سوف أتحدث في هذه الخاطرة عن الواقع المعاش منذ 38 سنة، ربما هو عمر الدولة المغربية في مدينة الداخلة، وتتحدث الحكاية عن 7 شخصيات تعيش في مدينة الداخلة التي من بينها شخصي، سوف أنقل بصورة واقعية عبر ما أستطيع رغم أنني ضعيف لغوياً، وسوف أحاول أن أنقل ما استطيع. في سنة 1977 ولدتُ في مدينة الداخلة لعائلة صحراوية تعيش في هذه المدينة منذ قرون حسب ما لدي من معلومات، بدأتُ الدراسة في سنة 1984، ومن خلال الدراسة تعرفتُ على بعض الأشخاص من نفس عمري ومنهم من سوف يكون ضمن هذه الحكاية التي أحكيها للجميع ليعكس صورة غائبة عن مدينة منسية اسمها الداخلة. ياسين: شاب وصل مع عائلته إلى مدينة الداخلة قادمين من أغادير، لأن أبوه عسكري وقد وصلوا للعيش بالقرب من أباهم لأنه يعمل في الحدود، بدأ معي الدراسة وواصل دراسته، كنا نسكن في نفس الحي وندرس في نفس القسم، وكنت أذكى منه، وكان غالباً ما يُشارك داخل القسم، لكن كان ينقصه الذكاء والرغبة في التعلم، مع ذلك فهو اليوم موظف في إحدى المؤسسات التابعة للدولة ومتزوج ولديه ثلاث أطفال ولديه منزل وسيارة ويملك مكتبة، وذكر لي في لقاء معه أنه قام ببناء منزلين في أغادير ويفكر في التأسيس لمشروع عقاري. رشيد: شاب وصل مع عائلته إلى مدينة الداخلة من مراكش 1975، في ما سمي ب"المسيرة الخضراء"، وقد وصلوا العيون، بعدها انتقلوا للعيش في الداخلة لأن والده بحار ويرغب في مزاولة مهنته بحار في مدينة الداخلة، كان يعيش في منزل ضيق وصغير جداً، فهو مثل أبيه كانا يزاولان مهنة الصيد من أجل العيش وتوفير حاجاتهما اليومية، أما اليوم فرشيد يملك 8 فلايك (قوارب صيد تقليدية صغيرة) ولديه عمارتين، ويقتني آخر نوع من السيارات ومتزوج ولديه أربعة أطفال ويؤجر المنازل للسكان الأصليين. نادية: فتاة وصلت مع أمها في بداية الثمانينات، تزوجت أمها من شرطي وبعد سنوات انتقل ذلك الشرطي إلي مدينة أخرى وبقيت الأم وابنتها، أصبحت في بداية التسعينات الفتاة وأمها يُمارسان البغاء، واليوم يملكن منازل للإيجار في مدينة الداخلة وسيارة تاكسي ومنزل كبير من نوع فيلا في الجديدة. جزار: شابٌّ وصل مدينة الداخلة لا أستطيع تحديد التوقيت بالضبط عمل في المنازل ثم انتقل إلى أن أصبح جزاراً يبيع اللحم، ثم أصبح رئيس غرفة التجارة ورجل أعمال كبير في المدينة. مراد: شاب وصل مع عائلته نهاية التسعينات، والده شرطي، أكمل دراسته، موظف في التعليم ومتزوج ولديه مشروع تجاري، ومنزل في مدينة الداخلة ومنزل في الصويرة المغربية. سندس: شابة انتقلت للعيش مع عائلتها إلى مدينة الداخلة، والدها أستاذ في المدينة، أكملت دراستها وهي اليوم موظفة في الفلاحة، متزوجة من شاب آخر لديه مشروع في الصيد البحري بعد أن وصل منذ سنوات إلى المدينة، ويملكان عقاراً للإيجار ومشروعاً لتأجير السيارات. أنا (المُتكلم): حالي هي حال مئات بل الآلاف من أبناء جلدتي، بعد 38 سنة أتقاضى راتب "كارطية" (راتب شهري لا يتجاوز ال 150 دولار) لا أعمل وليس لدي منزل ولا أساوي شيئاً، كنتُ أدرس وكنت ذكياً جداً، ولدي رغبة في أن أصبح طبيباً كما هو حال خالي الذي توفي في حرب الصحراء بين الجبهة والمغرب، لأنني كنت أسمع عنه الكثير، ولكن حلمي لم يتحقق بل توقفتْ حياتي عن الإنتاج بعد رحلة قادتني إلى المغرب في نهاية الثمانينات فيما سُمي تلك الفترة ب"أشبال الحسن الثاني"، انطلقتُ من مدينتي تحت ضغط المُقاطعة التي سجلتني للذهاب في الرحلة المشئومة، ذهبتْ كل أخلاقي وعدتُ وكلي حقارة، مُدمن على الشراب والمُخدرات وممارسة الدعارة، توقفتُ عن الإنتاج بل وأصبحت مُستهلكاً لكل أنواع المخدرات. أبناء شعبي في المدينة تم تدميرهم فكرياً وأخلاقياً ومجتمعياً، أصبحتُ عالة على مجتمعنا وعلى عائلتنا، وبعد 38 سنة من ممارسة كل أنواع الفساد والضياع أريد أن أطرح التساؤلات التالية: لماذا قامت الدولة المغربية بتدميرنا؟ لماذا سهلت الفرص للمغاربة على حسابنا؟ لماذا جعلتنا مُستهليكن بدلاً من منتجين؟ لماذا نشرت فينا الفساد الأخلاقي من دعارة ومخدرات؟ لماذا كانت تحسب كل تنفس لكل منا وترهبنا يومياً؟ لماذا تدفع راتباً شهرياً لكل منا يتمثل في الكارطية؟ لماذا تختزلنا في هذه الكارطية وتمنعنا من العمل والإنتاج؟ لماذا تُساهم في تفقيرنا لكي لا نتزوج ونصبح أقلية في وطننا؟ لماذا تزرع الحقد بيننا؟ لماذا جعلتنا ضعفاء وجبناء وفرقتنا في كل التفاصيل؟ لماذا تُحاول منعنا من التعلم؟ لماذا تُعذبنا وتسجننا؟ لماذا تجلب كل يوم وشهر وسنة مستوطنين؟ لماذا تمنعنا من التكاثر؟ لماذا تتعامل معنا قبلياً وتصنع الحدود بيننا؟ لماذا تحولنا من شعب في وطنه إلى مشرد في وطنه؟ لماذا نُخبتنا التي تستخدمها الدولة جاهلة أو مُجهلة أو جبناء؟ لماذا لا نملك أي سلطة في وطننا؟ لماذا؟ ولماذا؟ ثم لماذا؟... كل ذلك له جوابٌ واحد، هو: لأننا عدو!!. على الجميع من "عمر العظمي" إلى "أحمدّو ولد أسويلم" إلى "خليهن ولد الرشيد" إلى "حمدي" إلى "كّجمولة منت أبي" إلى "الشيخ أعمر" إلى "أميد الجماني" إلى غيره من الأسماء المثيلة التي تُشبه إلى حد كبير منديل "الكلينيكس" التي تُساعد سائق السيارة على الرؤية أمامه، فهل يستحق شعبنا منكم تمروا فوق جماجم أبناء وبناء وأمهات شعبنا؟؟. هل يستحق شعبنا الذي يُوجد في لحمادة وما أدراك ما لحمادة أن يبقى هناك مع المُعاناة يقتاتُ على الفتات الذي يبيعه البعض قبل أن يصله، وثرواته تُقسم بين "سيمو" و"ياسين" و"مراد" و"ميلود" ووو إلخ. هل تستحق الصحراء والصحراويون كل هذا؟ بالطبع لا.. وألف لا... من شخص حقير عاش كل الفساد والحقارة والنذالة، أوجه كلمة لأبناء شعبي عليكم بما يلي: أولا: أطلبوا العلم، ثابروا، أزيحوا عنكم كل شيء يقف حجرة عثرة في طريقكم للعلم وللمعرفة، اصبروا وصابروا، اقرءوا كل شيء، وتوجهوا لكل التخصصات. ثانيا: التكاثر ثم التكاثر يا أبناء شعبي، على المُجتمع أن يتخلى عن المظاهر الخداعة، حان الوقت لينضج المُجتمع ويتوقف عن كل سبب يمنعه من التكاثر. ثالثا: الوحدة ثم الوحدة ثم الوحدة، لم يعد مقبولاً في أي وقت سواءٌ سابقاً أو لاحقاً، وخصوصاً الآن في أن نجد سبباً يُفرقنا؛ لا ثم ألف لا ولا، لا يُمكن أبداً أن نُقارن بين الوحدة والتفرقة أبداً؛ وشخصياً فإنني أدعو إلى كلمة سمعتها مرات ومرات من أشخاص في المدينة وهي القومية الصحراوية. رابعا: سر قوة الشعب الصحراوي في أخلاقه وحُسنها، يقول الشاعر: "إنما الأمم الأخلاق ما بقيتْ.. فإن هم ذهبتْ أخلاقهم ذهبوا". خامسا: أقسم بالله وبحق كتابه أن أغير من واقعي هذا، أن أخرج من هذا الدمار وأقف من جديد وأبذل كل ما في جهدي، ألاّ يسقط أي شاب من مُجتمعي في الفخ الذي سقطتُ أنا فيه مادُمْتُ حياً.