كشف مجموعة من العائدين من مخيمات الاحتجاز في تيندوف أن جميع الصحراويين في تيندوف موالون لمحمد السادس،وأنه لولا النظام القمعي،وسياسة الانتقام التي تمارس هناك لما بقي هناك كيان اسمه البوليساريو، حسب تعبير أحد الشيوخ العائدين. محمد السادس ليس ملكا في المغرب فحسب،بل هو ملك في تيندوف أيضا هذا ما يؤكده مجموعة من العائدين،وهم بصدد سرد حكاياتهم ل :"النهار المغربية" على هامش التكريم الذي حظوا به في مدينة خريبكة من لدن الاتحاد الدولي لدعم مشروع الحكم الذاتي بالصحراء. حمادي وتهمة العمالة للمغرب يقول "الغزال حمادي" رئيس جمعية الدفاع عن ضحايا القمع بمخيمات تيندوف في بوجدور أنه ذهب إلى تيندوف سنة 1975 بعد أن " غره " ما كان يسمى بفكر " تحرير الصحراء " لكنه اكتشف بعد طول الوقت خطأه،وعاد إلى أرض الوطن في إطار النداء الذي أطلقه الراحل الحسن الثاني؛" إن الوطن غفور رحيم"، الخطاب الذي كان ينتظره الجميع ، يؤكد حمادي.. ذهبت سنة 1975 بعدما اتصل بي بعض الأشخاص من جبهة البوليساريو وأقنعوني بما كانوا يسمونه "الدفاع عن الصحراء" لكنني عدت إلى المغرب سنة 1993 عندما أتيحت لي الفرصة من أجل العودة إلى الوطن بعدما أدركت خطئي.. يقول حمادي إن الاتصال به كان في منطقة "كريبات الفولة"،في عمق الصحراء بجنوب الصحراء المغربية قرب مدينة "بئر انزران" عندما كان في سن السادسة عشرة رفقة 44 شخصا آخرين تم تجنيدهم بغض النظر عن موقفهم من الأمر فارتموا في حضن الجبهة لعدم وجود خيار ثاني،حسب قوله. "كنا شباب في سن صغيرة ولم تكن لدينا تجربة،لأجل ذلك صدقنا في إحدى اللحظات وعود الرخاء والرفاهية التي كانت توزع علينا بسخاء". " بقيت في تيندوف 18 سنة؛كان أول ما فعلوه بي هناك هو إلحاقي بسلك التجنيد، وبقيت هناك إلى غاية يوم 22 دجنبر 1977 آنذاك تم وضعي بالسجن بتهمة (العمالة للمخابرات المغربية) في إطار ما سمي ب"شبكة كريبات الفولة.." يحكي حمادي بمرارة قصة معاناته في السجن،ويؤكد بأن لسانه يعجز عن إحصاء واختزال ما تعرض له من ممارسات داخل زنزانته لمدة فاقت العشر سنوات،وهو يمارس الأشغال الشاقة تحت أشعة الشمس الحارقة في الصحراء..كانت مساحة الزنزانة لا تتعدى مترا ونصف تحت الأرض مغطاة بقطعة من القصدير.. "كانوا يتعمدون إهانتنا،وهم يوزعون علينا لترا من الماء،وقليل من العدس كل يوم ليل نهار..بقيت في السجن 10 سنوات،ولم أغادر المكان إلا بعد تدخلات باشرتها أختي سنة 1985 عندما ذهبت في بعثة طلابية للجزائر،وبعدما تعرضت هي كذلك للاختطاف رفقة بقية عائلاتنا". ورغم مغادرة حمادي للسجن إلا أنه ظل تحت ضغط ما يسميه الإقامة الإجبارية بسبب الشك فيه،وهو الأمر الذي استمر إلى حدود سنة 1988 عندما اندلعت شرارة التحدي الداخلي داخل البوليساريو نفسه،وتحول المؤتمر العام "للجبهة " إلى انتفاضة..في ذلك الوقت يحكي حمادي أنه وقف وسط الحشود،وقال لقيادة الجبهة إنها منظمة إرهابية جزائرية،وسرد مجموعة من أسماء المعتقلين والمختطفين.. لمدة ساعتين كان حمادي أمام تحدي الموت،لكن الذي سينقذه هو توالي التدخلات التي تسير في نفس الاتجاه بعد أن تكسر حاجز الخوف النفسي وسط المجموعة عندها تدخل كل من ممثلين عن قبيلة ولاد الدليم،والزركيين،والبيهات،وايت لحسن،وكشفوا بدورهم عن حقائق لم يسبق أن تم كشفها..ومنذ ذلك الحين تكسر حائط الخوف. لم يكن أصحاب هذه التدخلات لينجوا من شر قيادة الجبهة؛فشنوا حملة اعتقالات واسعة وتكلف عبد العزيز المراكشي شخصيا بمعاتبة أصحاب التدخلات المنتقدة.. وفي سنة 1993 ذهب أحد حمادي عند أحد أصدقائه واستأجر بيتا في تيندوف..إلى أن التقى بصديق للعائلة هو الذي قام بنقله من تيندوف إلى المغرب تحت صناديق الخضر في شاحنة إلى أن وصل إلى مدينة "بني ونيف" بعد اجتاز 1800 كلم و 18 حاجزا. انتهى الكابوس عندما دخل حمادي إلى فكيك ذات صباح في الثالثة صباحا عندما عثر حمادي على أول مركز شرطة.. زينب.. الطفلة التي رحلت قسرا إلى الجزائر استعمل اخطبوط البوليساريو في بداية تأسيسه عدة آليات من أجل التغرير بسكان الأقاليم الجنوبية لكنه لم يقف عند الحد؛بل تجاوزه إلى ممارسة أعمال غير مشروعة تجسدت في اختطاف الأطفال،واختطاف عائلات بكاملها،وتشتيت أبنائها بين الجزائر وكوبا بدعوة متابعة الدراسة في حين أن السبب الحقيقي لهذه الممارسات هو محاولة مسح الهوية الوطنية من ذاكرة الأبناء داخل بلدان التغريب فضلا عن كون ذلك سيسمح باحتجاز الأبناء في السجن أو بدونه مادام شرط رؤية الأبناء هو البقاء في تيندوف. تحكي الكوري زينب،رئيسة فرع اتحاد العمل النسائي بجهة وادي الذهب لكويرة اليوم، أنها ذهبت رفقة عائلتها سنة 1975 عندما كان عمرها 4 سنوات،وكانت شأن بقية الأطفال في سنها آنذاك من ضحايا الترحيل قسرا إلى الجزائر هناك حيث درست إلى حدود السنة الثانية الجامعية. يبقى أبرز ما عانت منه زينب،حسب قولها، هو ذلك الاغتراب الطويل عن العائلة؛ "تصور طفلا بكثرة بعده عن والديه يفقد هذا كل ارتباط بدمه إلى درجة أن إحساسه يخونه في تبويء والده أو أمه المكانة التي يستحقانها مادام لا فرق عنده بين البشر"، تقول زينب. درست زينب في الجزائر،وانتقلت إلى الدراسة بالكلية العسكرية في ليبيا،وتخرجت ضابطة صف لمدة أربع سنوات،وتختلف عن بقية العائدين بكونها كانت تملك الخيار بين الالتحاق بوطنها المغرب أو دعم الأطروحة الانفصالية لكنها فضلت عدم السير وراء الخرافة والتحقت بوطنها حتى لو كلفها ذلك فراق والديها وأبنائها وزوجها. تحكي زينب أنها نجت من الزواج القسري الذي يفرض في المخيمات على الطفلة ذات الثلاثة عشر سنة،والطفلة ذات 14 سنة من أجل تكثير النسل،وخلق فضاء من أجل الدعاية للأطروحة الانفصالية التي تستند على الكذب. الخليلي وتكريم الوطن يقول الخليلي الدحة،أحد العائدين من تيندوف إلى المغرب،إن سبب التحاقه بتيندوف سنة 1975 في إحدى اللحظات هو تأثره عن سن صغيرة بأفكار أخيه الذي كان عضوا في الخلايا السرية لجبهة البوليساريو، وبأنه اليوم يعتبر أن ما وقع كان خطأ، وأنه منذ عودته يعيش مكرما في المغرب بخلاف ما يروج له في المخيمات،ويناشد باقي إخوته بالعودة من أجل مشاهدة الواقع. يؤكد الدحة أن ولاء الشيوخ في تيندوف لمحمد السادس كبير جدا،ولا تحد منه إلا أساليب الإرهاب و القمع والتخويف،وسياسة الانتقام التي تطال كل من يجهر بمواقفه الحقيقية إزاء الوطن. تذكير بأن الوطن مازال غفورا رحيمايؤكد حسن المالكي،نائب رئيس الاتحاد الدولي لدعم مشروع الحكم الذاتي بالصحراء، أن إطلاق نداء خريبكة على هامش اللقاء مع العائدين إلى أرض،والذي يكتسي صبغة وطنية يأتي بهدف التذكير بأن المغرب لازال غفورا رحيما، وبان العمل مازال ساريا بمقولة الراحل الحسن الثاني الذي قال "إن الوطن غفور رحيم". وأضاف المالكي بأن سبب تكريم 20 عائدا من تيندوف و4 معتقلين سياسيين سابقين في خريبكة يأتي لكون هذه المدينة تعد مدينة للشهداء المدافعين عن أرض الوطن. وقد حرص المنظمون على تكريم ثلاث جهات؛هي العيون،وجهة وادي الذهب والسمارة لكون هذه الجهات تضم أكبر عدد من الملتحقين إلى أرض الوطن،يقول المالكي.