عبد الرزاق طريبق تبني الصين حاليا مجمعا ثقافيا وسياحيا ضخما لعرض الحضارة العربية والإسلامية في واحدة من نقط مرور طريق الحرير التاريخي بإقليم نينشيا (شمال) أطلقت عليها "مدينة المسلمين العالمية", وتتوخى أن تجعل منها مركزا لتعريف بلد المليار و300 مليون نسمة بالإسلام وثقافته. ولن تكون "مدينة المسلمين العالمية" هذه والتي تقع على 200 هكتار, على شاكلة مختلف المدن, إذ لن تتوفر على منازل وسكان قارين, بل يريد منها مصمموها أن تصبح مركزا ثقافيا وسياحيا مفتوحا طوال العام أمام الزوار, وخصوصا الصينيين والمسلمين, وستضم جامعة ومتحفا ودور ضيافة ومراكز للصناعة التقليدية للبلدان العربية والإسلامية وغيرها. وتقع المدينة في بلدة نا تياهو ببلدية يونينغ, حيث غالبية السكان مسلمون من قومية خوي , على بعد 22 كلم من إينتشوان عاصمة إقليم نينشيا . يقول ماي وين جر أحد المسؤولين التنفيذيين للمشروع لوكالة المغرب العربي للأنباء, انه شرع في أعمال البناء في مايو الماضي, كما وضع وانغ تشينغ وي رئيس مقاطعة نينشيا رفقة سفراء عرب في 5 يوليوز الماضي حجر الأساس رسميا لبناء هذه المدينة التي يتوقع الانتهاء من أشغالها بالكامل في 2014. وحسب السلطات الصينية فقد استثمرت الحكومة المحلية 300 مليون يوان (الدولار يساوي 7ر6 يوان) في أعمال تعويض المباني وتحويل السكان, وتتوقع استثمار 800 مليون يوان في أعمال التجهيز و5ر2 مليار في أشغال البناء. وتتكون هذه المدينة التي تسهر "الجمعية الخيرية لمسلمي نينشيا" على إنجازها, من 12 مشروعا معماريا وثقافيا وحضاريا متكاملة فيما بينها, لعل أبرزها المسجد الكبير الذي يتوسط المدينة بمرافقه الثقافية وخصوصا المكتبة وقاعة المعارض, ثم متحف تاريخ العالم الإسلامي, ومعرض ثقافات البلدان الإسلامية, والجامعة الإسلامية وفضاءات العرض الخاصة بالدول الإسلامية. كما سيقام بالمدينة شارع خاص للصناعة التقليدية الإسلامية يضم محلات حرفية صغيرة, وآخر لفنون الطبخ الإسلامي يشمل محال تجارية ومطاعم, ثم الخيرية الإسلامية وروض أطفال ومركزا صحيا, ودار أيتام ودار عجزة, في حين خصصت دور ضيافة لسكن السياح والوافدين من الخارج, إذ لن تتوفر هذه المدينة المستقبلية على فنادق, فمدينة الإسلام تحتضن جميع زوارها في المنازل وبين أحضان أهلها. البيت المغربي أول المباني التي انتهت أشغال تشييدها وخصص للمغرب سبعة دور بالمنطقة السكنية في المدينة يعرض فيها ثقافة وإبداع رجاله في مختلف أوجهها, وذلك من أصل 162 دارا في المجموع. وتبلغ مساحة كل بيت من تلك البيوت السبعة 6ر167 مترا مربعا, وقد انتهت أشغال البناء الكبرى في بيتين منها, في حين لم يشرع بعد في بناء الأخريات حسب ما عاين مراسل وكالة المغرب العربي للأنباء في عين المكان وأنجز تصميم البيت المغربي انطلاقا من صورتين فوتغرافيتين لقصبات الجنوب المغربي وسقاية النجارين الشهيرة بفاس, بعد أن تعذر على المهندسين الحصول على تصاميم هندسية معمارية مغربية خالصة . وقد حرص المهندس الصيني الذي وضع تصميم البيت النموذجي المغربي وهو التصميم نفسه الذي سيكون للبيوت السبعة, أن يكون من الخارج شبيها في معماره بالقصبة مطليا باللون الأحمر, ومطرزا في مدخله ونوافذه بزخارف وخطوط كتلك المعروفة في سقاية النجارين بفاس. أما من الداخل فلا يحيد البيت عن مثيليه من البيوت العصرية في أية مدينة صينية, حيث يضم بهوا وثلاثة غرف ومطبخا وحماما. يقول ما وي أحد المسؤولين الإداريين عن تنفيذ بناء المدينة, إن المهندسين حرصوا على تخصيص سبعة بيوت للمغرب ليكون ثاني بلد له أكبر عدد من البيوت بعد الكويت (ثمانية), موضحا أن اختيار سبعة بيوت لم يكن بمحض الصدفة بل بالنظر للسمعة العالمية للثقافة المغربية في فن المعمار والديكور التي تحافظ على أصالة عريقة, مؤكدا أن الصانع المغربي بارع في فن ترويض الخشب والجبس والحديد, وابتكار الأشكال والنماذج الزخرفية البارعة ومزج الألوان, ما يعطي منتوجا معماريا غاية في الجودة والبهاء وهذا ما نسعى إليه. وأعرب عن أمله في أن تستفيد هذه المدينةالجديدة خصوصا البيوت الخاصة بالمغرب, والتي ستكون فضاءا لعرض ثقافته وحضارته, ثم المركبات الاخرى كالمسجد وشارع الصناعة التقليدية من خبرة الصناعة التقليدية المغربية, وقال نتمنى أن تنعكس هذه الابداعات بشكل كبير في هذه المدينة. السعودية والكويت من كبار مدعمي المشروع وتساهم كل من المملكة العربية السعودية ودولة الكويت بسخاء في إنجاز مشروع هذه المدينة, حيث وعدتا بتقديم هبات لتمويل عدد من مشاريع البناء, كما ساهمت أيضا في ذلك منظمات غير حكومية من قبيل "الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية" ومقرها الكويت. ويقول ما وي إن المملكة العربية السعودية قررت تخصيص مبلغ مالي هام لبناء الجناح الخاص بمعارض البلدان العربية والإسلامية, والذي سيضم 57 دارا للعرض. أما الكويت فخصصت 25 مليون دولار لبناء المسجد والمركز الثقافي والحضاري الذي سيتوسط المدينة, و6 مليون دولار لبناء الجامعة ودار الأيتام. وأضاف أن بلدانا عربية أخرى تبحث تمويل عدد من المشاريع في المدينة لكن لم يستقر رأيها بعد, مشيرا الى أن عددا من البلدان العربية ساهمت على مدار السنوات القليلة الماضية في بناء الكثير من المنازل والمساجد والمدارس في إقليم نينشيا لقومية خوي المسلمة.وأشار من جهة أخرى الى أن هندسة المدينة أنجزها صينيون, وسيقيم بها عند انتهاء الأشغال نحو 3000 شخص بشكل دائم, كما يتوقع أن يبلغ عدد زوارها في السنوات الأولى نحو مليون زائر كل سنة.