[email protected] خرج شباط يوما * في ثياب الواعظينا..و مشى في الأرض يهدي * و يسب الماكرينا..و يقول الحمد لله * إله العالمينا...الخ. يبدو أن الشبه كبير جدا بين "شباط" و بين الثعلب الذي تغنى به أمير الشعراء احمد شوقي في قصيدته التي يصف فيها مكر هذا الحيوان و دهاءه و حربائيته، لدرجة أننا لن نلحظ اختلالا في الوزن و لا في المعنى إذا ما نحن استبدلنا"شباطا" بالثعلب أو الثعلب ب"شباط"! فهما يتشابهان إلى حد بعيد في خصالهما الحيوانية. و يختم أحمد شوقي قصيدته بأن ضرب مثلا على لسان الديك الذي اكتوى أجداده على مر التاريخ بكيد و غدر و شره ذلك الحيوان اللعين، بأن يقول: مخطئ من ظن يوما * أن للثعلب دينا...و هذا هو الأمر الذي أرق البعض لما ظنوا أن ل"شباط" دينا، ليس بالمفهوم الاصطلاحي للدين، و لكن بمعنى" المبدأ" و " الثوابت الأخلاقية" التي يمكن ان تكون مرجعية الرجل في حربه كما في سلمه. و إلا فما معنى ان يخرج "شباط" مستنكرا الظلم و الاستبداد، ظلم حلفائه و جورهم، مشبها إياهم بخونة الامانة و بالمقصرين في واجباتهم تجاه الامة و بالكاذبين و بالمتعنتين؟..مالذي يعنيه ان يبشر "شباط" الناس و يعدهم و يمنيهم بجنة في الارض لا كلل فيها و لا نصب، و لكن نعيم و رخاء يتساوى فيهما الضعفاء من الخلق و الاغنياء؟!..مالذي يعنيه ان يعد كل ذي مسألة بحل و إجابة سحريين لمسألته فور قضائه على خصمه اللذوذ و عدوه المبين..أبو الشرور - كما يصوره- و ينحيه من على كرسيه ليصعد هو إليه؟!..مالذي يعنيه ان ينتصر لزارعي المخدرات و صانعيها و مستهلكيها، و يقول أن على الدولة ألا تنغص على هؤلاء متعتهم و لا تربك تجارتهم أو تحرمهم من كسب عيشهم، و يبعث في نفوسهم الأمل و يمنيهم بمستقبل يصبح فيه "الكيف" و القهوة.."كيف كيف"!!..ثم مالذي يعنيه أن ينصب هذا "الرجل" نفسه قاضيا، يأخذ بمبادئ الرحمة و العفو و الصفح الجميل، و يتجاهل العدل الذي هو أساس العمران، فيتلاعب بمشاعر الضحايا و المتهمين في واحدة من القضايا التي زعزعت أمن المجتمع و هددت استقراره؟!..و مالذي يعنيه كذلك أن يظهر هذا الرجل المعجزة في ثوب عراف و "متنبئ" يقرأ دواخل الناس و نواياهم، و يميز الخبيث منهم من الطيب، فيعرف من "صاحب الأقدام المباركة" الذي يصلح لإدارة شؤون البلاد و العباد و من هو دون ذلك؟!.. لا شك أن لكل زمان مسيلمته الذي يفتن الناس بعد ان يزين لهم ما تميل إليه أهواؤهم و شهواتهم، والذي يكون أكبر همه و مبلغ علمه أن يستميل العدد الغفير من الاتباع و المناصرين الذين يهتفون باسمه و ببركته و كرامته، فيبني هو، في المقابل، على أكتافهم بنيان مملكته و شهرته و طموحه و هوسه بالمال و بالمجد، فتنقلب الموازين و تتهدد أسس العمران الى ان يظهر من بين الناس من يصلح الله على يديه أحوال الناس و يقيم العدل بينهم...فاللهم أرنا الحق حقا و وفقنا لاتباعه، و أرنا الباطل باطلا و وفقنا لاجتنابه.