أستاذ بكلية الحقوق-مراكش تعانق طان طان في الآونة الأخيرة تعانق موسمها السنوي الذي أدخلها ضمن التراث الإنساني اللامادي وفقا لهيئة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة لكن هذا التصنيف العالمي الذي يعتبره البعض إنجازا تاريخيا لا يشفع لمدينة طان طان كي تنفض عنها غبار التهميش و الإقصاء الذي تعيشه منذ سنين،فبعد أن كانت مركزا تجاريا مهما يعيش حركية على مدار السنة أضحت الآن مزارا موسميا تسوق كل سنة نفس المنتوج الثقافي النمطي الذي يختزل ثقافة الصحراء في الخيمة و الجمل و لعبة آراح و فتيات و فتيان يلبسون لباس البدو،نفس الصورة الفلكلورية التي يختزلها كل شخص سواءا كان أجنبيا أو حتى محليا عن الصحراء و أهلها. المهرجانات ظاهرة صحية وعملية تسويق ممتاز لمؤهلات المنطقة وثقافتها لكن هذه العملية تتحول إلى ضحك على الذقون حين تكون المنطقة تعيش دوارا تنمويا على مدار السنة وتعاني ساكنتها وشبابها المعطل من مشاكل جمة يترجمها الإحتجاج المستمر والإعتصام المفتوح أمام أبواب العمالات والمؤسسات هنا يصبح المهرجان بمثابة تغطية للشمس بالغربال لأن ثقوب المدينة و بنيتها التحتية شاهدة على هدر ممنهج للمال العام بلا حسيب ولا رقيب. في الحقيقة لا أدري مقاربة السلطات المحلية والمجالس المنتخبة للمهرجانات لكني أتساءل لماذا يكون هناك سخاء كلما تعلق الأمر بمهرجان أو موسم تمنح فيه أموال طائلة لمغني،أموال باستطاعتها خلق مشاريع صغيرة مذرة للدخل لفئة من المعطلين أو لساكنة معوزة. لسنا ضد المهرجانات لأنني أتحدث هنا بدون خلفيات سياسية ،و إنما أقرأها من زاوية إقتصادية وأعلم جيدا مشاكل مدينة كطانطان أتنفس تاريخها وأعرفه جيدا فهي المدينة الصامدة التي اعتبروها مدينة العبور مدينة للأسف بحجم قرية، من موسمها التاريخي خرجت أجيال حملت مشعل الحرية ضد الإستعمار،وخرجت أيضا أجيال شابة كونت الرعيل الأول لجبهة البولساريو التي يفاوضها المغرب الآن. طان طان أهدت للصحراء نزاعا شائكا إغتنى منه البعض وقايض به البعض الآخر وظلت طان طان تشاهد العبور الحقيقي لكل شيء شمالا و جنوبا،إنه ظلم الجغرافيا و مكر السياسة الذي أخرج المدينة من مربع النزاع بعد أن كانت منطلقه الأول وشرارته الحقيقية. لكن ظلم المدينة لم يتوقف عند التاريخ أو السياسة إنه ظلم ذوي القربى فقد إبتلى الله المدينة بمجالس منتخبة بالمال مجالس تتوارثها الأجيال لم تقدم للمدينة أي تنمية حقيقية بل أكاد أجزم أن المدينة كانت مجرد كرسي للبعض يتذكره عند كل موسم إنتخابي وبعدها تظل بدون صوت،المجالس المحلية تدار بأشباه الأميين و البرلمان ليس أحسن حالا إنها حالة مستعصية على التحليل مفاتيحها تبدأ من حجم الأموال المتدفقة في كل إنتخابات والتي تتجاوز الملايير في حين لا يوجد شارع واحد حقيقي في المدينة و مدخلها يشبه صورة كاريكاتورية لرسام غير محترف،إنها صورة مضحكة لطبيعة إنفاق المال العام. حال المدينة و صورتها في أعين ساكنتها لن يغيرها موسم مهما كان حجمه لأن الفرجة ترحل حتى وإن طالت فهي مؤقتة أما المشاكل فتظل حيث هي لأن غياب الرؤية و الإستراتجية لدى السلطات محلية كانت أو منتخبة هو الذي أفرز هذا الواقع الذي لا يرتفع حتى ولو صنفت طان طان كلها ضمن التراث العالمي لأن التنمية تبدأ من الإنسان،و حين يكون هذا الأخير مغلوب على أمره فإنه في النهاية يسلم صوته و مستقبل مدينته لمصطادي الفرص الذين يستغلون فقر وجهل الساكنة للوصول لكراسي البرلمان أو الجهة أو البلدية،إنه واقع مرير و متشعب عاشته هذه المدينة لمدة 50 سنة و يبدوا أن لعنة انتفاضة السبعينات من القرن الماضي لازالت ترخي بضلالها على العلاقة بين المدينة والجهات العليا حيث إستثنيت هذه المدينة مرارا من الزيارات الملكية إسوة بمدن وأقاليم الصحراء مع أنها تحتاج فعلا لزيارة ملكية لعل واقع التهميش يرتفع و تعود للمدينة المشاريع التنموية خصوصا أن بعض المسؤولين و المنتخبين لا يتحركون إلا مع الزيارات الملكية،وحين اطمئن هؤلاء أن هذه الزيارة لن تكون على الأقل في الأمد القريب فقد تركوا المدينة تواجه مصيرامجهولا مع أنها مدينة شاطئية تتوفر على ثروة سمكية وعلى مؤهلات سياحية مهمة لكنها تظل الأكثر تهميشا وإقصاءا مقارنة بباقي مدن الصحراء. لعنة السياسة ليست قدرا مزمنا وطان طان الآن تحتاج إلى مقاربة شمولية لمشاكلها وموقعها الجغرافي والسياسي أيضا،إنها مدينة تستحق تنمية حقيقية وحلا جذريا لمشاكل معطليها بكل أصنافهم وتستحق أكثر من هذا و ذاك أن تعود إلى سابق عهدها مركزا تجاريا حرا كما كانت في السبعينات من القرن الماضي،التجارة بمفهومها الحقيقي و ليست زنقة التجارة التي يعرفها أهل طان طان و التي حولت المدينة إلى ماخور للجنود و للعابرين ،إنها ذاكرة التاريخ التي لا تنسى و كل مهرجان و طان طان بألف خير.