أكد وزير العدل السيد محمد الناصري, اليوم الجمعة بالرباط, أن القضاة والفقهاء ساهموا على مر العصور من خلال عملهم في الحقل القضائي في بلورة قيم وحدة المملكة والحفاظ عليها. وأوضح الوزير, في افتتاح ندوة حول "وحدة المملكة من خلال القضاء" ينظمها المجلس الأعلى تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس, أن الروابط الإدارية والقضائية كانت موصولة دائما بين شمال المملكة وجنوبها, مبرزا دور القضاء في تكريس وحدتها التي تعد "من ثوابت الأمة, وإحدى ركائزها, ودعامة أساسية لتقدمها, وبرهانا ساطعا على التلاحم التاريخي بين العرش والشعب". وأضاف السيد الناصري أن هذه الندوة تبرز بالخصوص الالتحام القائم بين المسيرتين الوحدوية والديمقراطية بالبلاد, وكذا السعي الدؤوب للمغرب الموحد وراء ملكه في إرساء دولة الحق والقانون وترسيخ الديمقراطية وتحقيق التنمية, كما يدل على ذلك الخطاب الملكي ل9 مارس الماضي الذي تضمن الإعلان عن الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة. من جهته, أبرز الرئيس الأول للمجلس الأعلى السيد مصطفى فارس أن القضاة كافحوا من أجل وحدة البلاد في أصعب الظروف وقاوموا الاستعمار, كما تثبت ذلك الوثائق التاريخية التي تدل على تجاوب سكان الصحراء, وعلى رأسهم القضاة, مع عقد البيعة للحفاظ على التنوع والخصوصية في ظل استقلالية الدولة ووحدتها. كما أشار إلى الدور الذي اضطلع به القضاة في تطبيق المذهب المالكي واعتماده في تكريس الوحدة, حيث تؤكد المعطيات التاريخية الموثوقة من أحكام قضائية ورسوم عدلية تمسك قبائل الصحراء بهذا المذهب سواء في الحكم أو القضاء أو لدى العامة, رغم محاولات الدول الاستعمارية تفتيت وحدة المملكة وطمس مغربية صحرائها. وشدد السيد فارس أيضا على أن الإصلاحات السياسية والدستورية التي يعرفها المغرب اليوم يرتكز تفعيلها بالأساس على وجود سلطة قضائية حقيقية ومستقلة, قائلا إن المرحلة الراهنة تقتضي المساهمة في بلورة نموذج مغربي لدولة الحق والمؤسسات يكون فيها القضاء قرب المواطن وفي خدمته. من جانبه, قال الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى السيد مصطفى مداح إن المغرب أولى تاريخيا للقضاة عناية خاصة نظرا لدورهم في حماية البلاد من المخاطر الداخلية والخارجية, معتبرا أن خلاصات هذه الندوة ستشكل جوابا شافيا على ادعاءات خصوم الوحدة الترابية الرامي لتأليب الرأي العام الدولي وطمس الحقائق بشأن الروابط التاريخية للمغرب في الصحراء والتي ساهم القضاة في صياغتها وتكريسها واستعرض مؤرخ المملكة السيد عبد الحق المريني في هذه المناسبة بإسهاب الدروس المستقاة من مدرسة المسيرة الخضراء, قائلا إنها "كانت فاتحة تحرير الصحراء المغربية واسترجاع متانة الروابط التاريخية بين ملوك المغرب وساكنة الصحراء, وحققت الوحدة الترابية للمملكة من طنجة للكويرة, بما في ذلك لقضائها وتشريعاتها وقوانينها وكافة مقوماتها وثوابتها". وتنتظم هذه الندوة في ثلاث محاور تاريخية يهم الأول فترة ما قبل الحماية والمحور الثاني فترة الحماية انطلاقا من مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906, والمحور الثالث فترة الاستقلال. ويتناول المحور الأول "الوحدة الترابية من خلال الوثيقة الدبلوماسية", و"دور الأقاليم الصحراوية في الوحدة الوطنية", و"السيادة المغربية في الأقاليم الصحراوية من خلال الوثائق", و"دور القضاء في الصحراء في الحفاظ على الوحدة المغربية", و"الروابط العضوية من خلال القضاء ووحدة المملكة". أما المحور الثاني فيتضمن "نماذج من الروابط الإدارية والقضائية بين شمال المملكة وجنوبها", و"المقاومة المغربية الدبلوماسية والجهادية على ضوء عقد الجزيرة الخضراء وما بعده", و"القضاء المغربي بالأقاليم الصحراوية أثناء الحماية", و"اتفاقية الجزيرة الخضراء بين تمامية السلطنة واستكمال الوحدة الترابية". ويهم المحور المتعلق بفترة الاستقلال "الوحدة الترابية وخطة العمل لتحقيق أهدافها", و"القضاء في الأقاليم الجنوبية للمملكة بعد الاستقلال, واقع وآفاق", و"الوحدة الترابية والعراقيل الخارجية", و"دور الدبلوماسية المغربية في استكمال الوحدة الترابية بعد الاستقلال". وتميز اللقاء بحضور وزراء وعلماء وقضاة ومحامين وبرلمانيين وسياسيين ومسؤولين كبار, فضلا عن تنظيم معرض للوثائق التي تؤرخ لوحدة المملكة من خلال القضاء.ويأتي تنظيم هذه الندوة, حسب المجلس الأعلى, في سياق إدراك المجلس لأهمية الموقف ودقة الظرف التاريخي الذي تجتازه القضية الوطنية وما يتطلبه ذلك من تضافر الجهود للتصدي لكل من يعادي هذه الوحدة أو يشكك في مقوماتها ومرجعياتها, ومساهمة من المجلس الأعلى في إحياء الذاكرة القضائية المغربية والمشاركة في بلورة نموذج مغربي لدولة الحق والمؤسسات.