في الوقت الذي تتحدث فيه الأوساط العالمية عن صعوبة او استحالة استمرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في رئاسة البلاد وتؤكد جميعها أن الجيش هو من يملك زمام السلطة ويتحكم فيها وهي أمور ليست وليدة إصابة بوتفليقة بجلطة دماغية. يتزامن إرادية أو بالصدفة تقديم قناة الجزيرة لشهادات وزير الخارجية والإعلام الأسبق الطالب الإبراهمي. وفي زمن تحوم فيه رياح التغيير ويحلق طائرها على العالم العربي مازالت دولة الجزائر تتلكأ في منح نفحة من نسائم الحرية والديمقراطية لشعبها وحتى في ظل ظهور الرئيس الجزائري نصف مشلول تقريبا شافاه الله، لم يخجل الإعلام في الجزائر وحكامه العسكريون من ترديد صفة الرئيس بكامل تسميتها: رئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني. إن الذي ظهر أمام الشعب الجزائري على قناته الرسمية لم يكن هو الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بحركاته وألفاظه الناعمة والناقمة ولكنه الذي ظهر هو "دمية" في شكل إنسان عليل يريد الجيش أن يوظفها وفق مبتغياته وتحكمه في إرادة الشعب الجزائري, إنسان عليل يحيط به مساعدوه لا يستطيع تحريك أنامل يده اليسرى إلا بفضل ما بذله أطباء الترويض ولا مبدل لقدرة الله، وبالكاد يستطيع حمل فنجان قهوة بيده اليمنى التي لم تتضرر كما هو الحال في العديد من نتائج عمليات الجلطة الدماغية، فكيف لهذا الرجل الذي كان يئن تحت أضواء الكاميرا أن يتحمل حكم 35 مليون جزائري. وبعودتنا إلى تصريحات أحمد الطالب الأبراهيمي للقناة القطرية نجد أنه كان يستغل فرصة شهاداته ليدخل على كلامه تعليقات على وضع الجزائر اليوم فيتأسف عليه وعلى الفقر المدقع الذي يعانيه الجزائريون، ويحوم على سوء تدبير الأموال الجزائرية، وعن احتكار فئة صغيرة لأموال الشعب الجزائري، وعن معاناة الفئة الصادقة من الجزائريين من أسلوب الإقصاء والتهميش. وكانت قناة الجزيرة قد استضافت منذ ثلاثة شهور الطالب الإبراهيمي فذهب إلى أبعد مما ورد في شهاداته المتزامنة حاليا مع الصراع على السلطة ليتنبأ بوصول الثورة قريبا إلى الجزائر، ودعا شباب بلاده ليتحرك ويخلق ثورة جديدة لما بعد فترة حكم عبد العزيز بوتفليقة. قد يبدو أن قناة الجزيرة تهيئ رجلا جديدا لاستلام الحكم في الجزائر لكن يبدو أن قوة الجيش وتمكنه من زمام الأمور في هذا البلد لن يسمح بنجاح مخططات قادمة من الخليج أو من ترسانة الإعلام القوية لقطر. وأحمد طالب الإبراهيمي لمن لا يعرفه سبق له أن ترشح للانتخابات الرئاسية سنة 1999 وقبل ذلك شغل عدة مناصب وزارية منذ نهاية الستينيات وحتى أواخر الثمانينيات. لكن الطالب الإبراهيمي ليس الوزير الوحيد الذي خرج ليصدع بحقيقة الوضع في الجزائر فقد سبق أن صدع بها جنرالات كبار سابقون بعد أن غادروا بلادهم نحو دول أخرى، كما أن الوزير الأول الأسبق أحمد بن بيتور سبق أن انتقد بشدة الوضع في بلاده وقال بالحرف: "تكمن المشكلة التي نعاني منها هذه الأيام في عجز كل المؤسسات التابعة للأحزاب السياسية والمجتمع المدني والدولة والبرلمان وأعتقد أن لدينا حكومة لا تريد أن تفهم أنه يجب عليها أن تدع المؤسسات تقوم بوظيفتها، نحن نخضع اليوم لما يريد فعله رئيس الدولة فقط". ومن عجائب هذا البلد المغاربي الذي لا يتقن العمل التنموي أكثر من إتقانه التسابق نحو التسلح، أنه واحد من أغنى بلدان المغرب العربي مالا وفي نفس الوقت هو أكثر بلدان هذه المنطقة فقرا. وتعتبر الجزائر واحدة من أهم الدول المنتجة للنفط وثاني أكبر مصدِّر للغاز الطبيعي إلى أوروبا بعد روسيا، منذ بداية أزمة النفط وارتفاع الأسعار . وقد بلغت احتياطيات الجزائر النقدية 32 مليار دولار في العام 2004، و75 مليار دولار مع نهاية عام 2006 وارتفعت إلى أن اقتربت من 160 مليارا في العام الحالي. وقد سبق لصحيفة الخبر الجزائرية الصادرة يوم 3 يوليو2007 أن أقرت بخطورة الأرقام التي صدرت حول الفقر الذي يعانيه الشعب الجزائري، وعوض أن تضع برامج ومخططات تنموية واجتماعية لإخراج الشعب من الحاجة والفقر ومن حالات الفرار عبر البحر، سارعت إلى سد ديونها الخارجية قبل حلول ميعاد سدادها. فالجزائر لا تهمها ديمقراطية ولا يشغلها الربيع العربي... وتتجاهل ما يقع في المغرب العربي وتتهافت على شراء السلاح كيفما كان نوعه ومن حيثما كان مصدره.. فهي لم تتعب منذ سنة 2007 من رفع ميزانية التسلح حتى فاقت 50 في المائة مما كانت عليه في الأمس القريب. إن نسائم الربيع العربي التي هبت على المنطقة لا تستطيع إيقاظ الأنظمة الحديدية من نومها وهو أمر مؤكد، بل لعل هذه الأنظمة تستفيد من صمود النظام السوري الذي أخاف القوى المدنية في الدول الأخرى وأذاب شمعة نضالها بالرغم من صمود الشعب السوري العتيد الذي وضع نصب عينيه إسقاط النظام بأي ثمن كان.