كما سبقت الإشارة في مقالتنا السابقة فقد تعهدنا للقراء الكرام بنشر ردنا على الأستاذ احمد المقري الذي حاول أن يقدم مجموعة من الانتقادات لمقالتنا المعنونة ب " محاولة لاستنطاق العقل الحساني: من خلال قراءة في بعض الأمثال الشعبية الحسا نية" والمنشورة في جريدة الاتحاد الاشتراكي في شكل سلسلة منذ سنة 2001.حاولنا في ردنا انذاك أن نكون منطقيين وموضوعيين قدر الإمكان في مقارعة الحجة بالحجة فإليكم السادة القراء الكرام وجهة نظرنا في النقط التي كانت مجال الاختلاف أو الخلاف بيني وبين الدكتور احمد المقري في الموضوع: جاءت المقالة التي نشرها الأستاذ الدكتور احمد المقري-أستاذ اللسانيات بجامعة ابن زهر باكادير-في جريدة التي الاتحاد الاشتراكي عدد 7071 بتاريخ 19 دجنبر 2002 تحت عنوان "الوضعية اللسانية في المغرب ومكانة الحسا نية فيها" كرد وفي نفس الوقت كنقد إن لم نقل نقضا لما كتبه صاحب هذه السطور عن الحسا نية في مقالة مطولة بعنوان :"محاولة لاستنطاق العقل الحساني من خلال قراءة في بعض الأمثال الشعبية الحسا نية" والتي نشرت موزعة في حلقات في جريدة الاتحاد الاشتراكي سنة 2001 وكانت الأجزاء التي اطلع عليها الأستاذ هي الجزء الأول المعنون ب"بعض خصائص ومميزات اللهجة الحسا نية"(جريدة الاتحاد الاشتراكي عدد 6604 بتاريخ 9 شتنبر 2001) ثم الجزء الثاني والمعنون ب" المدلول السياسي في المثل الشعبي الحساني"(جريدة الاتحاد الاشتراكي عدد 6605 بتاريخ 10 شتنبر 2001). ومن خلال قراءته لهاتين المقالتين تطرق أستاذ اللسانيات وصاحب أطروحة « Aspects morphologiques et lexicaux du Hassanya » بمعنى " مظاهر التشكل ومعاجم الحسا نية" أقول تطرق الى القول أن ما جاء في المقالتين يعتريه الكثير من الخطأ والنقصان كنفيه عما قلناه بصدد اللغة العربية الفصحى معتبرا إياها لا تسمى لغة الضاد بدعوى أن هذا الحرف-كما يقول الأستاذ المقري-يوجد في جميع اللغات السامية كالفرنسية والانجليزية والعبرية والامازيغية.هذا بالإضافة الى قوله بان توفر الحسا نية على نسبة 50% من مفردات اللغة العربية الفصحى يعد ضربا من ضروب الخيال بدليل –كما يرى الأستاذ-أن هذا المعطى لا يمكن إثباته من طرف علم اللغة خصوصا وانه- كما يدعي-قد اشتغل على أكثر من 1300 مدخل معجمي في الحسا نية دون التمكن من الوصول الى النتيجة المذكورة. في محاولة منا للرد على هذه الأمور وغيرها مما جاء في مقالة الأستاذ احمد المقري نسجل ما يلي: -1 القول بان اللغة العربية لا تسمى بلغة الضاد مثلما جاء في تحليل الأستاذ كقوله:" انفراد اللغة العربية الفصحى بالضاد دون غيرها من اللغات الأخرى غير صحيح فالضاد موجودة في اغلب اللغات السامية كالعبرية والبربرية (.....) كما نجده في بعض الاستعمالات في الفرنسية في كلمة "DANS " و"dos " وكذلك الانجليزية كما هو الحال في كلمة "to day ".لاشك أن أي دارس لعلم اللغة عندما يسمع مثل هذا الكلام ويقرا هذا النوع من التحليل (....)يصاب بنوع من الدهشة والاستغراب,فرغم أن كاتب هذه السطور ليس متخصصا في علم اللسانيات حتى يحيل الأستاذ المقري على مراجع في هذا المجال إلا أن ما اطلعنا عليه من كتابات في علم اللغة يجعلنا نتقاسم معها تسمية اللغة العربية الفصحى "بلغة الضاد"ودليلنا في ذلك يرجع بالأساس الى كونها (أي اللغة العربية الفصحى) اللغة الوحيدة التي تتوفر على حرف الضاد كلغة مكتوبة ومنطوقة (أي مقروءة ) في آن واحد بينما اللغات الأخرى لا وجود لحرف الضاد فيها إلا كلغات منطوقة فقط بينما كلغات مكتوبة لا وجود لحرف الضاد فيها حيث يتحول حرف الضاد فيها كتابة الى حرف "D " "دي" ففي الكلمة الفرنسية « DANS » مثلا التي أوردها الأستاذ في رده عندما يتم نطقها يسمع حرف الضاد ولكن عند كتابتها يختفي ليصبح حرف « D » "دي" وليس حرف "ضي" ناهيك عن كون هذا الحرف أي "دي" « D » هو الحرف الوحيد الذي يختزل حرفي الدال والضاد نطقا وحرف الدال كتابة في اللغة العربية. وهذا يفعنا الى القول أن الأستاذ المقري لم يستحضر أثناء تحليله التمييز الذي وضعه عالم اللغة "فرديناند دي سوسير" بين اللغة والكلام أو ما يسميه نعوم شومسكي بالتمييز بين "الكفاءة اللغوية " و"الممارسة الغوية".فاللغة هي مجموع القواعد التي ينبغي على متكلمين تلك اللغة أن يلتزموا بها إذا أرادوا الاتصال فيما بينهم أما الكلام فهو الاستخدام اليومي لذلك النظام من قبل الأفراد المتكلمين". 2- القول بان توفر الحسا نية على ما يقرب من 50% من مفردات اللغة العربية الفصحى أو أكثر لا يمكن إثباته من طرف علم اللغة يعد أمرا مردود عليه,فنحن لا ننكر تأثر باقي اللهجات الأخرى بالعربية الفصحى ولكن تأثير هذه الأخيرة على الحسا نية يبقى من نوع خاص ولعل استخدام تقنية تحليل المضمون مثلا كتقنية من بين التقنيات المستعملة في تحليل الخطاب في العلوم الاجتماعية لإحصاء عدد الكلمات المستعملة في الخطاب الحساني وذات الأصل العربي الفصيح قد يساعد أستاذ اللسانيات السيد احمد المقري في التأكد من أن الحسا نية تتوفر حقا على أكثر من 50% من مفردات اللغة العربية الفصحى.وما تبقى هو من إنتاج العقل الحساني الى جانب طريقة النطق ومخارج الحروف مما يجعل المتكلم باللهجة الحسا نية عندما يخاطب شخصا آخر غير حساني قد لا يفهمه فيما يقول ولكن عندما يقوم بعملية تفكيكية لخطابه سيجد أن جل مصطلحا ته هي من أصل عربي فصيح,فمثلا عندما نقول بالحسانية "فلان مرك" فكلمة "مرك" أصلها في العربية الفصحى "مرق" ونفس الشيء لي فعل "قال" ففي الحسا نية يصبح "كال" ونفس الشيء عندما نقول" فلان مكيم عند فلان".فكلمة "مكيم" بالحسانية أصلها في العربية الفصحى "مقيم" من فعل أقام يقيم مقاما أو إقامة. ومن جهة أخرى فاستغراب الأستاذ المقري من هذا الكلام بحجة عدم ارتكازه على علم الإحصائيات المعجمية يبن أن الأستاذ بقي سجين المقاربة اللغوية الصرفة دون أن يعلم بان المقاربة التي عالجنا بها موضوعنا هي مقاربة علم السياسة وعلم لاجتماع السياسي والتي بإمكانها أن تؤكد تلك النتيجة علميا كما اشرنا إذا ما استعملنا تقنية تحليل مضمون الخطاب أو تقنية الاستجواب والاستمارة. 3- تصنيف الأستاذ اللغات واللهجات الى نوعين,نوع متحضر ونوع آخر بدوي متخلف,لم يسبق لنا قط أن صادفنا مثل هذا التقسيم أو التصنيف اللغوي في كتب اللسانيات ولا عند المهتمين بعلم اللغة .ومن ثم لست ادري ما هو السند العلمي الذي يبني عليه الأستاذ هذا التصنيف.فالملاحظ من دراسة الأستاذ أن تصنيفه قائم على اعتبارات مكانية بمعنى أن اللهجة المتحضرة في نظره هي تلك المنتشرة في المدن والحواضر أما اللهجة البدوية المتخلفة فهي المنتشرة في الأرياف والصحاري.وبناء على هذا التحليل لا اعتقد أن هناك فرق بين كلمة ينطقها أهل البادية وأخرى ينطقها أهل المدينة.قد يحصل الاختلاف بين الأمرين في مدى حفظ أهل البدو على لغتهم خالصة من الشوائب بينما قد تتأثر لغة أهل الحواضر بما يلحق أهلها من تغيرات الشيء الذي قد يجعل من اللغة أو اللهجة التي تنتشر في البادية تبقى محافظة على أصالتها بينما تصاب اللهجة واللغة المنتشرة في المدينة بالركاكة لاستقبالها العديد من المفاهيم والمصطلحات الوافدة عليها والغريبة عنها. ولكن هذا ليس بمؤشر على القيام بتصنيف اللغات واللهجات الى لغات ولهجات متحضرة وأخرى بدوية فكلاهما يؤدي دور التواصل.وفي هذا السياق ذكر الأستاذ بان اللهجة الحسا نية كانت" لهجة لمجموعة من الرحل على هامش الحضارة ولم تعد لهجة متحضرة إلا بعد عودة الأقاليم الصحراوية الى حظيرة الوطن", وهذا التحليل يدل على وجود نوع من الكراهية والعنصرية للحسا نية وأهلها.وهنا نذكر الأستاذ بان الحسا نية تعتبر –كما أكدنا على ذالك في مقالتنا السابقة-اللهجة الوحيدة التي التي تنفتح على غيرها من اللغات واللهجات الأخرى مما يجعلها لهجة متحضرة في طبيعتها وتبقى هي اللهجة الوحيدة التي بإمكانها أن ترث اللغة العربية الفصحى إذا كتب لها ذلك. أما عن الأزمة التي باتت تعرفها الحسا نية فهي مرتبطة في الأصل بالغزو الثقافي الذي تعرضت له من قبل باقي اللهجات الأخرى والدليل على ذلك الاختلال الذي باتت تتعرض له السنة العديد من الصحراويين جراء الاختلاط بين الدارجة والامازيغية ثم الفرنسية والاسبانية, وهذه كلها أمور أصبحت تساهم في إضعاف أصالة اللهجة الحسا نية. 4-فيما يخص قول الأستاذ المقري بان كلمة "أركاج" هي كلمة من أصل كلمة "اركاز" الأمازيغية فهذا نعتبره غير صحيح لأنه رغم تشابه وتقارب النطق في الكلمتين إلا أن تغير الفونيم "اج" في كلمة "اركاج" و"از" في كلمة "اركاز" جعل المعنى يتغير بحيث أن كلمة "اركاز" الامازيغية تحيل الى اسم الرجل الذكر ومقابله المرأة "تامغارت" أما كلمة "اركاج" في الحسا نية فلا تحيل الى شخص محدد بعينه ذكرا كان أو أنثى وإنما توحي الى شخص ما قادم من بعيد ولم تتحدد أو تتوضح معالمه بعد بالنسبة للشخص الذي يراه فيقال مثلا " اركاج ابان متخطي" او " اركاج ابان جاي من شرك ولا من ساحل ". الى جانب هذه النقط التي سجلناها في مقالة الأستاذ نجده كذلك قد تطرق الى كيفية تأثير وتأثر الامازيغية بالحسانية مع العلم أن الأستاذ لم يميز بين ما تعنيه كلمة امازيغ وكلمة بربر.وفي هذا الصدد نذكر الأستاذ أن كلمة بربر وصف بها الرومان سكان المغرب الأقدمون ولما توطدت سلطات الاستعمار في دول المغرب العربي خلال المرحلة الاستعمارية أطلق الفرنسيون هذا الاسم على المغاربة كسكان أصليون ونعت العرب بالدخلاء الغزاة.لذلك كان ينعت سكان المغرب العربي بالبربرBerbères أو دول البرابرة Etats des berbèresأما الامازيغية فهي تقال للهجة التي يتكلم بها سكان الأطلس المتوسط الى جانب الريفية التي يتكلم بها سكان منطقة الريف وتشلحيت التي يتكلم بها سكان منطقة سوس في الجنوب. اذا خلاصة القول أن الأستاذ احمد المقري حاول أن ينتقد ما قلناه وما كتبناه عن الحسا نية بغية ملء الفراغ لكنه سقط في مغالطات لا تنتسب الى الحسا نية ولا الى أهلها لا من قريب ولا من بعيد.بحيث أن اللغة التي فسر بها الأستاذ خطابنا لتصحيح ما قال عنه أخطاء في مقالتنا يعبر عن أزمة لغة شرحه وتفسيره وهو ما يطلق عليه في علم اللغة "بأزمة اللغة الشارحة" .فاللغة الشارحة التي استعملها استاذنا لم تتمكن من استيعاب المقصود من الدراسة ولا حتى الكيفية والطريقة التي تمت بها دراسة الموضوع.فما قاله الأستاذ في واد وما حاولنا تفسيره في واد آخر,خصوصا وان محاولتنا لم تتناول بالدراسة اللهجة الحسا نية من زاوية علم اللغة أو الجانب لساني ولمن ماردنا تأديته هو إبداء وجهة نظرنا حول دور الأمثال واستنطاقها للوصول ما أمكن الى الهدف والغاية التي تحددها بوصفها حكم من إنتاج العقل الحساني وبالتالي فالمقاربة التي عالجنا بها موضوع الدراسة كانت مقاربة علم السياسة وعلم الاجتماع السياسي وليست مقاربة علم اللغة. (مقالة منشورة في جريدة دفاتر سياسية عدد 53و54و55 صيف سنة 2003)