الحكومة التي تُخْرِجُ العين الحمراء إزاء مطالب العاطلين والمعطّلين، والخِرِّيجين والذين ينتظرهم التّخرُّج، وإزاء عدد من طلبات المِنَح من الطلبة والطالبات الذين وجدوا أنفسهم خارج تغطية ما يُسَمَّى بتعميم المنح، لتتحول المنحة إلى محنة حقيقية، لم تتردد في المصادقة على مشروع مرسوم حول تحديد مبالغ التعويضات عن مهام وتنقُّل أعضاء المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. المثير في الأمر في حكومة الغرائب والعجائب أن المرسوم يتضمن امتيازات تُسِيل اللُّعَابَ، تتراوح بين ألفين و142 درهما و57 ألفا و142 درهما. وبلغة الحاسبين والصيارفة، فإن هذه المبالغ تقارب ستة ملايين سنتيم. وللذين يعشقون مادة الحساب والصّرف (ليس الصرف النحوي الذي وضع أُسُسَهُ الشيخ سِيبَوَيْه، بل الصرف المالي بالدرهم والسنتيم الذي لا يقشع فيه العالِم النحوي أيّ شيء)، فإن أعضاء المجلس سيتقاضون تعويضا يُقَدَّر ب 7142.86 درهما، ولرؤساء اللجان الدائمة، واللجان المؤقتة، ومجموعات العمل، تعويضات إضافية تبلغ 3571.43 درهما، وذلك عن كل يوم عمل. أما تعويضات مقرري اللجان، فتم تحديدها في 2875.14 درهما عن كل يوم عمل، و2142.86 درهما لأعضاء اللجان؛ في حين بلغت تعويضات إنجاز التقارير التي يعدُّها أعضاء المجلس، 14285.71 درهما كحد أدنى و57142.86 درهما كحد أقصى، لكل عضو قام بإنجاز ما طُلِبَ منه. و"الله يخلف". أكثر من ذلك، لم ينس المرسوم تخصيص تعويض يومي ل"أتعاب" الأعضاء خلال سفرهم في مأمورية خارج المغرب، فخصّهم بمبلغ 2500 درهم خارج الوطن، و1000 درهم داخل الوطن، ناهيك عن أن التنقل سيكون بالمجان عبر الطائرة طبعا وليس عبر الدّابة، إلى جانب أن المجلس هو الذي يتحمّل مصاريف الإقامة، عِلْماً أن هناك أعضاءً مقيمين بالمغرب وآخرين يوجدون في الخارج. طبعا، يتعلق الأمر بفلوس، وهي فلوس تعود إلى المال العام. والمال العام من الضرائب، والضرائب من جيوب المواطنين، والمواطنون يتطلعون ويترَقّبُون وعود وأحلام الحكومة بالإصلاح والتغيير.. نقول هذا بدون "فلسفة" ولا "دخول وخروج في الهدرة". من المعلوم أن أعضاء المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي موظفون ليسوا عاديين على كل حال؛ يتقاضون أجورا وتعويضات، ليست هزيلة بأيّ حال، من وظائفهم الأصلية ومن المهام التي تمّ تكليفهم بها. ولا حاجة إلى القول إن العضو في هذا المجلس أو ذاك يُرَاكِمُ عدة مهام ومسؤوليات ووظائف أخرى لا يقوم بها لوجه الله. والحصيلة أنه إلى جانب تراكُمِ الوظائف والمهام يوجد تراكمُ الأجور والتعويضات. وكلما ازدادت المهام وتعدّدَ التنقّل والتحرّك داخل البلاد وخارجها، ازدادت معها نسبة ومقدار التعويضات. العجيب في الأمر أن هذا يأتي في الوقت الذي خصص فيه البرلمان تعويضات عن المعاش والتقاعد لم يرفع أحد صوته ولا بَنَانَه ليعارضه ليشمل "ذوي الحقوق"؛ ويأتي بينما هناك مديرو ورؤساء مكاتب وشركات يتمتعون بأجور، وأشياء أخرى فوق الأجور، تفوق بكثير مستوى عيشهم ومتطلبات معيشتهم، ليحصلوا في نهاية الخدمة على معاش فوق الحلم والخيال. ويأتي في الوقت الذي ينتقل فيه البعض، بسرعة تفوق سرعة الصوت، من حال الفاقة والحاجة إلى حال الغِنَى والثّراء المريب؛ ويأتي في الوقت الذي يتورط فيه مسؤولون في اختلاسات ونهب للمال العام.. ويأتي وهناك متقاعدون تقاعدت تعويضات معاشهم وهي في طريقها إلى التّعَطُّل والتّحَلُّلِ.. والحكومة العجيبة تُسَلِّطُ عينها الحمراء فقط على الذين لا يملكون فَلْساً ولا قطميراً، وتحسم الأمر معهم بقولها: ليس هناك توظيف ولا تشغيل ولا تعويض. العوض على الله يا بنكيران.