كانت ليلة شتوية دافئة ياما انتظرناها بأمل ورجاء ، خرجنا نحو معرض الكتاب ولم يخطر ببالنا أننا متوجهون لنعرض فوق الأفرشة كضحايا في منتصف الطريق يزورنا القاصي والداني. كان معظمنا نائم ونحن نسير في عمق الليل بالطريق السيار اذ تفاجئتنا بحركة السيارة يمينا ويسارا فردد المستيقظون "الله أكبر..الله أكبر" بأصوات عالية (…)إلى ان انقلبت السيارة فوجدنا أنفسنا خارج الطريق بأمتار . كنت أول من رمته السيارة خارج بطنها "أو هكذا أظن" باتجاه النافذة الزجاجية . لأول مرة أرى الدم ينسكب بقوة بين عيني ، وأسمع أزيز الألم من أصدقائي ، وقفت أتفقد نفسي..لا شيئ سوى ضربات في رأسي وأنفي ، ربطت على رأسي وشاحا حتى لا يزيد الدم انسكابا ومضيت.. لم تنفعني هنا كل الكتب التي قرأت في حين نفعتني قدماي، أجري بهما أتفقد الجميع، كل الاخوة بخير "أقصد على قيد الحياة" ، فالبقاء يوما واحدا على قيد الحياة معجزة كما يحكي لي صديقي أنس . احدى الأخوات تنادي بصوت منخفض " ماذا حصل!أين نحن! " تخيلوا معي أن تكون نائما .. تستيقظ فجأة فتجد نفسك تحت التراب قد دفنوك ! أخت أخرى نخرجها بحذر شديد من السيارة ،حبل ستار النافذة علق بعنقها، ليس هناك علامة توحي بحياتها سوى "آاه" التي أطلقتها من عميق الألم بعد مدة من الحادثة، مددناها على حجر وسط الفلاة لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا .. أحيانا كنت أسرح بعيدا في لحظة تتطلب حضورا ، لكن أحمد الله تعالى أني لم أفقد صوابي برغم أن فقدان الصواب هو الجواب المناسب في تلك اللحظات . صديق آخر بعد دقائق من مقاومة الألم ومساعدة الخلان يسقط أيضا يتألم، وقد شاهدنا في التلفاز كم من رجل لقي مصرعه في اللحظة التي انحنى فيها على بدن ليصبح بدوره جريحا قد يسبق الضحية الى رحاب الأبدية ! لم يكن يخطر ببالي أن تكون هذه الحادثة بمثابة متن قصير سوف يعقبه هامش طويل"محنة ومنحة " لكن كما يقول الكوني في فرسان الأحلام القتيلة ؛ إنه لإحساس غريب أن نستعيد الحياة، أن نبعث من جديد،هبة حقيقية سنظل نجهلها ما لم نجربها، الاحساس بالبعث هو ما يهب الحياة عمقا،قيمة وإعجازا !