هناك داخل المجتمع المغربي أمثال تستدعي الوقوف عندها، وفحصها بالأشعة ما فوق الحمراء لتحديد أبعادها الضاربة في أعماق "النفاق والعناق"، ومثال ذلك (ما دمت في المغرب فلا تستغرب) وهذا يعني أن كل ما يمكن أن تراه في هذا البلد (الأجمل في العالم) من ظواهر وعادات غرائبية أصبحت من الأشياء العادية ولم تعد تثير انتباه أحد، وأن الأمور تدور، عملا بقول الشاعر "دع الأمور تمر في أعنتها / ولا تبيتن إلا خالي البال". بل هناك أمثال أخرى يضربها المغاربة في أحاديثهم وحوادثهم تكشف عن نوع من السلوك المختل التوازن مثل "الله يجعل الغفلة بين البايع والشاري"، ما يعني أن مرسوم التجارة ببلادنا يقوم على هذا المسمى ب"الغفلة" الذي يلعب دور الوسيط بين (البايع والشاري) والأفظع من ذلك أن هناك من يتاجر بمآسي وآلام الناس، إذ كلما وصلت إلى مسامعيه "دفعة" أخرى من الزيادة في الأسعار يسارع إلى تخزين ما ملكت أيمانه من سلع... إلى أن يصبح قرار "الزيادة" ساري المفعول، ثم يعرضها من جديد ليجني من وراء ذلك أرباحا مضاعفة في غياب أي مراقبة ولا هم يحزنون. أما حين نطل على "القانون" نجده بدوره ينبهنا بأنه لا يحمي المغفلين، وإذا طرحنا السؤال عمن يحمي إذن؟ نجد أنفسنا أمام "قانون آخر" يتحول إلى أنبوب بلاستيكي يمكن تقويسه حسب الظروف والأحوال ومنطوق الكلام والأحكام. مثال رابع هو كذلك في غاية "الغرابة "فحين نطل على المجتمع نجد من يتباهى بصيغة "العظاميين" ليوحي للآخرين بأن له ركائز ودعائم من "الناس لّي لفوق" فيدعو أمام غريمه "لّي عندو باب وحدة الله يسدها عليه" بمعنى أننا سائرون في طريق ثقافة دخيلة، فيها كل شيء بالمقابل حتى الدعاء، بدل من أن نقول مثلا "لّي عندو باب وحدة الله يفتح عليه بِبان الخير"، وهنا أستحضر نكتة يرددها المغاربة في هذا السياق وتقول أن "عفريتا" ظهر في مكان خلاء، لصديقين مرا من هناك، فاشترط على أحدهما أن يطلب ما يتمناه على أساس أن يكون لصديقه ضعف ذلك، وبعد تفكيرغطته غيوم الحسد طلب من "العفريت" أن يفقع عينه، ليكون نصيب الآخر العمي المطلق. هذه بعض أمثال تطرقنا إليها في هذا المقام، وغيرها كثير تبرز نوعا من السلوك لم يكن للمغاربة عهدا به في ثقافتهم المتآزرة في الأفراح والأتراح، وامتدت معالمها أكثرمع ثقافة أخرى للهروب من المسؤولية وإلصاق التهم في "العفاريت" و"التماسيح" وكائنات من عالم الأشباح.. ثقافة ظهرت مع حكومة "البيجيدي".عبد الله ورياش