كثر الجدل حول الطقوس المرافقة للاستقبالات الملكية وإن كان هذا الجدل بدأ منذ مدة إلا أنه عرف اتساعا بعد خطاب الملك ليوم التاسع من مارس الجاري، ونشير بداية إلى أننا لسنا في وارد الدفاع عن هذه الطقوس من قبيل تقبيل يد الملك، لكن نتساءل مع مثيري هذه الضجة هل إلغاء الطقوس يحل جميع المشاكل المتعلقة بالدستور والسياسة وغيرها؟ ينبغي الاعتراف بأن المؤسسة الملكية منذ بداية العهد الجديد شرعت في التخلص من مجموعة من الطقوس المخزنية ولم يعد البروتوكول بالصرامة التي كان بها في السابق حيث يذكر العارفون أن طيب الذكر محمد بن سعيد أيت يدر زعيم منظمة العمل الديمقراطي الشعبي الماركسية اللينينية وأثناء استقبال الملك الراحل الحسن الثاني لزعماء الأحزاب السياسية رفض تقبيل يد الملك فأعطيت الأوامر لعدم استقباله مرة ثانية. اليوم شاهدنا الملك محمد السادس يستقبل أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي وقبله في استقبالات أخرى لا يتحصن خلف القواعد المضبوطة لدار المخزن ولم يعد تقبيل اليد بالطريقة التي كان عليها بل شاهدنا من سلم على الملك دون حتى انحناءة الاحترام المغربية التي لا ترتبط بشخص دون غيره. إذا كانت المؤسسة الملكية نفسها شرعت في التخلص من الطقوس المخزنية فإن النقاش حول هذه الطقوس ليس ذا مغزى إلا إذا كان من باب الاستغلال السياسي فقط لأنه لا يقدم ولا يؤخر. لنفترض أنه صدر بيان من الديوان الملكي في الموضوع فهل سيغير من واقع الحال شيئا أم إن الأهم هو النقاش حول الإصلاحات الدستورية وبلورة اقتراحات وحماية حركة الإصلاح من الإجهاض؟ في بلد كالعربية السعودية صدر مرسوم ملكي بإلغاء تقبيل يد الملك منذ مدة، لكن كيف هو واقع الحال؟ لا توجد بالسعودية أحزاب سياسية ولا توجد انتخابات ولا مجالس جماعية ولا حرية للصحافة مهما كان منسوبها، فكل المؤسسات معينة، بل يوجد في هذا البلد مواطنون من الدرجة الثانية. فهل من الأفضل للسعودية حريات ولو محدودة ومواطنة ومساواة أم تقبيل اليد؟ فرغم القرار الرسمي بإلغاء واحدة من طقوس الملكية في السعودية فإن الدولة ما زالت تسير بطرق بعيدة عن دولة المؤسسات والديمقراطية بل لم تشرع بعد في الاتجاه نحو الإصلاح، وبالتالي فإن إلغاء الطقس لا يغير من أحوال الطقس السياسي. وهناك نموذج آخر للإغراق في الطقوس ويتعلق الأمر بإمبراطور اليابان ورغم ذلك فهو لا يحكم. إذن النقاش حول الطقوس ترف زائد في الوقت الراهن ما دام النقاش الحقيقي ينبغي أن ينصب على فصول الدستور التي يجب أن تخضع للتغيير وعن طبيعة الإصلاح الديمقراطي وعن طبيعة الحكم والحكومة وعن علاقات السلط فيما بينها وغيرها من الأسئلة المحرجة التي يخشى بعض الثوار الجدد من الدخول في خضمها لأنهم لا يمتلكون بديلا مجتمعيا وليست لديهم اقتراحات حقيقية.