انبرت »النهار المغربية« في سبق صحافي إلى تفجير فضيحة عقارية بطلها وزير سابق، وبعد إعطاء أوامر بالتحقيق في الملف، انبرت صحافة أخرى لتمنح صك البراءة للمتهم.. واستغربت »النهار المغربية« متسائلة عن السبب الذي جعل هذا »البطل« يكره الصحف الصادرة في الرباط، وهو الذي كان يكن الودّ للصحافة، وكان ينظم عشاءات لممثليها تحت إشراف إحدى وكالات الاتصال؛ فكيف أصبح اليوم يكنّ لها العداء، لمجرّد أنها تقول الحق، وتكشف عن الحقيقة، مع العلم أن الحق أهم من أي كان، وصدق عمر رضي الله عنه : »رحم الله [صحافة]، عفوًا، رجلا أهدى إليّ عيوبي« .. ليغفر لي الله، وليسامحني أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وقد أقحمتُ اسمه في موضوع كهذا، لسبب بسيط وهو أني أكتب عادة بلا مسودّة بل أرتكز على السّليقة والتّلقائية، فمعذرة ! فالمثل هَهُنا يجب أن يُضرب بأناس يناسبون الموقف، نظرا لوجه الشبه بينهم وبين هؤلاء عندنا في هذا الوطن العزيز، كيف ذلك؟ كان »بنيتو موسّوليني« من أكبر، ومن أشرس المدافعين عن الصحافة.. لقد كان معلّمًا، ثم رئيسا للتحرير، ثم محاميا، ثم وطنيا، ولكن لما أصبح سياسيا وحاكما فاشيا يعيش في عالم المال والأعمال، وديكتاتوريا، بدأ يؤمّن نظامه، ومصالحه، وحاشيته، وظهر له أن الصحافة تهدّد »كوزانوسترا« ، فمنع كل الصحف التي تدينه، وتنتقده وتفضحه، وأبقى على الموالية له... وكل صباح، كان يتصفّح الصحف، فيبعث بالتهاني »للشاعر« الذي كتب قصيدة جيدة، ويوبّخ صحافيا آخر على عبارة هنا أو عبارة هناك، بل من الصحافيين من كان يُفصَل من عمله، فيما آخر كان ينال هبة أو ترقية من [الدّوتشي]، مع دعم مالي إضافي لجريدته : »ڤيڤا دوتشي، هاي !« .. أي نعم، »ڤيڤا« الانتهازيون؛ »ڤيڤا« السياسيون التجار، وسماسرة العقار؛ »ڤيڤا، كوزانوسترا« العار؛ لكم منا أصدق : هاي ! أعطاكم الله الصحة ! لقد وزعتم البلاد، ويَأَسْتُم العباد، ثم العاطي في السماء، والكحاش في الأرض.. وصدق حافظ إبراهيم : [أيشتكي الفقر غادينا ورائحنا.. ونحن نمشي في أرض من الذهب]... نعم، »كحشوا كل شيء، ولم يتركوا ضرعا لمحتلب، في هذا الوطن : [دمي له، روحي له؛ وما له، لغيرنا].. هذا هو الواقع.. كان من الواضح أن الفضيحة سوف تخمد نيرانها قبل أن تظهر ألسنة اللهب، ففي مثل هذه الحالات، هناك رجال إطفاء متخصصون في هذا النوع من الإخماد.. لكن هل هناك فعلا رؤوس يجب أن تُقطَع؟ كلا، ليس هناك روؤس على الإطلاق، بل هناك ما يسمى بالفرنسية [CONGLOMERAT].. وهذه لا يجدي معها القانون نفعا، بل حتى السَّياف لا يجد رأسا أمامه، وعندما تبدأ البحث والتقصي، فإنك لا تجد أمامك »إلا خدام الوطن، من شخصيات ورعة، ووطنيين صادقين، ووجوه بريئة، وأيادي نظيفة، ومؤسسات اقتصادية، تعتبَر مفخرة البلاد، ورجال بأيديهم تسابيح، يسبّحون : سبحان الله وبحمده، وسبحان الله العظيم« .. في تلك الأثناء ما عليك إلا أن تشارك في التسبيح، ثم تقدم الاعتذار، وتكتب على غلاف الملف : تُحفَظ القضية، لعدم كفاية الأدلة.. ثم تستدعي من فجّر القضية، وتطالبه بالاعتذار، وقد شكك في »نزاهة، ووطنية خدام الوطن البررة« .. [هاي ! ڤيڤا خدام الوطن البررة !] لكن هناك إشكال يطرح، ويتعلق بهيبة القانون وعمله، ولا ينبغي لهذا القانون أن يسقط في عطالة، بل يجب أن يتحرك ليلمس الملأُ وجودَه، بدلا من أن يصيب سيفه الصدأ في غمده.. وكحل لهذا المشكل، هناك فئة يسمح لها عنوة بالعلف في أرض مكشوفة، وعند الحاجة الماسة، يجر أحدهم من رقبته إلى مذبح البحث ثم يساق إلى مسلخ المحاكمة، بعدما ينفخ في القضية، ويلبسونها ثوب الفضيحة الكبرى، ثم تأتي الصحافة المعلومة، لتحقن الرأي العام المسكين بحقنات من مادة »إسكوبّولامين« عن طريق عناوين مثيرة، ومقالات مخدرة؛ وأكباش الفداء هؤلاء، يتم انتقاؤهم من »الضيعات« ومن »الحضائر« المكشوفة..