صحيفة إيطالية: المغرب فرض نفسه كفاعل رئيسي في إفريقيا بفضل "موثوقيته" و"تأثيره"    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    بوريطة: المغرب شريك استراتيجي لأوروبا .. والموقف ثابت من قضية فلسطين    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    الحسيمة : ملتقي المقاولة يناقش الانتقال الرقمي والسياحة المستدامة (الفيديو)    تعيين مدير جديد للمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بتطوان    المنتخب المغربي يفوز على نظيره المصري في التصفيات المؤهلة لكأس أمام أفريقيا للشباب    إقصائيات كأس أمم إفريقيا 2025 (الجولة 5).. الغابون تحسم التأهل قبل مواجهة المغرب    اشتباكات بين الجمهور الفرنسي والاسرائيلي في مدرجات ملعب فرنسا الدولي أثناء مباراة المنتخبين    السفيرة بنيعيش: المغرب عبأ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني على خلفية الفيضانات    مقاييس التساقطات المطرية خلال 24 ساعة.. وتوقع هبات رياح قوية مع تطاير للغبار    بحضور التازي وشلبي ومورو.. إطلاق مشاريع تنموية واعدة بإقليم وزان    عنصر غذائي هام لتحسين مقاومة الأنسولين .. تعرف عليه!    وزيرة الاقتصاد والمالية تقول إن الحكومة واجهت عدة أزمات بعمل استباقي خفف من وطأة غلاء الأسعار    لمدة 10 سنوات... المغرب يسعى لتوريد 7.5 ملايين طن من الكبريت من قطر    الأرصاد الجوية تحذر من هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    الدرك الملكي بتارجيست يضبط سيارة محملة ب130 كيلوغرامًا من مخدر الشيرا    المنتخب المغربي الأولمبي يواجه كوت ديفوار وديا في أبيدجان استعدادا للاستحقاقات المقبلة    أزمة انقطاع الأدوية تثير تساؤلات حول السياسات الصحية بالمغرب    هل يستغني "الفيفا" عن تقنية "الفار" قريباً؟    مصرع شخص وإصابة اثنين في حادث انقلاب سيارة بأزيلال    بتهمة اختلاس أموال البرلمان الأوروبي.. مارين لوبان تواجه عقوبة السجن في فرنسا    بعد ورود اسمه ضمن لائحة المتغيبين عن جلسة للبرلمان .. مضيان يوضح    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين تسلم "بطاقة الملاعب" للصحافيين المهنيين    ألغاز وظواهر في معرض هاروان ريد ببروكسيل    الحكومة تعلن استيراد 20 ألف طن من اللحوم الحمراء المجمدة    صيدليات المغرب تكشف عن السكري    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    خلال 24 ساعة .. هذه كمية التساقطات المسجلة بجهة طنجة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    نشرة إنذارية.. هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم الخميس وغدا الجمعة بعدد من أقاليم المملكة        معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    مركز إفريقي يوصي باعتماد "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    الاحتيال وسوء استخدام السلطة يقودان رئيس اتحاد الكرة في جنوب إفريقا للاعتقال    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    الدولة الفلسطينية وشلَل المنظومة الدولية    أسعار النفط تنخفض بضغط من توقعات ارتفاع الإنتاج وضعف الطلب    عواصف جديدة في إسبانيا تتسبب في إغلاق المدارس وتعليق رحلات القطارات بعد فيضانات مدمرة    "هيومن رايتس ووتش": التهجير القسري الممنهج بغزة يرقي لتطهير عرقي    إسرائيل تقصف مناطق يسيطر عليها حزب الله في بيروت وجنوب لبنان لليوم الثالث    الجيش الملكي يمدد عقد اللاعب أمين زحزوح    هذه أسعار أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    ترامب يعين ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية الأمريكي    غينيا الاستوائية والكوت ديفوار يتأهلان إلى نهائيات "كان المغرب 2025"    غارة جديدة تطال الضاحية الجنوبية لبيروت    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاولة لاستنطاق العقل الحساني :من خلال قراءة في بعض الامثال الشعبية الحسا نية
نشر في صحراء بريس يوم 06 - 03 - 2013

محاولة لاستنطاق العقل الحساني:من خلال قراءة في بعض الأمثال الشعبية الحسا نية*
بقلم :سالم الساهل باحث في علم السياسة
يقول المفكر الكبير الدكتور الراحل محمد عابد الجابري:"اللفظ كظاهر يثوى وراءه باطن وكتنزيل يحتاج الى تأويل وكإشارة تختفي وراءها حقيقة وكعبارة وهمية تقوم وراءها حقيقة إلهية....." بنية العقل العربي ص 560 .
1- . بعض خصائص ومميزات اللهجة الحسا نية.
تعتبر اللهجة الحسا نية مكون من مكونات العقل والتراث المغربين إن لم نقل أنها مكون من مكونات العقل العربي.بحيث تحتوي على أكثر من 50% من مفردات اللغة العربية الفصحى (1).وما تبقى من المفردات هو من اختراع العقل الحساني الذي يبقى متميزا عن العقل العربي من حيث التركيبة اللغوية.وهذا يضفي على الحسا نية طابعا مميزا وميزة خاصة.فهذا التقارب بين اللغة العربية الفصحى واللهجة الحسا نية يعتبر دليلا على كون اللهجة المذكورة (أي الحسا نية) هي الابن الشرعي للعقل العربي وتزكية في الوقت نفسه لعروبة القبائل الصحراوية الحسا نية التي تنتسب الى قبائل بني حسان القادمة من شبه الجزيرة العربية والتي استقر الجزء الأكبر منها في بلاد شنقيط في موريتانيا حاليا.
وتمتاز اللهجة الحسا نية بالمرونة في علاقتها باللغات واللهجات الأخرى, وهذه المرونة منبعها بالأساس تسامح اللهجة الحسا نية إن جاز القول.ودليلنا في ذلك هو إمكانية استعمال وإدراج اللغات الأجنبية كالفرنسية مثلا او الاسبانية او حتى الامازيغية في الوزن والنظم الشعري الحساني دون أن يخل ذلك بالمعنى المقصود ويؤثر على طبيعة اللهجة.بل يعطي نكهة خاصة في الأداء دون المساس أو التأثير على سيمفونيات اللهجة وكلماتها.أي التركيبة اللغوية للجمل والحروف.وفي هذا الجانب يقول شاعر صحراوي:
كايلك كاشح عن راسي بلطمع زاد الخوف
عنك فلهول اختصاصي وتمثل فزوان بروف
فكلمة "بروف" مثلاكما وردت في "كاف" الشاعر هي كلمة أجنبية من أصل كلمة professeur الفرنسية ومعناها الأستاذ أو المعلم الذي يتقن تدريس وتلقين مهنة معينة.واستعمالها في هذا النظم الشعري جعلها تؤدي نفس المعنى المقصود بها دون أن تخل بالمعنى المقصود من البيت الشعري أو ما يعرف في اللهجة الحسا نية "بالكاف"بل أضفت على هذا الكاف نكهة خاصا وزادته جمالا بيانيا.
وهذا التسامح والانفتاح الذي تتميز به اللهجة الحسا نية إن دل على شيء إنما يدل على أنها قادرة على استيعاب جل أساليب التجديد والتكيف مع كل المتغيرات التي تطرأ على المحيط الخارجي دون أن ينتقص ذلك من أصالتها وقوتها على مسايرة حركية التاريخ والتطورات التي يعرفها المجتمع والمجال الصحراويين في شتى مجالات الحياة.
وإذا كانت اللهجة الحسا نية هي الابن الشرعي للعقل العربي كما أسلفنا فان لها مميزات خاصة بها تجعل منها لغة متميزة عن أصلها (أي اللغة العربية الفصحى),وعن باقي اللغات واللهجات الأخرى.فإذا كانت اللغة العربية الفصحى مثلا تسمى "بلغة الضاد" كما يسميها بذلك علماء اللغة والدارسين كدليل على تميزها عن باقي اللغات الأخرى,لكون حرف الضاد لا وجود له في لغة أخرى عدا اللغة العربية الفصحى,فانه يبدو لنا ومن خلال تتبعنا لجل المصطلحات والأسماء الحسا نية أن حرف الضاد شبه منعدم في اللهجة الحسا نية بالرغم من التقارب شبه التام والكامل بين الحسا نية واللغة العربية الفصحى.فجل الأسماء والأفعال إن لم نقل جميعها والتي تحوي حرف "الضاد" في اللغة العربية الفصحى ينقلب ويتحول الى حرف "الظاء" في اللهجة الحسا نية. وهذه تعتبر أهم خاصية أو ميزة تتميز بها الحسا نية عن أصلها.فعلى سبيل المثال كلمة "ضوء" لا يتم نطقها في الحسا نية كما هي في أصلها العربي الفصيح,بل تتحول عند النطق بها في اللهجة الحسا نية الى "الظو" ونفس الشيء ينطبق على الكلمات المشابهة لها كما يبسن الجدول على سبيل المثال لا الحصر:
أصل الكلمة في العربية الفصحى
ما يجب أن تكون عليه في الحسا نية
الضيف
ضاية من الماء
لون اخضر
ضبع
الخ.................
ظيف
ظايا من لما
لون اخظر
ظبع
ويعتبر حرف" الظاء" الى جانب حروف أخرى" كالثاء "و"الغين" وغيرها بالإضافة الى طريقة النطق la prononciation أهم العلامات الدالة على التفرقة والتمييز (نقصد التمييز الايجابي وليس التمييز السلبي) بين الإنسان الصحراوي الحساني الأصلي المتمسك بأصالته وتراثه وبين الآخر, سواء كان هذا الآخر غير صحراوي حساني بصفة قطعية أو كان كذلك لكنه تعرض لغزو ثقافي مما أدى الى حدوث لا توازن في نطقه للهجة الحسا نية.
ويحتل المثل الشعبي الحساني مكانة خاصة في صنع الذاكرة الشعبية والمخيال الجماعي للمجتمع الصحراوي الحساني.ويحمل في طياته عدة مدلولات منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي ومنها ما هو سوسيو-ثقافي .وهذه الدلالة للمثل الشعبي الحساني هي التي سنحاول من خلالها أن نقوم بمحاولة أولية لا نقول لدراسة العقل الحساني إن جاز القول ,لان ذلك يتطلب الإحاطة الكاملة بمكونات العقل الحساني ( من أمثال –وتقاليد – وعادات-والبنى السوسيو-ثقافية التي تتشكل منها الذاكرة والمخيال الحساني......الخ).وهذا يستعصى علينا تغطيته في مقال من هذا الحجم,لكن ما سنحاول القيام به في هذه المحاولة المتواضعة هو استنطاق العقل الحساني من خلال دلالة المثل الشعبي الحساني الذي أنتجه هذا العقل والتفكير الحساني من وجهة نظرنا الخاصة تعبر عما يفهمه صاحب المقال من خلال قراءته للمثل الشعبي الحساني.ربما قد تكون ناقصة وربما قد تكون خاطئة في نظر البعض,لكن يبقى للمجتهد المصيب أجران وللمجتهد المخطئ اجر واحد. وما نصبو إليه ليس هو قياس درجة مدى صحتها وخطئها بقدر ما نصبو الى تشجيع قيام دراسات وأبحاث للتراث الحساني وللذاكرة الشعبية الحسانية.والتي تعتبر غنية بحق كل الغنى بمقوماتها وأصالتها وتاريخها إلا أنها لازالت مجهولة عند الكثيرين حتى من أبنائها, نظرا لغياب دراسات أكاديمية وامبريقية –ميدانية متخصصة للمجتمع الصحراوي الحساني, اللهم إلا إذا استثنينا بعض البحوث الغربية الناذرة وبعض البحوث الجامعية المحتشمة والشكلية والتي تبقى قاصرة لحد الآن ولم تف بالغرض المقصود نظرا لعدم تشجيع نشرها للاطلاع عليها من طرف الآخر بقد رما بقيت قي أدراج رفوف الخزانات أو في أحضان أصحابها.لذا سنقتصر في هذه العجالة بتسليط الضوء على المدلول السياسي للمثل الشعبي الحساني والمدلول الاقتصادي ثم المدلول السوسيو- ثقافي من خلال قراءة في بعض الأمثال التي اخترناها على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر كما لم نقم بعملية جرد لكل الأمثلة التي تندرج أو تغطي كل مستوى من مستويات موضوع الدراسة.بل اعتمدنا على بعض الأمثلة التي رأينا أنها تعبر عن الدلالة السياسية أو الاقتصادية أو السوسيو-ثقافية.
2- المدلول السياسي في المثل الشعبي الحساني.
بداية يمكن القول أن المثل الشعبي الحساني سمة أساسية في الخطاب أو الكلام الحساني.إذ يلعب دورا أساسيا في تأكيد المعنى وإقناع المتلقي وفي نقس الوقت يعد اختصارا لمجموع الكلام الذي لا يمكن للمرء أن يتطرق له مع محاوره في فترة الجدال أو في فترة تجاذب أطراف الحديث في قضية معينة.ومن تم يظل حضور المثل الحساني في جميع أو جل مراحل الخطاب أمرا ضروريا,بل قد يمكن القول انه قد لا يخلو أي خطاب حساني من إدراج ولو –على الأقل- مثل واحد في مراحله .وقد ينظر الى هذا المثل على انه حجة أو دليل على قوة الإقناع وبرهان يعزز به احد المتحاورين وجهة نظره في الموضوع محل النقاش.غير انه قد يفقد قيمته أو قد لا يؤدي الدور المنوط او المقصود به إذا لم يستعمل في محله أو في السياق والظرفية المناسبة.
وإذا حاولنا استنطاق" العقل الحساني" في جوانب معينة نجده يضم معاني ودلالات تعبر عن تصور وكيفية معالجة الإنسان الصحراوي لمختلف مجالات الحياة سياسية كانت أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية أو دينية أو أخلاقية.....الخ.هذا التصور أو الصورة قد يبدو أحيانا ظاهرا ومكشوفا من خلال المعنى الظاهر للمثل وقد يبدو أحيانا أخرى غير كذلك بل يكتشف من خلال المعنى المراد للمثل.فإذا أخذنا على سبيل المثال المثل الحساني المشهور والقائل "الله اهدن لوطان وينصر السلطان".فمن خلال قراءتنا الأولية للمثل وفي حدود معناه الظاهر نستشف أن هناك دعاء لنشر السلام والأمن وهو ما يفهم من عبارة "الله اهدن لوطان" ودعاء أيضا لنصرة السلطان أو الحاكم كما تدل على ذلك عبارة " ينصر السلطان" فهذا ما نفهمه من خلال المعنى الظاهر أو من خلال القراءة الشكلية للمثل.أما إذا حاولنا أن نستنطق هذا المثل ونقرا ونتمعن فيما وراء الكلمات والمعاني المكونة للمثل ووضعه في إطار ظروف تاريخية معينة, نجد أن المثل يدل دلالة واضحة على وجود رابطة ولاء أو ما يسمى في الشرع "بالبيعة" تربط الإنسان الصحراوي بسلطانه أو ملكه منذ زمن طويل.بحيث أن المجتمع الصحراوي عانى من أبشع مظاهر الاستغلال والسطو الذي مورس عليه من طرف المستعمر والذي ساهم في انتشار ما يسمى "بظاهرة السيبة", التي عمت قي ظرفية تاريخية معينة أجزاء كبيرة من أجزاء المغرب مما أدى الى وجود ما كان يعرف ببلاد السبة التي انعدمت فيها مقومات السلطة والقانون.الشيء الذي ساهم في انتشار النزاعات بين قبائل وأخرى كانت في عهد السيبة تعيش على حساب بعضها البعض.وهذه الظاهرة كانت تعرف آنذاك في أوساط المجتمع الصحراوي"بالغزي",والغزي معناه التناحر القبلي الذي كانت بموجبه تقوم قبيلة او عدة قبائل بالهجوم على قبيلة أو عدة قبائل أخرى وتستنزف وتغتنم كل ما عندها من أموال وكسب وغيره.وانتشار ظاهرة "الغزي" هذه والتي ترادف كلمة "الغزو" في اللغة العربية الفصحى مرده الى السيبة السياسية التي كان يعيشها المغرب في فترات من تاريخه السياسي نتيجة غياب الأمن وضعف السلطة التي كانت تفتقد الى تعميم سلطتها على كل التراب المغربي وبالتالي غياب قرار سياسي موحد لجميع القبائل.لكن مباشرة بعد حصول المغرب على استقلاله وطرد قوات الاستعمار تم تقديم عهد أو ميثاق الولاء و البيعة من طرف القبائل الصحراوية للسلطان كدليل على تسليم تسيير شؤون ومصالح المجتمع الصحراوي للسلطان والعيش نحت كنف سلطته وحكمه وكدليل أيضا على نهاية عهد السيبة ووضع حد لما كان يعرف بالغزي ودخول القبائل الصحراوية وتعايشها في سلم اجتماعي تحت سلطة واحدة وفي وطن واحد.ومن هنا جاء هذا المثل الشعبي الحساني"الله اهدن لوطان وينصر ألسلطان".
لان الهدنة والسلام والتعايش لا يتحقق إلا بوجود سلطة موحدة لمختلف الأطراف المتصارعة والمتقاتلة يسلم بها ويعترف بها الجميع.فالمجتمع الصحراوي قد عانى الأمرين في غياب هذه السلطة الموحدة وعانى من التشرذم في عهد السيبة " والغزي " مما أدى به في الأخير الى التوصل الى نتيجة مفادها انه لابد من وجود سلطة سياسية يلتف حولها الجميع وتحقق الوحدة بين القبائل التي ظلت متناحرة.وبالتالي تضمن السلام والاستمرارية للجميع.فكان من اللازم أن تتجسد هذه السلطة في شخص الملك كرمز لتحقيق الوحدة والسلم.وبالمناسبة نود أن نشير هنا الى نقطة مهمة تتجلى أساسا في تلاقي الفكر السياسي الحساني مع الفكر السياسي العربي بصفة عامة.لان هذا المثل لا يقل أهمية عما قاله وكتبه المفكرون والمثقفون والفقهاء ورجالات السياسة في شان السلطة السياسية.ففي اتجاه مواز نجد إن ابن تيمية لما سألوه عن الحكم والحاكم حتى وان كان مستبدا قال: انه يفضل وجود طاغية يحكمه لمدة ستون سنة على مرور ليلة واحدة يبيت فيها بدون سلطة حاكم.وهذا دليل على الاعتراف بأهمية الحكم والسلطة السياسية أو ما يعرف اليوم في أبجديات الفكر السياسي بالدولة كرمز للسيادة وتحقيق المصالح المشتركة وتفادي النزاعات بين الأفراد والجماعات . وفي نفس السياق نجد مقولة مأثورة لعثمان بن عفان احد الخلفاء الراشدين يقول فيها " إن الله يزغ بالسلطان ما لا يزغ بالقران" وهذا دليل آخر على أهمية ودور السلطة و السلطان في حياة المجتمع الإسلامي واستقراره.
3- المدلول الاقتصادي في المثل الشعبي الحساني.
ظل المجال الاقتصادي حاضرا بشكل أو بأخر في الأمثال الشعبية الحسا نية على اختلافها وتنوعها,وشغل حيزا كبيرا داخل العقل الحساني لما له من تأثير كبير في حياة الفرد والمجتمع الصحراويين.فإذا قمنا بقراءة للمثل الحساني القائل: " وين ماكثر جراد اموت".يتبن لنا البعد الاقتصادي في تفكير الإنسان الصحراوي بصفة خاصة والمجتمع الصحراوي بصفة عامة.ذالك انه من خلال الدلالة الظاهرية للمثل نجد إشارة واضحة لعنصر الجراد كحشرة دالة على قوة مدمرة للاقتصاد وخاصة المجال ألفلاحي والنباتي.مما يستدعي اتخاذ إجراءات واحتياطات أساسية لمحاربة وقتل هذه الحشرة الضارة لان تواجدها بكثرة في منطقة معينة يهدد استقرارها وتوازنها الاقتصادي والبيئي.بالإضافة الى أن هناك إشارة واضحة من خلال المثل على أن كثرة الجراد تؤدي حتما الى لفت الأنظار لمحاربته, وكأنما الجراد بفعل تكاثره في منطقة ما يؤدي الى قتل نفسه بنفسه لأنه لولا هذه الكثرة لما انصب الاهتمام الى قتله ومحاربته.غير انه إذا تجاوزنا المدلول الظاهري للمثل الى قراءة مابين السطور نجد أن المثل يدل على أن الكثرة المفرطة لشيء معين في مكان معين يؤدي الى الندرة وفي الأخير الى الدمار والفناء.فمثلا ارتفاع النمو الديموغرافي للسكان في بلد معين أو منطقة معينة يؤدي بالضرورة الى الندرة وقتل تلك المنطقة اقتصاديا سواء فيما يخص انتشار البطالة نتيجة قلة العمل بسبب ندرة الموارد وهو ما يؤدي في الأخير الى انتشار الفقر والحروب الأهلية وتفشي الجرائم والمجاعة وهذا كله يؤدي الى الفناء .وقد حاول بعض المفكرين تفسير مثل هذه الظاهرة بقوله:
" إن الضغوط السكانية لا تكشف نفسها إطلاقا بصورة صريحة فالناس الذين يعيشون في مناطق مزدحمة لن يتظاهروا في الشوارع ولن يهاجموا غيرهم لمحض أنهم يعرفون أنهم يعيشون في مناطق مزدحمة,غير انه الازدحام ذاته يخلق الندرة سواء في الطعام أو في الماء أو في الإسكان أو في العمل ومن هنا فالندرة تولد السخط وعدم الرضا مما يؤدي الى العنف"(2).وقد تؤدي الكثرة المشار إليها في المثل الشعبي الى تراجع أو نقصان المنفعة الحدية للشيءla réduction de l'utilité marginale إذا جاز لنا استخدام لغة الاقتصاديين.فمثلا انتشار شركات إنتاج لنفس المنتوج في منطقة معينة يؤدي الى اختلال التوازن الاقتصادي من خلال ما سيعرفه قانون العرض والطلب.الشيء الذي سينعكس على سعر المنتوج سلبا بالتراجع أو الانخفاض وهذا قد يؤدي الى إفلاس بعض هذه الشركات وخاصة الصغيرة منها وسيطرة بعضها على السوق المحلي.فيصبح آنذاك المثل المذكور سلفا كشاهد وتعبير عن الواقع القائم.
وإذا انتقنا الى دراسة مثل حساني آخر مفاده : " لخوت اخوت والمال عدو" يمكننا ملامسة حضور ما هو اقتصادي في هذا المثل أيضا,ولكن بصيغة مخالفة عما تمت الإشارة إليه في المثل السابق.فمن خلال هذا المثل نجد انه بالرغم من ميزة التضامن والتالف والتكافل التي تميز وتطبع علاقات أفراد المجتمع الصحراوي فان ثمة فصل قاطع بين المعاملات الأخلاقية والأخوية والمعاملات الاقتصادية الصرفة.أو بمعنى من المعاني العلاقة الأخوية يجب أن تبقى محصورة في الاحترام والتعاون دون أن تنقلب هذه العلاقة الى السطو على مال أو ممتلكات الغير وابتزازه حتى ولو كان هذا الغير بمنزلة الأخ الشقيق( الغير قد يكون ا خ أو صديق أصبح بمنزلة الأخ),لأنه بمجرد أن يكون هناك استغلال مفرط لمال الأخر تحت قناع الأخوة أو الصداقة تنقلب هذه العلاقة الى عداوة ولو بين الأخوة الأشقاء كما يؤكد المثل المذكور أعلاه.وسواء كانت هذه العداوة مبيتة مخفية آو ظاهرة فان مدلول المثل يبقى واضحا في الحفاظ على العلاقة بين أفراد الأسرة والمجتمع الواحد,باعتبار أن المال كعنصر ووسيط في المعاملات بين الأفراد أو الإخوة إذا لم يتم التعامل معه بحذر فانه قد ينسف العلاقة التي تربط الإخوة الأشقاء وبالأحرى الأصدقاء وغيرهم.
وإذا حاولنا دراسة هذا المثل دراسة مقارنة أمكننا القول انه يتضمن إشارات الى الفكر الليبرالي إن صح القول في الفكر الحساني.فإذا كانت الليبرالية تقوم في أساسها على الحرية الفردية والمنافسة وتشجيع الملكية الفردية,فإن هذا المثل لا يخلو من إشارات تؤكد على هذا الجانب مادام يشير الى أن المال (كل ما هو مادي أو عيني) يجب أن يكون عاملا محفزا على العمل من اجل الكسب بدل التواكل والعيش كعالة على حساب الأخر بدافع قرابة الأخوة أو الصحبة.لان الأخ قد لا يدوم كمورد مساعد وقار طوال الحياة مما يعني انه يجب على الفرد الاعتماد على قدراته الشخصية في كسب ماله وعيشه بدل الاعتماد على الآخرين أعطوه أو منعوه.
4- المدلول الثقافي والاجتماعي في المثل الحساني.
إذا تجاوزنا المدلول السياسي والاقتصادي الى استنطاق العقل الحساني من خلال الأمثال الشعبية الحسا نية نجده يحوي عدة مدلولات أخرى والمجال الثقافي والاجتماعي وجد هو الأخر مكانته في دائرة اهتمام العقل الحساني.فإذا تمعنا في المثل الحساني القائل " الى عاد لمتكلم فيسد اعود لمصنت عاقل" وفي رواية أخرى " الى عاد لمتكلم جاهل اعود لمصنت عاقل" نجد هناك إشارة واضحة الى الطريقة التي يجب أن تسود الحوار بين المتحاورين في كل المواضيع مراعاة لأخلاقيات وأدبيات الحوار والجدال.وذلك من اجل تجاوز المشاجرة والخصومة التي قد تقع بسبب تناقض الآراء وتكريس في الوقت ذاته لقيم التسامح وقبول رأي الأخر.وقد حاول المثل أن يجسد لنا ذلك من خلال رسم صورة بيانية لمتحاورين احدهما "فيسد" بمعنى غير ناضج فكريا أو غير عاقل في تصرفاته آو متعصب لأفكاره والأخر "عاقل" بلغ مرحلة النضج العقلي والفكري يعرف كيف يتعامل مع مخاطبه وبالتالي فما عليه إلا التعامل بطريقة ناضجة و معقلنة مع الأخر والذي قد يكون غير كذلك.وهذا بطبيعة الحال قد يساعد على تعميم الفائدة المتوخاة من الحوار بين المتحاورين عن طريق تجنب الاحتكاك والمشاجرة بين الأطراف المتحاورة.وفي نفس الوقت يكرس قيم التواضع وعدم التعالي في إبداء الرأي والتعصب له.لذا فهذا المثل يبقى عبرة لكل المتحاورين ويجب أن يكون حاضرا في ذاكرتهم أثناء الحوار لان التمييز يين ما يسمى ب "لفيسد" و "العاقل" لا يكون إلا من خلال حرص احد المتحاورين أو هما معا على تجاوز ما من شأنه أن يفسد ويعكر صفو جو الحوار القائم.
خلاصة لما تقدم يمكننا القول أن التراث الحساني يشكل أرضية خصبة للبحث والدراسة لكنه مازال يعاني من عدة عوائق تحول دون إنصافه ويأتي في مقدمة هذه العوائق التهميش الذي يعيشه سواء على المستوى المحلي ( من طرف أبنائه) أو على المستوى الوطني ( عدم قيام الدولة في شخص وزارة الثقافة بتشجيع بحوث ودراسات امبريقية على هذا التراث).
وفي محاولة منا لكسر التفاتة على هذا التراث الحي والغني والذي يشكل جزءا لا يتجزأ من الهوية المغربية حاولنا من خلال هذه المساهمة المتواضعة وبكل ما قد تحمله من نواقص أن نشارك ولو "باستفزاز" كل من هو غيور على هذا التراث وإعطائه ما يستحقه من العناية والاهتمام اللازمين حتى ولو كان من باب تصحيح ما يمكن أن يتضمنه هذا المقال من نقص أو تقصير وهو اضعف الإيمان ليكون للمجتهد أجران وللمجتهد المخطئ اجر واحد.
كما نود الإشارة في الختام الى أننا لم نقم بحصر جميع الأمثلة الحسا نية وتصنيفها حسب مدلولاتها بقدر ما قمنا باختيار هذه الأمثال بالصدفة فقد تكون هناك أمثلة أكثر قوة وتعبيرا من حيث الدلالة وقوة المعنى في المجالات المذكورة آنفا وقد تكون هناك مجالات لم نقم نحن بذكرها قد تطرقت لها الأمثلة الحسا نية لكن يبقى القول أن العقل الحساني ومن خلال الأمثلة الحسا نية استطاع أن يطرق أبواب الاقتصاد والسياسة والثقافة والاجتماع وغيرها من المجالات الاجتماعية الأخرى
الهوامش:
* في الأصل هذه المساهمة تم نشرها في جريدة الاتحاد الاشتراكي في أواخر سنة 2001 وقد تم الرد عليها من طرف الدكتور احمد المقري أستاذ مادة اللسانيات في كلية الآداب جامعة ابن زهر باكادير في نفس الجريدة تحت عنوان"الوضعية اللسانية في المغرب ومكانة الحسا نية فيها"جريدة عدد 7071 بتاريخ 19 دجنبر 2002 وقد تمكنا من الرد على ما جاء في ورقة الدكتور آنذاك في مقالة لنا تحت عنوان " اللهجة الحسا نية وأزمة اللغة الشارحة" قي جريدة دفاتر سياسية عدد 53-54-55 صيف سنة 2003 وقد حاولنا هنا اعادة نشرها من جديد لتعميم الاستفادة او فتح باب النقاش حول الحسا نية خاصة بعدما تمت دسترتها في الدستور الجديد. وسنحاول لاحقا نشر مقالتنا "الحسا نية وأزمة اللغة الشارحة"التي كانت بمثابة رد على ما جاء في ورقة الدكتور احمد المقري والدفاع عن الانتقادات التي وجهها لمقالتنا انذاك.
(1)- ليست هناك دراسة علمية مقارنة موثقة بين الحسا نية واللغة العربية الفصحى تثبت انه بالتقريب 50% من مفردات اللهجة الحسا نية عبارة عن مفردات عربية فصيحة بل هذا اجتهاد شخصي حيث من خلال تتبعنا لعملية النطق باللهجة الحسا نية تبن لنا أن اغلب العبارات والمفردات المستعملة في الحسا نية هي عبارات إما عربية فصيحة أو ذات أصل عربي فصيح وقع عليها فقط بعض التغيير بالحسا نية وما تبقى هو من اختراع العقل الحساني .وللوصول الى هذه النتيجة يمكن الاستعانة بتقنية تحليل المضمون للمقارنة بين عدد الكلمات المستعملة في الخطاب الحساني مثلا.
(2)-السيد يسين: " الفكر العربي والزمن أين نحن الآن من نهضة مطلع القرن ؟" مجلة عالم الفكر عدد مزدوج 3-4 1998 ص 411.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.