إن كل عائد من تندوف ليس ناقص واحد في البوليساريو، بل هو زائد مغربي، ولنربح مغاربة آخرين ليس أمام السلطات العمومية سوى رد الاعتبار لمن عاد ومساعدته والثقة فيه وهو مشروع لن يكلفنا على أبعد تقدير سوى 5 مليار درهم لتجهيز مساكن العائدين ومواكبتهم، استعدادا لاستراتيجية تفريغ تيندوف من ما تبقى من مغاربة «كذب من قال بأن ألمانياالشرقية اندثرت. إن تندوف هي ألمانياشرقية مستنسخة، والمغرب [align=justify]، أسبوعيا، ما بين 10 إلى 15 صحراويا، بينما لايوجد مغربي واحد يتلهف للذهاب إلى الضفة الأخرى. فهل نحتاج إلى برهان ساطع حول استمرار ألمانياالشرقيةوألمانياالغربية بالمغرب العربي؟» تفريغ المخيمات هكذا خاطب «الوطن الآن» أحد قيدومي العائدين من مخيمات البوليساريو، والعارف بمختلف المسارب والتجمعات الحاضنة للصحراويين بتندوف، مبرزا باستغراب: «أنا لا أفهم كيف لاتلتقط السلطات العمومية هذا التدفق الهائل للعائدين لتعزيز موقفها الهجومي. ففي الوقت الذي كانت الأجواء متوترة بين المغرب وإسبانيا في قضية أمينتو حيدار، عاد إلى المغرب، في ذاك الأسبوع، 20 صحراويا من تندوف، أفلم تكن عودة هؤلاء فرصة ذهبية للتسويق الإعلامي والاعتزاز بصلابة الموقف االمغرب؟». حينما أطلق المرحوم الحسن الثاتي نداءه بأن «الوطن غفور رحيم» عام 1988 (انظر ص 9) معلنا بأن الغرب «سيحتضن كل أبناءه الراغبين في العودة إلى وطنهم من تندوف» لم تحظ هذه الدعوة بالمواكبة اللازمة، خاصة وأنها ليست مجرد دعوة تروم تفريغ مخيمات البوليساريو فحسب، بل وتهدف بالأساس إلى إعمار الصحراء وتوفير بنيات لاستقبال آلاف «التائبين» مع ما يستتبع ذلك من مساكن ومرافق ومواكبة اجتماعية. الحجة على ذلك تكمن في أن منحنى العودة ما فتئ يتصاعد، لدرجة أن عدد العائدين يقارب سبعة آلاف صحراوي، أي ما يمثل ثلث الصحراويين تقريبا بتندوف، وهو رقم لم تنتبه له للأسف الحكومة المغربية من حيث دلالته الرمزية وقيمته الديبوماسية وشحنته السياسية. وهذا ما يفسر لماذا تر فض البوليساريو والجزائر طلب الأممالمتحدة بإجراء إحصاء بمخيمات تندوف لمعرفة كم يوجد فعلا من مغاربة هناك، وما هي نسبة الأجانب في المخيمات. فإذا كانت إسبانيا قد أرجعت للمغرب صحراءه باعتماد إحصاء «رسمي» سجل في الأممالمتحدة حصر عدد الصحراويين في 74 ألف شخص، فإن جزءا مهما من هذا العدد استقر بالمغرب وجزءا آخر بموريتانيا وجزءا ثالثا بإسبانيا في حين لم يتواجد بمخيمات تندوف سوى جزء أضعف. وحسب قياديين عديدين كانوا مسؤولين بالبوليساريو، وتولوا إدارات أمنية وعسكرية ومدنية استأنست «الوطن الآن» بآراءهم، فإن ما يوجد حاليا في مخيمات تندوف لايتعدى، في أحسن الأحوال، 45 ألف نسمة بفعل التوالد الطبيعي على مر سنوات الصراع منذ 1975 إلى اليوم. وهو ما يمثل ثمانية آلاف أسرة ومايزيد قليلا. وإذا أسقطنا من هؤلاء 12 ألف جزائري وحوالي 8 آلاف فرد ينحدرون من موريتانيا، فلن يبقى كصحراوي مغربي سوى 25 ألفا، أي ما يمثل حوالي 5 آلاف أسرة. لكن الملاحظ أن السلطات العمومية لا تتبني أية استراتيجية واضحة لمواكبة العائدين من جهة وتسهيل اندماجهم في المجتمع من جهة ثانية وتوظيف كفاءات بعضهم من جهةثالثة. فإلى حدود العام 1996، كانت السلطات المركزية تعتمد على مرجعية (ولو أنها هشة) لمساعدة العائد. لكن لظروف ما، تخلت الدولة عن هذه المساعدة بشكل يزيد من مصاعب أي مغربي عاد من تندوف. علما بأن الخبراء يستعملون لفظة الإرهاق في التكيف (Le stress de transplantation) لاختلاف البنى الاجتماعية والاقتصادية والإدارية التي عرفت نفس النموذج (أنظر تجربة سلطنة عمان وأمريكا اللاتينية في الصفحة 13) حيث تضع شبكات اجتماعية لحماية «التائبين» من الانزلاق في التيه والضياع في عالم لايعرف أي شيء عن قواعده (Les codes). علما بأن المغرب سبق وأن عاش تجربة مماثلة تمثلت في نجاح إدماج 10 آلاف من جيش التحرير في بداية الاستقلال المناوئ آنذاك للنظام، حيث أدمجوا في سلك الجندية، ومنهم اليوم ضباط سامون خاضوا أشرس المعارك في حرب الرمال وامغالة وغيرهما. التجرجير تأسيسا على هذا النموذج انتابت المراقب حيرة من تهميش السلطات لهذا العدد الهائل (7 آلاف تقريبا)، علما بأن منهم من يحمل ديبلوم مهندس أو بيطري أو تقني (قدر عددهم بمائةكفاءة)، أو كان مسؤولا إداريا (حوالي 50 رجل سلطة) أو كان ضابطا (30 قائد كتيبة عسكرية عاد من تندوف) أو كان يعمل في الجندية (حوالي ألف عائد).. إلخ. وهذا البروفيل يبرز أن الكثير من العائدين ليسوا عالة، بل بالإمكان ضمان تكيفهم بسرعة ومساعدتهم لإيجاد عمل، سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص أو تمكينهم من قروض صغرى لإنجاز مقاولات وعيادات ومحلات الميكانيك أو غيرها من التخصصات التي يجيدونها. فمثلا، العديد من هؤلاء لايتوفرون حتى على الدبلوم بالنظر إلى أن البوليساريو حجزت الوثائق، وهو مشكل لايتطلب اعتمادات مالية، بل ضغطا من وزارة الفاسي الفهري لدى سلطات الجزائر وكوبا وروسيا وليبيا وغيرها من الدول التي كان يدرس بها هؤلاء العائدون في جامعات تلك الدول، وبعدها تمكينهم من شهادة المعادلة ليذوبوا في المجتمع مع أقرانهم المغاربة. العديد من العائدين يجدون صعوبة في المحاكم لاستخراج الوثائق الإدارية التي تثبت مغربيتهم، وهو مشكل يسهل إيجاد حلول له، باعتماد مساطر ومسارب إدارية خاصة،كي لايظل العائد «يتجرجر» في المحاكم لمدة (من 5 إلى 7 أشهر) بدون وثائق تمكنه من كسب رزقه فيضطر إلى المكوث لدى أقربائه بالعيون أو بالداخلة أو السمارة، علما بأن العديد من عائلات الصحراء ضعيفة المورد، ولا قبل لها بتحمل إيواء عائد وعائلته لمدة أطول. مشكل السكن، الذي يعد أحد الملفات المؤرقة، وهو موضوع ظل معلقا منذ خطاب المرحوم الحسن الثاني لدى افتتاح الدورة البرلمانية في أكتوبر 1990 حينما دعا وزارتي الداخلية والإسكان إلى إنجاز مشاريع سكنية لفائدة العائدين، وهو ما لم يتحقق. وحتى حينما أنجزت برامج لإيواء سكان المخيمات بالمدن الجنوبية في صيف 2008، تم إقصاء هؤلاء لينضاف إلى التجميد الذي طال صندوق إدماج العائدين الذي أمر محمد السادس بإحداثه في 4 أبريل 2001، ولم تفعله، لاحكومة جطو، ولاحكومة عباس الفاسي. إن كل عائد من تندوف ليس ناقص واحد في البوليساريو، بل هو زائد مغربي، ولنربح مغاربة آخرين ليس أمام السلطات العمومية سوى رد الاعتبار لمن عاد ومساعدته والثقة فيه حتى يزداد الإغراء أكثر وتفتح شهية المزيد من الصحراويين ليغادروا جحيم «ألمانياالشرقية» نحو مغرب «ألمانياالغربية» على حد تعبير محاورنا، وهو مشروع لن يكلفنا على أبعد تقدير سوى 5 مليار درهم (أقل من ترامواي البيضاء وما يوازي مصاريف حفلات بعض الأثرياء!) لتجهيز مساكن العائدين، استعدادا لتفريغ تندوف من ما تبقى من مغاربة، فهل أمن المغرب ومصالح المغرب أرخص من 5 مليار درهم؟ سؤال متروك لفلاسفة الحكومة والبرلمان الذي يصادق على الميزانية للجواب عنه. إقرأ الموضوع من مصدره