في وادي النصارى غرب سوريا حيث تنتشر قرى مسيحية صغيرة, يعلق السكان شرائط حريرية بيضاء حدادا على ضحايا الحرب, ويبتهلون الى الله ان ينصر الجيش السوري النظامي على اعداءه من الجهاديين المتطرفين. صور "الشهداء" الذين قتلوا في النزاع المستمر منذ 29 شهرا بين القوات الحكومية ومقاتلي المعارضة ومن بينهم مقاتلي جبهة النصرة الاسلامية المتشددة, تملأ الشوارع. كما تملأ صور الرئيس السوري بشار الاسد ارجاء المنطقة بما فيها مرمريتا التي كانت في يوم من الأيام منتجعا صيفيا يعج بالحياة قرب قلعة الحصن الاثرية المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي. وفي تموز/يوليو الماضي دمر احد ابراج هذه القلعة القديمة التي شيدت في عهد الحروب الصليبية, اثر غارة جوية شنها النظام على المنطقة, في سياق القتال المحتدم بين النظام ومقاتلي المعارضة الذين يسيطرون على القلعة. ويعيش نحو 50 الف مسيحي حاليا في وادي النصارى حيث شكلوا مليشيا "جيش الدفاع الوطني" بموافقة السلطات. وفي 15 اب/اغسطس هاجم معارضون كانوا يتنقلون من قرية الحصن التي تقع فيها القلعة, حواجز تابعة للجان الشعبية ما ادى الى مقتل 11 شخصا هم خمسة من عناصر المليشيا المحلية وستة مدنيين. وكان جاك سعدي من بين القتلى. تقول والدته التي ترتدي السواد والدموع تنهمر من عينيها "كان جاك يدافع عنا ضد الذين يريدون ان يلحقوا بنا الاذى .. لقد مات ولدي شهيدا". وتجلس والدة جاك تحت صورة ضخمة للشاب وهو يرتدي الزي العسكري امام العلم السوري. اما عيسى سعدي والد جاك فيقول ان موت ابنه لن يجبره على مغادرة قريته رغم انها تستهدف مرارا بهجمات مسلحي المعارضة. ويضيف "سابقى هنا واختبئ في حفرة اذا اضطر الامر, ولكن في منزلي. بارك الله في بشار والله ينصر الحكومة". وتوافق على ذلك ابنته مارتا (40 عاما). وتقول مارتا وهي ترتدي الاسود حدادا على شقيقها "ادعو الحكومة الى ارسال القوات لحمايتنا من المسلحين الذين يغتالون اطفالنا وشبابنا". اما عيسى يازجي الذي قتل ابنه سومر في هجوم 15 اب/اغسطس فيقول ان معظم السكان فروا من بلدة الحصن التي اصبحت الان في ايدي الجهاديين". ويضيف "الجماعات المتطرفة تهددنا ونحن نحاول طردها". واصدر الائتلاف الوطني السوري المعارض بيانا دعا فيها السكان الى الدفاع عن "الثورة" التي تسعى الى الاطاحة بالاسد وحكومته. ودعا الائتلاف سكان الساحل والجبال الى التضامن مع اهداف "الثورة" للاطاحة بالنظام, كما دعا السكان الى الحذر من "اكاذيب" النظام واتهمه بالادعاء بانه يحمي الاقليات فيما هو يستغلها للدفاع عن "قبيلة" الاسد. ويشكل المسيحيون 5% فقط من سكان سوريا, ويؤيد العديد منهم نظام الاسد خوفا من تنامي قوة الجهاديين الذين يهدفون الى اقامة دولة اسلامية في سوريا. ورغم ان النزاع في سوريا بدأ في منتصف اذار/مارس 2011 باحتجاجات سلمية تدعو الى تنحي نظام الاسد, الا ان النزاع في سوريا اتخذ منحى طائفيا, وتدفقت اعداد كبيرة من الجهاديين السنة على سوريا للقتال ضد الرئيس الاسد الذي ينتمي للطائفة العلوية. وتقول والدة سومر يازجي "جاءت جبهة النصرة وقطعت طرقات. انهم مخيفون .. لقد قتل العديد من شبابنا. كفى! نريد الجيش ليحمينا". اما زوجها فقد اكد ان "الجهاديين .. يهددون بالاستيلاء على الوادي". واشتكى سكان اخرون من ان الشارع الرئيسي في مرمريتا يتعرض لنيران المسلحين المعارضين المختبيئن في الحصن. وقال احدهم ان المسلحين "يفتحون النار علينا عندما نسير في الشارع".