قدمت بي بي سي اعتذارا بعد أن كشفت فحوى حديث خاص دار بين الملكة إليزابيث الثانية ووزراء الحكومة السابقة أعربت فيه عن مخاوفها من نشاط رجل الدين المتشدد أبو حمزة المصري. وكان مراسل بي بي سي للشؤون الأمنية فرانك غاردنر قال لراديو بي بي سي 4، إن الملكة أخبرته بأنها قد تحدثت إلى وزير للداخلية في هذا الشأن. وأضاف غاردنر أن الملكة كانت منزعجة بسبب عدم وجود وسيلة للقبض على أبو حمزة المصري، وتحدثت إلى وزير الداخلية البريطاني لتسأله لماذا لايزال شخص مثله طليقا وقد ظهر وهو يحض على العنف والكراهية. وأوضح غاردنر قائلا "مثل أي شخص، كانت الملكة مستاءة من أن هذا الرجل يسيء إلى بلدها ورعاياها". مؤكدا أن الملكة لم تكن تمارس ضغطا، ولكنها أعربت "عن وجهة نظر كانت لدى كثيرين". ومن النادر أن تدلي الملكة بآرائها حول مثل هذه القضايا. وجاء الكشف عن مخاوف الملكة إليزابيث بعد يوم واحد من رفض لجنة من كبار قضاة المحكمة الأوروبية إحالة قضية أبو حمزة وأربعة من المشتبه بهم بتهم تتعلق بالإرهاب إلى الدائرة العليا في المحكمة الأوروبية – وهي آخر دائرة للاسئتناف كانت أمامهم في المعركة التي يخوضونها لمنع تسليمهم إلى الولاياتالمتحدة. وتعتبر بي بي سي من أعرق الإذاعات في العالم، ويوم كان الراديو هو الطاغي على وسائل الإعلام وكان التلفزيون مازال قليلا كانت أجيال من المستمعين تنصت إلى الأصوات القوية للمذيعين "هنا لندن.. إذاعة البي بي سي". ورغم عراقتها لم تركب رأسها بل اعتذرت للملكة عن هذا التسريب التي لا تسمح به الأعراف في واحدة من أعرق الديمقراطيات في العالم بل تعتبر النموذج والمثل الأعلى لكل المطالبين بالملكية البرلمانية. لكن للديمقراطية أعراف وتقاليد لا تحيد عنها ولا يمكن استغلالها من أجل الفوضى وتمييع السلوكات السياسية. إن مجرد نشر كلام للملكة قالته في لقاء ما يعتبر خرقا للأعراف الديمقراطية وتطلب اعتذارا من واحدة من أعرق الإذاعات. لا يمكن لهذا الاعتذار أن يمر مرور الكرام ولا نلقي له بالا ونحن البلد الذي أسس لركائز الديمقراطية حديثا وبدأ يتحسس نسائمها. لكن ما يظهر من قفشات يثير الرعب في كون الديمقراطية في المغرب ستتحول إلى فوضى وأن المعلومة مهما كانت قيمتها الاستراتيجية ستصبح في متناول الجميع بفضل وجود بنكيران على رأس الحكومة، ومن موقعه المهم ومن موقع صلاحياته الواسعة قد يطلع على أسرار تهم مستقبل البلد لكن يفشيها في أي لحظة وهي بوادر الانهيار لا قدر الله وهو ما لا نريده لبلدنا. إن مجرد نشر كلمة لملكة بريطانيا فيها تعبير عن السخط الشعبي تطلب اعتذارا من البي بي سي. فكيف برئيس حكومتنا الذي لا يقول كلمة أو كلمتين حتى يردفها بقال لي الملك وقلت للملك. أليست المجالس بأماناتها كما في القول المأثور أم أن التراث عند بنكيران ليس دروسا يستفاد منها وهو مجرد أدوات انتخابية؟ إن الطريقة التي يتعامل بها بنكيران مع أسرار الدولة يهدد بجعلها دولة مكشوفة لأعدائها. ودولة بلا أسرار وبلا أوراق تلعبها في الحين هي دولة محكوم عليها بالفشل وبالتبعية لغيرها لأنها لا تتمكن من إدارة الصراع المحيط بها. لقد أكثر بنكيران الكلام ومن كثر كلامه كثر سقطه. منذ اليوم الأول وبنكيران يفشي أسرار حواراته مع الملك ولا يميز في تلك الحوارات بين التعبير عن المواقف وبين الأوامر التي تدخل في اختصاصات الملك.