المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر" يكتشف بما لا يدع مجال للشك أن دور هذه المواقع لم يعد يقتصر على التواصل الاجتماعي ومنافسة المنابر الإعلامية الكبرى في سرعة الوصول إلىالمعلومة والقدرة على انتشارها،بل أصبحت تنافس إمبراطوريات استطلاع الرأي متمثلة في مراكز البحوث والاستطلاعات ،فبالرغم من أن بعض مراكز البحوث والاستطلاعات المدعومة والمتحالفة مع أعداءالثورات العربية من حكام عرب ومن وراءهم أمريكا والكيان الصهيوني وأبواق إعلامية فاجرة لم تترك مناسبة إلا وشيطنة فيها الحركات الإسلامية الحقيقية، وقدمتها في أبشع تكوين، إلا أن حملة التشنيع، على ما يبدو، لم تنجح أبداً في تأليب الرأي العام العربي ضد الإسلاميين، لا بل زادته نُصرة وتأييداًً لهذه الحركات وهو ما ظهر جليا من خلال التعاطف الكبير مع تحالف دعم الشرعية بمصر والانتشار الكبير لشعار رابعة العدوية وصورة الرئيس المصري المخطوف "محمد مرسي" على عدد كبير من الصفحات على الفيسبوك والتويتر. ولا أقول هذا الكلام انتصاراً لا للإخوان المسلمين، ولا للتيار السلفي، فالذي ينتصر للإسلاميينهي استطلاعات الرأي التي تتم على مواقع التواصل الاجتماعي، بعيدا عن مراكز البحوث والاستطلاعات التي لا تنتصر سوى لمن يمولونها ويقدمون لها التوجيهات التي تعمل وفقها. لقد حملت استطلاعات الرأي العام العربي من المحيط إلى الخليج على مواقع التواصل الاجتماعي، نتائج صادمة ل"خصوم الإسلاميين"، ووسائل الإعلام السائرة في فلكهم التي أخذت على عاتقها،بعد الربيع العربي، تحطيم صورة الحركات الإسلامية الحقيقية(التشديد على مصطلح "الحقيقية" مهم لأن هناك من يريد خلط الأوراق وتشويه الإسلاميين بنسب أحزاب لا علاقة لها بالمشروع الإسلامي لهم،كحزب العدالة والتنمية المغربي مثلا.)، وتشويهها في نظر الجماهير العربية والإسلامية. فبينما تحاول بعض مراكز البحوث والاستطلاعات العربية،وصحف عربية وأخواتها الفضائية قصارى جهدها شيطنة الإخوان المسلمين والسلفيين، وتقديمهما للرأي العام العربي على أنهما أقرب إلى الغرب منهما إلى العرب وأنهم صنيعة أجهزة الاستخبارات الغربية، فقد أظهرت استطلاعات الرأي على أن الرئيس المخطوف "محمد مرسي" هو أكثر الشخصيات الإسلامية شعبية في العالم العربي. كما أظهرت دراسات عديدة أن شعبية الإسلاميين في تصاعد، وليس في انخفاض،وأن أسباب تراجع أعداد المحتجين المناهضين للانقلاب في مصر سببه القمع والتنكيل غير المسبوق ضد أنصار الشرعية ،وليس عدم قدرة الحركات الإسلامية على الحشد كما يدعي البعض.
ومما قد يزيد في حنق الذين يحاولون شيطنة الحركات الإسلامية واستئصالها من المشهد السياسي العربي وتهويل خطرها على جانب الديمقراطية وحقوق الإنسان ،أن "غالبية العرب"، حسب ما يظهر على مواقع التواصل الاجتماعي، لا يرون أن "الإسلاميين" يشكلون تهديدا للديمقراطية ولا لحقوق الإنسان، وأن الخطر الحقيقي يأتي من جانب دعاة الليبرالية وأنبياء العلمانية الذين لطالما هللوا للديمقراطية وصدعوا رؤوسنا بقولة" الصندوق هو الفيصل"،ولما تقيأتهم الشعوب عبر صناديق الاقتراع رفضوا قبول إرادة الشعوب وكفروا بالديمقراطية.
يمكن أن نستشف من نتائج المتابعة الدقيقة والمتواصلة لمواقع التواصل الاجتماعي على أن الشارع العربي لم ينجر إلى لعبة الشيطنة والتخويف من الإسلاميين التي تتبناها بعض الأنظمة العربية(خصوصا دول الخليج الداعمة للانقلاب في مصر) وبعض أعوانها من أحزاب كرتونية الذين ما انفكوا يشوهون الإسلاميين ويضيقون على الدول التي فازت بها أحزاب إسلامية كتونس ومصر ، بدليل أن الأكثرية من مختلف الاتجاهات الفكرية اختارت دعم الرئيس المخطوف "محمد مرسي"كرئيس شرعي لبلد الكنانة،بل حولته إلى أكثر الشخصيات العربية والإسلامية جماهيرية. بعبارة أخرى فإن الحكام العرب الذين دعموا الانقلابين في مصر لا يمثلون إلا أنفسهم. فالشعوب نصيرة للحق بغض النظر عن انتماءاتها القطرية والفكرية.
ختاما،أتمنى على الحكام العرب الذين يعتمدون على تحالفاتهم الخارجية، وعلى البروبوغندا الإعلامية كي يسودوا في الشارع العربي،أن يستفيدوا من هذا الدرس ويتعلموا أن العبرة ليست في كثرة الظهور على صفحات الجرائد والمجلات وفي الأخبار على الفضائيات والأبواق الإعلامية ونشر الصفحات المؤيدة على مواقع التواصل الاجتماعي، بل في اتخاذ مواقف تروق لمشاعر وتوجهات الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، بدليل أن الرئيس المصري الشرعي والمغبون إعلامياً جاء في المقدمة. فلا أحد طبعاً يستطيع أن يقول إن الشارع العربي متأثر بأبواق البروبوغاندا الإعلامية الإخوانية ، فمعروف أن القنوات الدينيةأضعف من أن تؤثر بهذا الشكل، فضلا عن كون معظمها قد أغلق وتمت مصادرة معداتها بعد الانقلاب، وهي في معظمها متخلفة كثيراً، في الكم والكيف، عن الإعلام الفاجر التابع لرجال الأعمال الموالين للفساد والاستبداد والمستفيدين من بقاءه.