في القرن الثالث عشر كتب الفيلسوف الإنجليزي روجيه بيكون "ينبغي بلا شك احترام الأسلاف، وإظهار العرفان لأولئك الذين مهدوا الطريق، لكن لا ينبغي أن ننسى أنهم رجال مثلنا وأنهم أخطأوا أكثر من مرة، لقد ارتكبوا أخطاء كثيرة بحكم أنهم أسلاف لأن الأكثر شبابا هم الأكثر شيخوخة. الأجيال الحديثة ينبغي أن تتجاوز الأجيال السابقة، لأنها ورثت كل إنتاجات الماضي" (عدد لوبوان الخاص بالفكر الإنجليزي). ولم يكتف بيكون بذلك؛ بل استخلص أن سقراط لم يعرف كل شيء،ولم يقم إلا بما كان متاحا في عصره. بالجملة الأجيال اللاحقة تكون دائما أكثر نضجا من الأجيال السابقة، وهذا ما لم تفهمه الحركات الإسلامية التي اعتبرت جيل الصحابة الجيل القرآني الفريد ناسية قانون التكامل الإنساني عبر مراحل التاريخ. وأنا أقرأ هذا الصباح ما كتبه بيكون تراءى أمام عيني اقتحام الشبيبة الاتحادية لمكان اجتماع المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مطالبة المكتب السياسي بالخروج من الحكومة. قد تكون الشبيبة على حق وقد لا تكون. لكن ما لا ينبغي تجاوزه هو الإصغاء للأصوات الصادرة من داخلها تحاول إنتاج موقف سياسي. وما لا ينبغي الإعراض عنه هو أن الشيوخ ليسوا أذكى من الشباب. بناء على ما سبق فإن شباب الاتحاد الاشتراكي يمكن أن يكون أكثر نضجا من شيوخه الذين ينبغي أن يؤسسوا منظمة للدفاع عن سلفيتهم كما فعل شيوخ حزب الاستقلال الذين يسميه مناضلو القواعد "مجلس الشيوخ". وأعتقد أن الشباب أكثر نضجا من الشيوخ. لماذا؟ الشباب يكتسب خبرات وتجارب من خلال الممارسة كما يرث خبرات وتجارب الماضين، ما يمتلكه الجيل اللاحق هو أكثر مما كان لدى الجيل السابق. وفي تاريخ الإنسانية تعتبر المراحل الأولى مراحل الولادة والنمو وكلما تقدمت البشرية كلما نضجت أكثر، وما ينطبق على الفترات الكبرى في التاريخ ينطبق على الأجيال. ما يميز الحركات السياسية في المغرب هي أنها لا تؤمن بتكامل المسيرة، وعندما تطرح عليها مسألة نضج الأجيال تتحول إلى حركات سلفية بقاعدة "ليس في الإمكان إبداع أحسن مما كان". تصور كيف يمكن أن تتواصل الأجيال التي كبرت على الراديو مع أجيال الفايسبوك والتويتر. كيف لأجيال تعلمت السياسة في ظل الفراغ مع أجيال تعمل في ظل ظروف سياسية تتميز بنضج الأجيال التي تحكم؟ كيف يتسنى لمن عاش الاستقلال بفرح طفولي أن يقود جيل ما بعد المسيرة؟ كيف لجيل عاش الثنائية القطبية أن يصوغ الموقف المناسب في ظرف يتميز بانهيار الحدود عبر التواصل الإلكتروني الأسرع من البرق؟ الاتحاديون من الأسلاف مطالبون بتأسيس منظمة لتقديم خبرات الماضي للأجيال الحالية وإخلاء الساحة للخلف لكن ليس بصيغة "وخلف من بعدهم خلف أضاعوا المبادئ واتبعوا المناصب". الاتحاد الاشتراكي في مفترق طرق بين أن يكون حزبا ديمقراطيا ينبني على التراكم أو أن يكون زاوية يخضع فيها الحواريون للشيوخ. لكن لا ننسى أن الشيوخ أكثر تمسكا بالحياة من الشباب. الحياة بما هي منصب وكرسي وجاه ووجاهة.