تحدث أشياء غريبة في المغرب، حتى إنني أصبحت أرى أنه من الأفضل إعدام الفتحة الموجودة فوق الميم ووضع الضمة مكانها، خاصة في هذه الأيام، بعدما سمعنا أن بعض النواب غاضبون بسبب قراءة رئيس المجلس لأسماء المتغيبين، مع أن المشكلة ليست في القراءة وإنما في الغياب، بالرغم من أن المجلس لجأ إلى هذه الطريقة كحل وسط بدل الخصم من تعويضات المتغيبين. وتصلح الضمة أيضا مع تلك الجمعية الحقوقية التي جرت وراءها جماعة من المهاجرين الأفارقة في شوارع الرباط للاحتجاج ضد حكومة بنكيران، مع أن المطلوب منها حل مشكلات المغرب لا مشكلات سيراليون، وربما اعتقد هؤلاء أن مشاكل المغاربة انتهت ويجب استيراد من لديهم المشاكل للتداوي عندنا، ولكن السياسة الملعونة متعددة الجنسيات. ويسأل المجذوب: ولكن ما علاقة كل هذا بالحيوانات؟ ويرد الدغوغي: العلاقة التي تجمع بين هذه الأمور وبين الحيوانات هي دوزيم. يوم الأحد الماضي، قدمت إلينا القناة الثانية في نشرتها المسائية روبورتاجا قصيرا عن الحيوانات الضائعة، رأينا فيه المعزى والكلب والحمار.. حتى الحمار أصبح يظهر في الشاشة، بفضل دفاتر التحملات. لكن المساواة لم تتحقق، لأن البغال والضباع وأبناء آوى لم تظهر، وقد يعود هذا إلى أن هذا النوع من الحيوانات لا يضيع. وهكذا صارت الحيوانات تزاحم المواطنين في التلفزيون المغربي، حتى إن أحدا لم يعد يميز ما هو أهم عما هو أقل أهمية، الحيوان الضائع أم البشر الضائع، ونخشى أن تختلط الأمور فنصبح مثل ذاك الذي ذهب إلى حديقة الحيوان وأخذ صورة تذكارية مع حمار أرسلها إلى شقيقته وكتب تحتها «أنا الذي يقف إلى اليمين». وبدل أن تهتم القناة بالحيوانات الضائعة كان عليها أن تهتم بالحيوانات غير الممدرسة، فقد رأينا هذا الأسبوع على اليوتوب شريطا جميلا يعكس التساكن الذي يوجد بين البشر والحيوان، لكن ليس على طريقة زائر الحديقة، إذ تظهر في الشريط معزتان داخل حجرة تشاركان التلاميذ مقاعد الدراسة، بينما يمد إليهما المعلم المقرر الدراسي متمازحا معهما، بطريقة تدل على أنه معتاد على حضور الحيوانات إلى درسه في تلك المنطقة. وما دامت القناة الثانية خصصت حيزا للحيوانات الضائعة، فعلى وزارة التعليم أن تخصص حجرات للحيوانات غير الممدرسة. ويقول المجذوب مازحا: ولكن ربما أرادت القناة من وراء الروبورتاج توجيه رسالة سياسية «من تحتها»، كما يقولون. ويرد الدغوغي: ربما، لأن العلاقة بين الحيوان والسياسة علاقة وطيدة، لكنها مبنية على الاحترام المتبادل. فجميع الذين أرادوا انتقاد السلطة وظفوا الحيوانات عوض البشر، لأن البشر غير مأمون العواقب، وقد كتب ابن المقفع «كليلة ودمنة» على لسان الحيوان، وكتب جورج أورويل «مزرعة الحيوانات» لينتقد النظام الشمولي في الاتحاد السوفياتي، وكتب التركي عزيز نيسين «آه منا نحن معشر الحمير»، بينما كتب توفيق الحكيم «حمار الحكيم». لكن الحمار وحده يحظى بحصة الأسد في التوظيف السياسي، بينما لا يظهر للأسد وجود في السياسة رغم أنه ملك الغابة، وقبل أشهر دخل نائب برلماني راكبا حمارا إلى مقر البرلمان احتجاجا على الزيادة في أسعار المحروقات من طرف الحكومة، لكن في تركيا، وقد حصل هذا قبل عدة أشهر من زيادة حكومة بنكيران في أسعار المحروقات في المغرب، ولم نر حمارا يدخل البرلمان احتجاجا حتى رأيناه ضائعا في التلفزيون. ولكن أحمد شوقي هو أول من قسم الناس في المجتمع إلى حمير وثعالب، فقد قرأنا في النصوص ونحن صغار مسرحيته القصيرة «الحيوانات المرضى بالطاعون»، وعرفنا أن الحيوانات عقدت جلسة لمحاكمة المسؤول عن نقل الوباء، فوجه الثعلب الماكر التهمة إلى الحمار المسكين، وكانت تهمة الحمار أنه أكل من عشب ذابل وجده في طريقه عندما جاع، رغم أن الحيوانات الأخرى تأكل لحوم بعضها، وقال: قد كنت يوما جائعا والظهر يوشك أن يلوحا فوجدت قرب الدير عشبا ذابلا في بعض ساحته طريحا فانتفض الثعلب وأصدر الحكم الجائر بسبب غياب العدالة: هذا الذي جلب الوباء بأكله مال الصوامع واستحل دماءنا فخذوه، اذبحوه واجعلوا من دمه لله قربانا يكون شفاؤنا. لكن الحيوانات ليست دائما رموزا سياسية، بل رموزا للخير والنماء، ففي بداية الثمانينيات وأنا يافع رأيت أحد الفائزين الأميين في الانتخابات الجماعية يصعد المنصة احتفالا بفوزه ويقول أمام تصفيق الجميع: «الحمد لله أن المغرب كله بقر».