عادت العدل والإحسان من جديد إلى الحديث عن عشر سنوات مرت على كتابة رسالة "إلى من يهمه الأمر" من طرف عبد السلام ياسين، زعيمها الروحي. والرسالة في الواقع لا عمق لها سوى جرأتها الزائدة عن اللازم،والتي لا تقدم ولا تؤخر في الأمر شيئا. والرسالة تمثل في الحقيقة نوعا من التقمص في غير محله. في نوع من التشبه بالعلماء في نصيحتهم للحكام وعبد السلام ياسين ليس عالما فهو فقط مفتش في التعليم. يمكن إدراجه ضمن المثقفين الدينيين في أحسن الأحوال. عودة الجماعة إلى الحديث عن الرسالة لم يخل من طرائف. قال فتح الله أرسلان الناطق الرسمي باسم الجماعة "ما وقع في السنوات التي مضت بعد صدور المذكرة، والأحداث الغزيرة والمتنوعة التي شهدناها، كلها كانت تأتي لتأكيد ما ورد في المذكرة. فإذا كانت قد حذرت مما ينتظره المغرب من ويلات وتراجع شامل على كل الأصعدة إن لم تؤخذ تلك الاقتراحات على محمل الجد، فقد تحقق ذلك بالفعل" وأضاف أرسلان "إن ما يحتاجه الناس اليوم، وبعدما أصبحت الاصطفافات واضحة، هو هبة ويقظة النخبة السياسية والمثقفة". في مقال سابق حول ندية ياسين كتبت أن الرجل أصبح مقدسا دون إعلان، واليوم يؤكد أرسلان ذلك. التلميذ النجيب لياسين قال إن ما توقعه وقع بالفعل دون زيادة ولا نقصان. فهل أصبح ياسين نبيا من غير رسالة؟ إذا كانت توقعات ياسين خلاصة تفكير ودراسة عميقة فإن ما يمكن أن يقع منها لا يمكن أن يكون منسجما تماما مع تصورها الأولي. يمكن أن يتحقق منها النصف وهذا يعتبر قمة في علم التوقعات المستقبلية،ويمكن ألا يتحقق منها شيئا لعدم وجود الظروف المناسبة أو لميلاد شروط جديدة تغير مسارات البلد. ما قاله أرسلان يعيد إلى الأذهان قضية الرؤى. ففي وقت من الأوقات روجت جماعة العدل والإحسان على نطاق واسع لحدث يقع في سنة 2006. حدث عظيم. لم يقع لا حدث عظيم ولا حديث غير عظيم،بل تحولت الرؤى إلى عظمة في حلق قادة الجماعة. وتراجع ياسين خطوة للوراء ليقول لأتباعه إنكم قوما تستعجلون، بل إن قيادة الجماعة نفت أن تكون هي من كان وراء ذلك معترفة في الوقت ذاته أنه تواتر لدى أعضاء الجماعة رؤى تفيد بوقوع الحدث العظيم. العارفون بالموضوع يقولون إن الموضوع لا يتعلق برؤى،وإنما يتعلق بدراسة أنجزها أحد مراكز الدراسات الأمريكية تنبأ فيها بوقوع هبات اجتماعية عنيفة في أفق 2006، وكانت الجماعة تنتظر الفرصة لتؤكد توقعاتها التي هي في الحقيقة توقعات أمريكية، مع التأكيد على أن المعهد الذي أجرى الدراسة ليس فيه مسيحي صوفي يحلم مثلما يحلمون. وبالحديث عن الانتظار يمكن القول إن الجماعة تتقن ذلك. فأرسلان يدعو إلى هبة. هبة النخب السياسية والمثقفة. والناطق الرسمي سيقول حينها "اذهبا أنتما وربكما فقاتلا إنا ها هنا قاعدون" منتظرون قطف ثمار النضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان وهو ما يسميه المغاربة "خدم آ التاعس من سعد الناعس". جماعة تدعو إلى هبة ليس لها برنامج ولا رؤية واضحة لمغرب القرن الواحد والعشرون. مغرب لا يمكن إدارة شؤونه بالطريقة التي كانت تدار بها شؤون المسلمين في القرن الأول للهجرة. ادريس عدار النهار المغربيةالنهار المغربية