مواقف مختلفة سبقت مقابلة الرجاء البيضاوي المغربي بوفاق سطيفالجزائري على أرضية هذا الأخير، حيث حلّ فريق الرجاء "لا أَهْلاً ولا سهلا" بشكل يؤكد مرة أخرى أن النظام في البلد الجار مريض فعلا، وأنه لا يَرْقُبُ في مُضِيفِيهِ إِلاًّ ولا ذِمَّةً؛ وأنّ مرضه يحمل اسم "عقدة المغرب". يتمثّل الموقف الأول في قرار الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم (الكاف) تنظيم كأس إفريقيا 2017 بالغابون، واستبعاد الجزائر التي أصابها السعار، بعد هذا القرار، وصارت تخبط خبط عشواء بتوزيع وكَيْلِ الاتهامات للكونفدرالية ولبعض الدول التي لم تُصَوِّت لفائدة الجزائر مثل الغابون ومالي.. وغيرها؛ وذهب خيال الجزائر المريض إلى اعتبار الأمر "مؤامرة" ضد الجزائر التي أبدت جاهزيتها الكاملة لاحتضان "المونديال الإفريقي". ليت الأمر وقف عند هذا الحد، بل ارتأت الجزائر، كعادتها، أن تحشر المغرب باتِّهامه بالضّلُوع في "المؤامرة". لكن لسانها سرعان ما سيخرس بعد أن اتضح أن المؤامرة الحقيقية كانت مُعَشَّشَة داخل الأجهزة الرياضية الجزائرية من وزارة وجامعة. يتجلّى الموقف الثاني فيما كتبه الصحفي حفيظ درّاجي الذي كانت له الجرأة الكافية لتوجيه انتقادات لاذعة لسياسة بلده في المجال الرياضي، وهي السياسة التي لم يجن منها سوى الفشل وراء الفشل، بِدَايَةً بعجزه الْبَيِّن عن الوصول إلى نهاية كأس إفريقيا 2015 التي احتضنتها غينيا الاستوائية بعد طلب المغرب تأجيلها فبالأحرى الفوز الذي طَبّلَت له وسائل الإعلام الجزائرية ونفخت فيه أكثر من اللاّزم، ليعود الفريق الجزائري وهو يجر أذيال الخيبة. أما الموقف الثالث فيتجسد في "التوابل الحارة جدا" التي أَضْفَاهَا الصحفي الجزائري في حواره مع صحيفة "العرب" الصادرة بلندن، بالتأكيد أنه لا أحد في القارة السمراء لديه القدرة الفعلية والتجربة على تنظيم تظاهرة من حجم كأس العالم باستثناء قطبي القارة: المغرب وجنوب إفريقيا، وذلك بحكم ما راكماه من خبرة وتجربة جراء تنظيمهما للعديد من المناسبات الرياضية ذات الطابع الدولي على حد تعبيره. بالطبع، تصريح لن يعجب السلطة بالجزائر خاصة وهو يحمل تفضيلاً للمغرب. نضيف لهذه المواقف تقرير الأممالمتحدة حول النزاع المفتعل بالصحراء الذي استبعد فيه تماما أيّ حديث عن توسيع مهام بعثة "المينورسو"، وألَحّ على الجزائر بفتح "غِيتُو تندوف" من أجل إحصاء المقيمين فيه، وأشاد بمقترح الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية. هذه مواقف، كما هو واضح، مُؤَيِّدَة للمغرب، ومن خلالها نفهم، في الحين، الحالة النفسية المَرَضِية - التي يعاني منها النظام الجزائري، وهي الحالة التي تحوّلت إلى عقدة مزمنة اسمها المغرب. إلى جانب هذا، هناك القضايا الداخلية المُمَثَّلَة في انتفاضة الجنوب وما تعرّض له المواطنون في غرداية وعين صالح، من قمع واعتقال واضطهاد، وارتفاع حدة مطالب الانفصال في القبايل، ناهيك عن فضائح الفساد في مجالات السَّكَن والطريق السيّار والطيران والتّسلّح وما شابها من رشاوى تئن من ثقلها الجبال، ثم فشل النظام في كلّ مساعي الوساطة في الأزمة الدائرة بمالي وليبيا، ومحاربة الإرهاب، وعزلته الدبلوماسية والسياسية القاسية سواء على المستوى الجهوي أو القاري أو الدولي. بناء على هذا، لم يكن النظام بالجزائر على استعداد للقبول بهزيمة أخرى حتى ولو كانت في مقابلة رياضية عادية. ومع من؟ مع فريق مغربي يحمل اسم الرجاء. لذلك جاءت هذه المقابلة في أجواء مشحونة. وقد بَيَّنَت الصور المنقولة مباشرة من سطيف بالواضح طبيعة "كرم الضيافة" التي خصَّصَها النظام الجزائري ل"الأشقّاء المغاربة" الذين قال فيهم رئيس فريق سطيف "حمار" ما لم يقله مالك في الخمر. ويكفي أنه نطق بما فيه. المهزلة الكبرى أن الأبواق الإعلامية، التي يتحكّم فيها جهاز ال"دي إر إس" المخابراتي، وصفت اعتداءات رجال الأمن، المفروض فيهم حماية الضيوف، بأنها "اتهامات ومزاعم" مغربية. هكذا هي طبيعة نظام لا يَرْقُبُ في "الأشقّاء" إِلاًّ ولا ذِمَّة.