ترتبط الأحزاب أحيانا بسلوكات زعيمها. وأحيانا تسمى بأسماء قادتها الذين وسموا تاريخها. فنسمع عن حزب علال الفاسي وحزب المهدي وعمر وعبد الرحيم. وهناك أحزاب تسمت بزعمائها لأنهم لم يكونوا إلا وحدهم مثل حركة الخطيب. ولا يمكن وصف حزب العدالة والتنمية إلا أنه حزب بنكيران. وبهذا عُرفت جماعته في بداية الثمانينيات. بنكيران طبع الجماعة حتى لما ولدت حزبا بسلوكه. رجل له القدرة على الانحناء للعاصفة. وله في ذلك فتاوى دينية. غير أن ما يطبعه سلوكه السياسي والديني هو التناقض. ومخطئ من يعتبر أن بنكيران يعيش المتناقضات. فهو متناقض في الظاهر منسجم مع ذاته. وما أراده حققه. لما شاهد المواطنون بنكيران يؤدي صلاة العيد جنب الملك بصفته أميرا للمؤمنين، لاحظوا أن الزعيم الإسلامي كان مضطربا، فمرة صلى بالسدل على رأي السادة المالكية ومرة صلى بالقبض سالكا نهج الحنبلية التي دخلت إليه عن طريق الوهابية، وبينهما لم يكن يعرف أي طريق يسلك. وقال البعض مازحا، فقد صلى بالسدل إرضاء للمالكية وصلى بالقبض حتى لا ينتفض ضده السلفيون، وإذا احتج هؤلاء احتج عليهم بتلك وإذا احتج الآخرون قال لهم ها أنتم رأيتموني أصلي وفق المذهب. عندما سئل بنكيران عن ربطة العنق قال إنه لا يطيقها ولهذا لم يكن يرتديها. لم يكن صادقا في هذا القول لأن الوهابية تعتبر ارتداء ربطة العنق من أعمال الكفار والتشبه بهم كفر بحد ذاته. لكن إذا كان لازما ارتداؤها للضرورة فيجوز ذلك. فهو يلبس ربطة العنق مع قناعته بحرمتها لكنها حلال عنده بفتوى الضرورة أو التدليس المحبوب كما أخرجها رائد الوهابية بالمغرب تقي الدين الهلالي أو تقي الهلالي كما هو اسمه الحقيقي. هذه التناقضات يعيشها بنكيران بهدوء تام عكس ما يعتقده البعض. فالاضطراب ينتج عن محاولة إرضاء طرفين في وقت واحد وهو ما يمتنع منطقا. لكن بنكيران يعرف كل خطواته. التناقضات لا يعيشها بنكيران في السلوك الديني، ولا نقصد به بتاتا ما يعتقده فهذا ليس موكولا لأحد منا سوى ما أفصح عنه من اتهام لإبراهيم الخليل بالشك في وجود الله، ولكن يعيش التناقضات حتى في سلوكه السياسي. فيوم كان يدعي أنه معارض طلب القرب من وزير الداخلية إدريس البصري، بل بعث له رسالة للتعاون ضد الشيوعيين. ويوم أصبح رئيسا للحكومة حوّل خطابه نحو معارضة راديكالية. ومن تناقضات بنكيران أنه يشرف على الانتخابات ويزعم تزويرها أو محاولة تزويرها. ومن تناقضاته الزيادة في أسعار المحروقات والترويج لذلك على أنه إنجاز عظيم في خدمة الفقراء. ومن تناقضاته التي لا يمكن إخفاؤها هو تحالفه في مواقع كثيرة مع حزب يزعم أنه نجح بأموال الغبرة والحشيش وأنه حزب التحكم و و و. تناقضات بنكيران مدروسة وكلها تخدم مشروعه من أوله لآخره، ومن أراد أن يفهم ويستشرف مشروع التوحيد والإصلاح، التي يتزعمها بنكيران ولا قيمة هنا لرئاستها، فعليه أن ينظر بدقة في تناقضات السلوك السياسي والديني لبنكيران.