يقول السيد قطب : '' التاريخ ليس هو الحوادث و إنما تفسير لها '' هذا التاريخ ذاته الذي عرفه ابن خلدون بأنه خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم . إذا من هنا و من خلال هذين التعريفين يمكن القول بان الإنسان لا يستطيع فهم نفسه و حاضره و من يكون دون أن يفهم ماضيه الذي هو بمثابة كسب لتجارب و خبرة سنين طويلة . و عليه فان كل حديث عن التاريخ لا يمكن فصله عن فعل التذكر أو الذاكرة ،هذه الأخيرة التي تعد الركيزة الأساسية للعقل و تكون العمود الفقري لشخصية الإنسان ، ولها أي الذاكرة ثلاثة وظائف رئيسية : - استقبال المعلومات – حفظها – استرجاعها . كما لها ثلاثة أطوار : - التعلم – التخزين – الاستحضار و التعرف . و أخيرا لها ثلاثة أشكال : - الذاكرة العادة و تعني الميل إلى أداء عمل يتكرر – ذاكرة المعرفة و تخص القراءة و تخزين المعلومات المتعلقة بها . – الذاكرة الوهمية : و تخص الأطفال الصغار ، المختل عقليا ، النائم في حالة حلم أو هذيان .. خلاصة القول فان الذاكرة هي صيرورة تمكن من حفظ و استحضار حالات عاطفية ، وعي ، معلومات مكتسبة و انطباعات مسجلة و التي من شانها التأثير على السلوك . فذاكرة واد نون لا يمكن بأي حال من الأحوال عزلها عن هذه الصيرورة و عن ما سبق التقديم له ، و لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارها ذاكرة شخصية أو بعبارة أخرى سيرة ذاتية .. بل هي ذاكرة منفتحة على كل الشخصيات التي عاشت و ترعرعت و حلت و ارتحلت بمنطقة واد نون ، سواء تعلق الأمر بالشخصيات المرموقة ، المتوسطة و المهمشة دون تمييز و لا تحقير ، همنا أن ننقل الصورة الذاكرة كما هي في بساطتها و لا ندعي الطرح و التحليل الأكاديمي ، و لا ندعي أننا نقوم بإعادة كتابة تاريخ المنطقة ، كما أننا نعلم علم اليقين بان واد نون لا تقتصر على التواغيل و الملعب و القصبة وو.. بل هي ستشمل رقعة جغرافية أوسع بكثير من هذا الطرح ، لكن كما يقال:فالدائرة ترتكز على نقطة لكي تتسع و الخط بالمفهوم الرياضي يبدأ بنقطة ليصل إلى ما لا نهاية .. جميل إذا أن تكون شخصا متعدد المواهب غزير العطاء ، لك حضور قوي و دائم على خشبة مسرح هذا الكون و هذا العالم من اجل أداء دور قد يكون لك و قد يكون عليك ، حسب دورك الذي سيلازمك أينما وليت وجهك ، و لتسجل في رصيدك الذي كد ينفد و لا ينفد من خلال ما قدمت من عطاء قد يضمن لك لاحقا رصيدا دائما . و من بين هذه الشخصيات التي لها رصيد غني و عطاء غزير ، طبعا شانها شان الشخصيات التي سبق تناولها في ذاكرة واد نون . الأمر يتعلق بالسيد لحبيب ارويلي ، الإنسان المتعدد المواهب فهو المعلم المربي ، الفنان و المطرب و الملحن و كاتب الكلمات ، المسرحي المبدع ، المنشط الرائد ، الرياضي المتميز ، الجمعوي المجدد ، الحزبي و النقابي و الحقوقي .. هو إذا لحبيب ولد علي سعدي ولد لحبيب ولد عبد الله ولد بيروك ، والدته هي محجوبة منت أعزيزة منت الشليح ولد بيروك. كان تعليمه الأولي بالكتاب و بالضبط بالجامع الكبير المتواجد قرب حي الملعب و الذي كان يشرف عليه آنذاك الفقيه السيد حماد رحمه الله . سنة 1961 التحق بقسم ملحق لمدرسة عبد الله بن ياسين الذي كان يتواجد بالقرب من المستشفى القديم ، لينتقل بعدها إلى مدينة مكناس ليكمل دراسته الابتدائية بها إلى حدود سنة 1968 حيث عاد مجددا إلى مدينة كليميم ليسجل حضوره كتلميذ بالتعليم الإعدادي بمؤسسة محمد بن الحسن الحضرمي ، هذه المؤسسة التي يذكر عنها السيد لحبيب ارويلي بأنها كانت عبارة عن بضعة أقسام محسوبة على رؤوس الأصابع تتواجد بأرض خلاء وبدون أسوار و كان يشرف على إدارتها آنذاك السيد الحسين اكمي . خلال فترة تعليمه بالمرحلة الإعدادية كان إلى جانب رفيق دربه السيد الحسين فيرس و كذا المكي ، هذا الثلاثي هو الذي اثبت قواعد المسرح و الفكاهة و التنشيط بالمؤسسة التعليمية ، بحيث كان هذا الثلاثي يشارك في كل المناسبات الوطنية و المناسبات الدينية و الأنشطة التي تنظمها نيابة التعليم و الإعدادية على حد سوى ، هذا كان بمثابة الانطلاقة الحقيقية نحو ولوج عالم الفن بما فيه من تنوع ، مسرح ، موسيقى ، تنشيط ، رسم.. سنة 1974 التحق بالتعليم الثانوي بمدينة تزنيت ( ثانوية مولاي رشيد ) و بعد سنتين من التحصيل العلمي الثانوي انخرط بسلك التعليم كإطار تربوي مؤقت بالمدرسة التي انطلق منها أي مدرسة عبد الله بن ياسين ، و بعد حصوله على شهادة الكفاءة التربوية تم ترسيمه بسلك التعليم و كان ذلك سنة 1980 . و لم تقف مواهب إبداعات السيد لحبيب ارويلي عند هذا الحد ، فقد عرف بولعه و حبه للرياضة و خاصة كرة القدم بحيث تألق كلاعب بفريق نجم الصحراء تم بعدها جوهرة الصحراء رفقة طبعا العديد من زملاء الدراسة و على رأسهم الحسين فيرس ، كما انه كان مسيرا و مرافقا للفريق أينما حل و ارتحل .. في حدود سنة 1982 غادر السيد ارويلي لحبيب مدينة كليميم ليحل بمدينة العيون ، و بفضل مقدورا ته الفنية التي راكمها خلال هذا المشوار الطويل ، استطاع أن يجد له مكانا متميزا و الذي من خلاله أبان على مقدرة أهلته ليصل إلى ميكرفون إذاعة العيون ملحق بها كمراسل و واصف رياضي لمقابلات شباب المسيرة ، هذه التجربة أخذت من عمره سنتين ليرحل بعدها نحو مدينة الداخلة متابعا لمهامه كمدرس ، و بالموازاة مع ذلك كفنان مبدع و مجدد ظل يحافظ على مساره الفني و الإذاعي بحيث كان يقدم بعض البرامج بإذاعة الداخلة الجهوية ، كبرنامج''خارج الحدود '' برنامج '' براعم المستقبل '' ثم برنامج '' دنيا الطفولة '' الذي كان يذاع على أمواج إذاعة العيون . بهذا المشوار الحافل بالعطاء و التنوع ، و بهذا الحضور الفني المتميز الذي نشأ و ترعرع مع السيد لحبيب ارويلي و غيرها من المواهب ، أهله ليحض بثقة و تقدير كل من يعرفه من قريب أو من بعيد و على أكثر من رقعة جغرافية . فقد داع اسمه بكل المناطق المغربية ، كيف لا و هو الذي كان عضوا نشيطا بالشبيبة الاستقلالية آنذاك ، أضف إلى ذلك تألقه في الغناء و التلحين و الأداء و قد تعرف خلال هذه الفترة على العديد من الفنانين على المستوى الوطني من عبد الهادي بالخياط ، مرورا بأعضاء فرقة ناس الغيوان ثم الفنان الشعبي المرحوم محمد ارويشة و غيرهم . تألقه هذا وإبداعه جعل منه الأستاذ و المعلم المثالي المتعدد المواهب و العطاء ، و هو الآن المسؤول الأول عن إدارة مؤسسة تربوية ابتدائية بمدينة الداخلة . بهذا سيظل السيد لحبيب ارويليلي شخصية من طينة الأوفياء للعهد و الذين تعلموا ليعلموا استفادوا ليفيدوا.. عمود الكاتب :