر المفكر المغمور بوجدة الدكتور عبد الكريم مشهداني السوري الأصل المغربي الدار والوطن، قررت أن أمكث بشعبة الدراسات الإسلامية، ولم أكن مهتما يومئذ بالعلوم الإسلامية وإنما كان تهممي بالفلسفة واللغة والقانون، أضف إلى مكارم شيخنا العلامة تلك النصائح الحياتية النافعة المفيدة التي كان شيخنا يبثها للطلبة ممزوجة بروح النكتة والدعابة والمرح في مدرجات الجامعة، ولم يكن يحضر هذه المحاضرات طلبة الدراسات فحسب وإنما كان المدرج يمتلئ بضروب من التخصصات حتى العلمية منها والتجريبية. وقد أحببت في هذه العُجالة ذكر بعض فضائل شيخنا العلامة الرباني العامل المصلح الناصح، من باب (وأما بنعمة ربك فحدث)، ومن بابة نسبة الفضل لأهل الفضل من شيوخنا وأساتذتنا من جهابذة علماء المغرب الحبيب الذين لم نتتلمذ على أحد غيرهم، وإنما تخرجنا بهم وبفكرهم وفقههم، فلهم منة في أعناقنا إلى أن نلقى ربنا، وهم الذين علمونا ما نتكلم به أو نكتبه اليوم، فإنما هي بضاعتهم ردت إليهم. هذا، وسأذكر الآن أمرا ما أظن شيخنا يحب أن أذكره لزهده وورعه وبعده عن الرياء؛ ولكني سأذكره إبراء للذمة وليعرف الجيل الناشئ قدر ومنزلة علمائه: كان شيخنا هاتفني من وجدة وهو على فراش المرض وفي وضع صحي مقلق، ليطلب مني مساعدة أحد مديري التعليم العتيق بجهتنا بالشمال خدمة للقرآن وأهله، مُضَمِّناً كلامه أننا إذا لم نحتضن نحن هذا التعليم فإنه سيلجأ إلى بعض الدول الأجنبية التي تعرض الأموال والامتيازات الكبيرة لمن سيكون تحت أمرها ورهن تصرفها، فتنحرف بالطلبة إلى ما تريده، يَسْعَى هذا السعيَ وهو المريض بمرض القلب،وهو على فراش المرض، ولقد نصحته خلال المكالمة أن يقصد فرنسا للعملية الجراحية، عند أحد أقربائي هناك من الدكاترة النِّطَاِسِيِّين الأكفاء في جراحة أمراض القلب والشرايين وهو ابن عمي وابن خالتي العزيز البروفسور الدكتور فؤاد الغلبزوري، ووعدني أن سيفعل، واستجاب الله النداء، فتفضل أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين راعي العلم والعلماء، وأصدر أمره السامي بنقل شيخنا العلامة إلى فرنسا حيث أجريت له عملية جراحية تكللت والحمد لله بالنجاح، فجزى الله أمير المؤمنين محمدا السادس خير الجزاء عن أمته وعلمائها، وعن الدين والعلم وأهله. فاللهم اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما، واحفظ لنا شيخنا العلامة سيدي مصطفى، واحفظه ياربنا للدين والعلم والقرآن، والبر والإحسان،، وارزقه اللهم الصحة والعفو والعافية وطول العمر في طاعتك،فإنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، والحمد لله رب العالمين.