قال مسعود بوحسين ٬ رئيس النقابة المغربية لمحترفي المسرح٬ إن المسرح المغربي في حاجة الى هيكلة تنظيمية جذرية تحدث قطيعة حقيقية مع أشكال التنظيم السابقة وتأهيل نظام دعم عمومي يتجه نحو إضفاء مزيد من الحرفية والديناميكية الذاتية على الممارسة المسرحية. وأوضح بوحسين في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء٬ أن الوقت حان لتفعيل خطة وطنية لتأهيل قطاع المسرح بالمغرب٬ أعدت النقابة مشروعها انطلاقا من الحاجة الماسة الى تجاوز الحلول الظرفية٬ معتبرا أن الحلول ذات الامدين المتوسط و البعيد تحتاج الى ارادة سياسية حقيقية والى اعادة النظر في الكثير من الامور وأهمها انشاء مؤسسة يوكل لها هذا الامر على شكل وكالة او مركز يهتم بالمسرح وفنون العرض الى جانب تطوير مؤسسة المسرح الوطني وقيام فرق جهوية بتصور جديد والعناية بالتكوين و التكوين المستمر ودعم إشعاع المسرح المغربي دوليا. وحول حظوظ وضع هذه المحاور موضع التنفيذ٬ في أجواء الاحتفاء باليوم الوطني للمسرح (14 ماي)٬ لاحظ بوحسين٬ أن وزير الثقافة متفهم لهذه المسألة بشكل كبير وقدم خلال لقائه بوفد النقابة العديد من الاقتراحات المهمة في هذا الاتجاه٬ مضيفا أن ما تم التوصل اليه لحد الساعة هو اتفاق حول العديد من النقط وأهمها الحلول ذات الطبيعة الاستعجالية من قبيل اصلاح الدعم المسرحي لكي يبتدأ الموسم المسرحي المقبل في ظروف طبيعية خصوصا بعد مقاطعة العديد من الفرق المسرحية لدعم الانتاج و الترويج المسرحيين السابقين٬ وإصلاح نظام بطاقة الفنان. وعن مكانة المسرح في السياسات الثقافية العمومية٬ سجل رئيس النقابة المغربية لمحترفي المسرح أن المسرح المغربي كان دائما مبنيا على المبادرات الفردية في غياب اي انخراط فعلي للدولة في دعمه الا في حدود ضيقة جدا٬ مشيرا الى الفرق الشاسع بين الدعم المخصص له ونظيره المرصود للسينما٬ ليخلص الى أن "رؤية الدولة للمسرح لحد الساعة لا تتجاوز حدود الاعانة المحدودة الشيء الذي يترجم بشكل جلي عدم ادراك او تجاهل الاهمية الحقيقية لهذا الفن العريق". وطالب في هذا السياق برفع الدعم العمومي للمسرح مقابل دفعه نحو الحرفية و الديناميكية الذاتية عن طريق التفكير في نظام للفرق المسرحية المحترفة واعادة النظر في نظام بطاقة الفنان وفق شروط متفق عليها حتى يصبح مجال الدخول الى الممارسة الاحترافية واضحا سواء من خلال الابداع او الانتاج وحتى يصبح مجال تدخل وزارة الثقافة ومخاطبيها واضحا وايضا لكي تقوم جهات اخرى بالعناية بأنماط اخرى من الممارسة المسرحية المغربية كمسرح الهواة و المسرح الجامعي. كما شدد على أهمية اصلاح مؤسسة المسرح الوطني محمد الخامس لكي تصبح مؤسسة منتجة وليست مجرد قاعة متعددة الاستعمالات وأن تكون لها مراكز جهوية في افق تحويلها في الامد البعيد الى مسارح وطنية بالمعايير الدولية٬ وإنشاء مؤسسة خاصة تعنى بالمسرح وفنون العرض والعناية بالبنيات التحتية٬ كل هذا في اتجاه دفع المسرح المغربي نحو الحرفية و التوطين وجعله متناغما مع الفنون الاخرى من اجل حركة ثقافية مغربية فاعلة ومؤثرة في محيطها. ويبقى الوضع الاجتماعي لرجال ونساء المسرح محل إجماع على سوداويته. فبغض النظر عن تفاوت المداخيل٬ يقول مسعود بوحسين٬ فإن "العمل الفني لا يعرف وتيرة دخل مستقرة ولذلك فكل فنان معرض في يوم ما للهشاشة و الفقر خصوصا في سن متقدمة٬ وهناك العديد من الحالات المؤسفة حقا. وهناك فنانون يدفعون ثمن مواقفهم بحرمانهم من حقهم في الاطلالة على جمهورهم". ومن أجل تجاوز هذه المشاكل بلورت النقابة المغربية لمحترفي المسرح تصورا يتمثل في اصلاح بطاقة الفنان التي يجب أن تصبح بطاقة مهنية تخول خدمات اجتماعية والاولوية في التشغيل لحاملها شريطة اخضاع الحصول عليها لشروط محددة ومدققة. وتقترح النقابة أن تكون لفنون الاداء بطاقة موحدة تشمل المسرح و السينما و الموسيقى و الرقص.ويؤمن بوحسين أن هذا الاجراء التنظيمي "سيجعلنا قادرين على تحديد حد ادنى للاحترافية و على ضمان ولوجية سوق الشغل و على امكانية تحديد نظام للاقتطاعات من الاجور ونظام للتقاعد خاص بالفنانين. أما في غياب ذلك٬ فسنعيش دوما نفس المآسي وستتدنى الجودة الى الحضيض لان سوق الشغل الفني غير مهيكل وغير محمي٬ بسبب جشع العديد من شركات تنفيذ الانتاج التي لا تتوقف فقط عند حدود هضم الفنانين حقوقهم٬ بل وباغراق السوق الفنية بعمالة فنية جديدة من أجل تخفيض التكلفة". وأضاف أن الفنان٬ وخصوصا الممثل٬ "لم يعد بإمكانه فرض شروط فنية وعندما يكون له موقف ما يدفع ثمن ذلك غاليا٬ ولعل آخرهم الفنان محمد مجد الذي ثم تعويضه في سلسلة 'ياك حنا جيران' بكل بساطة بفنانين أجانب في الوقت الذي يعاني فيه الكثير من الفنانين المغاربة العطالة وبدون مبرر علما أن السلسلة حققت نجاحا محترما" . وعن واقع الفرق المسرحية٬ الوطنية والجهوية٬ على مستوى الهيكلة والتأهيل والاحترافية٬ يلاحظ مسعود بوحسين أن أغلب الفرق تشتغل اما كجمعيات أو كمقاولات فنية٬ وأغلبها لا تتوفر فيها الشروط التنظيمية و التدبيرية الحقيقية لممارسة المهنة. وأكد في هذا الصدد أن هناك حاجة ماسة الى تحديد نظام خاص بالفرق المسرحية المحترفة التي يجب ان تتوفر فيها شروط خاصة للحصول على الدعم العمومي مع العناية بالفرق الجادة الموجودة في المناطق المهمشة ثقافيا. أما بالنسبة للفرق الجهوية٬ فقال رئيس النقابة إنها "قد توقفت منذ مدة وكان ينبغي أن تتوقف لان المشروع كان دون سند قانوني حقيقي". وأعرب عن اعتقاده بأن تأهيل الفرق المسرحية نحو الاحترافية مدخل مهم لتطوير المسرح المغربي٬ خصوصا وأن الحركة المسرحية المغربية سوف تتعزز عما قريب بتنظيم جديد هو الفيدرالية المغربية للفرق المسرحية وهو تنظيم مستقل "نعول عليه من اجل ان يساهم في تنظيم الجوانب المؤسساتية للممارسة المسرحية المغربية خصوصا فيما يتعلق ببلورة تصور جديد للفرق المحترفة كمؤسسات لإنتاج الاعمال المسرحية الاحترافية". شجون لا تنتهي تسكن محترفي المسرح ومحبيه٬ لكن مسعود بوحسين يظل مؤمنا بامكانية تحقيق الاقلاع المنشود واسترجاع المسارح للجمهورها٬ الأمر الذي يبقى رهينا بتطوير الجودة التي لا تتحقق الا بدفع الفرق المسرحية الى الالتجاء للكفاءات الفنية٬ واصلاح القاعات وتطوير الآليات التواصلية للفرق المسرحية وتطوير الدعاية للأعمال المسرحية.