بقلم : بوجمع بوتوميت أقدمت جماعة العدل والإحسان في الآونة الأخيرة على قرار سياسي مفاجئ في ظرف حساس يمر منه المغرب ،أبرز ملامحه مخاض تشكل حكومة جديدة بقيادة حزب العدالة والتنمية ، وحراك شعبي غير مسبوق استمر لأزيد من عشرة أشهر يطالب بإسقاط الفساد والاستبداد، قرار الجماعة هذا استفز العديد من الكتاب والمحللين ودفعهم إلى ردود فعل متفاوتة فمنهم من اعتبر القرار هدية قدمتها الجماعة إلى حزب العدالة والتنمية والحكومة الجديدة لفسح المجال لها لتدبير شؤون الدولة في ظرف صعب ومعطيات واقعية ودستورية وسياسية مرتبطة بالحالة المغربية غير المشجعة أصلا على إحداث تغيير في بنية النظام المخزني المتشبث بكل سلطاته المطلقة خارج سياق المتغيرات والتحولات الدولية والإقليمية . وحسب تقديرنا فقد حظي قرار الجماعة باهتمام كبير من قبل العديد من المتتبعين والسياسيين لعدة اعتبارات نذكر منها : أولا : لأنه صادر عن معارضة قوية لها وزنها السياسي لما لها من فعل ميداني مؤثر له اعتباره المتقدم في حساب دوائر القرار السياسي المركزي للبلد. ثانيا : لأنه جاء في مرحلة مفصلية من تاريخ المغرب أحد أهم إفرازاتها حكومة أوتي بها في هذا الظرف الحساس بالضبط ،انطلاقا من حسابات سياسية للنظام فيها رهاناته ،ولحزب العدالة والتنمية أيضا فيها حساباته وقراءته لعوامل القوة والضعف وإمكانيات المكاسب والخسائر بما يقتضيه الظرف لدى النظام من محاولات للالتفاف على المطالب الشعبية المحرجة عبر ركوب خبيث للآلية الديمقراطية وموجة وصول الإسلاميين في الأقطار العربية الأخرى إلى سدة الحكم . ثالثا : لأن الجهة التي أصدرت القرار تعتبر حسب المتتبعين العمود الفقري للحراك الشعبي المؤطر من قبل حركة 20 فبراير وتوقفها عن الاشتغال من داخل الحركة سيلقي بظلاله وتأثيراته حتما على الحركة أولا، وعلى الواقع السياسي المغربي ثانيا ،وعلى إعادة ترتيب أوراق القوة والضعف لدى مهندسي سياسات المخزن ثالثا . حركة20 فبراير وتعدد الرهانات السياسية قد لا يختلف أبناء الشعب المغربي عموما إلى أن حركة 20 فبراير هي حركة مواطنة شريفة المنطلق والأهداف و الغايات خاصة وأنها جاءت في سياق ربيع عربي ،ونتيجة طبيعية ومشروعة لتفاعل الوضع المحلي مع المتغيرات الإقليمية السريعة على الصعيد العربي خصوصا، لكن وبعد مرور أزيد من عشرة أشهر من الحراك الشعبي كان لزاما أن يقف الجميع وقفة تقييم لمسار الحركة و مدى تأثيرها سلبا أو إيجابا في الوضع المغربي، وفي هذا الصدد يذهب بعض المتتبعين إلى أن الحركة بحكم رتابة مسارها وطبيعة سقفها السياسي الذي لم يتجاوز حده إلى الآن وتناقض الرهانات الموضوعة عليها ، جعلها مجالا خصبا لتنازع الإرادات السياسية ، وبالتالي لم تعد وسيلة كافية لإحداث خلخلة في بنية الاستبداد والفساد ، إذ عوض أن تتطور إلى حركة تغييرية تطمح إلى التغيير الجذري والقطع مع مرحلة لها آلامها للتأسيس لأخرى لها آمالها الواعدة ، أصبحت حركة ذات نفس إصلاحي، مما يؤكد أنها لم تعد إطارا صالحا للتعبير عن انتظارات وآمال الشعب المغربي في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ومن هذا المنطلق أصبحت تتنازعها حسب رأينا أربعة رهانات وإرادات :
أولا : الشعب يريد ....... : لما انخرط الشعب المغربي وبعض قواه الحية في حركة 20 فبراير وجعلها حركة شعبية بدون قيادات ولا ألوان سياسية تفويتا لفرص الاحتواء، كان بذلك يسعى إلى تطوير الحراك في اتجاه التغيير الجذري والقطع مع عهد الاستبداد والفساد بالمغرب عبر الانتقال من دستور ممنوح إلى دستور شعبي ديموقراطي تصيغه جمعية تأسيسية منتخبة ، لكن تحكم بعض الأطراف في سقف الحركة والوصاية عليها فوت على المغاربة فرصة كبيرة مع التاريخ من أجل التغيير والفصل بين مرحلتين مرحلة الجمر والرصاص وحكم الوصاية على الشعب وتغييب إرادته إلى مرحلة فها الشعب يريد ويستطيع أن يفعل.... . ثانيا : العدالة والتنمية يريد......... لم يكن حزب العدالة والتنمية قبل الانتخابات الأخيرة منسجما مع مطالب حركة 20فبراير إلى أبعد الحدود وهو على الأقل ماصرح به أمينه العام غير مامرة في موقف صريح مناقض لتوجهات الحركة ومطلبها السياسي المتمثل في ملكية برلمانية إلى درجة نعت بعض مناضلي الحركة بأوصاف استفزت البعض منهم خاصة اليسار الجذري فقادوا حملات إعلامية للنيل من شخصية بن كيران وحزبه عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية الأخرى ، لكن بعد نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة وحصول الحزب على أغلبية المقاعد وجدنا خطابا آخر من بعض قيادات حزب العدالة والتنمية التي اصبحت لاترى إشكالا في استمرار حركة 20 فبراير بالشارع بل اعتبرتها ظاهرة صحية، وحسب رأينا فإن هذا مؤشر على أن الحزب أصبح يراهن هو الأخر على استمرار الحركة لتكون داعما له -بما ترفعه من مطالب - في الضغط على القصر ومحيطه وخاصة مايسمى بحكومة الظل في التنازل له عن بعض الاختصاصات لتسهيل مأمورية الحكومة التي ستصبح محكومة بمنطق التنفيذ عوض منطق التخطيط ووضع الاستراتيجيات التنموية للبلد ،التي تحتكرها حكومة الظل ورجالات القصر عادة خارج سياق الدستور ومقتضياته . ثالثا : المعارضة البرلمانية تريد ........ إذا كان حزب العدالة والتنمية يراهن على استمرار الحركة في الشارع كآلية من آليات الضغط على حكومة الظل، فان المعارضة البرلمانية المتمثلة في حزب الاتحاد الاشتراكي العائد من وظيفة الحكم إلى وظيفة المعارضة ليلمع صورته ويعيد بناء مصداقيته التي أثرت عليها وأضرت بها سنوات الحكم منذ مرحلة التناوب الممنوح يرى في حركة 20 فبراير فرصة تاريخية خاصة في ظل غياب معارضة حزبية قوية ووازنة يمكن أن تنافسه على نبض الشارع المغربي وبالتالي فان الحزب أصبح يراهن من موقعه على حركة 20 فبراير، وعلى الحراك الشعبي، الذي قد يتحول الحزب إلى مظلة سياسية له انطلاقا من موقع المعارضة بقبة البرلمان للضغط على الحكومة المحكومة بالظرف الحساس وإكراهات الملفات الاجتماعية المفتوحة والمعقدة التي يعرفها البلد من جهة ،وللضغط من جهة أخرى على سلطة القرار العليا في إطار لعبة التوازنات لحصد مزيد من المقاعد في الحكومة المقبلة التي يحتمل أن تكون سابقة لأوانها إن تطور الوضع إلى ماليس في حسبان مهندسي الخريطة السياسية بالبلد .
رابعا : المخزن يريد .......... لم يكن المخزن المغربي حسب اعتقادنا متفاجئا من إلقاء الربيع العربي بظلاله على الواقع االمغربي تحت غطاء حركة 20 فبراير، وتحرك الشارع في هذا الإطار وذلك لأنه يتميز عن غيره من الأقطار العربية الأخرى بوجود قوة سياسية معارضة تؤمن بالتغيير السلمي عبر الشارع وتتبناه كخياراسترتيجي قد يصل إلى العصيان المدني في حالة عدم انسجام الحكام في هذا البلد مع مايرفعونه من شعارات الديمقراطية فيسنحوا للمعارضة البناءة بالوجود والتعبير الحر عن آرائها ،ويحترموا إرادة الشعب في اختيار من يمثله في انتخابات حرة نزيهة شكلا ومضمونا ، وعليه فقد تعامل المخزن مع الحراك الشعبي تعاملا يختلف نسبيا عن الذي تعامل به الحكام في البلدان العربية الأخرى بحيث راهن النظام المغربي على احتواء الحركة مستغلا في ذلك وجوها وشخصيات وتيارات تلبس لبوس المعارضة. ومن ثمة فإنه إذا كان لمختلف الأطراف السياسية السابقة رهاناتها على الحركة فإن للنظام المخزني رهاناته وحساباته أيضا ، لكنها غير رهانات وحسابات هذه الإطراف طبعا . حسب اعتقادنا لم يعد المخزن يخشى جانب حركة 20 فبراير، فإن تعاطي معها في الأيام الأولى بنوع من الارتباك بين المنع والمقاربة الأمنية حينا ، والتجاهل واللامبالاة حينا آخر ،فانه في الآونة الأخيرة خاصة بعد تمرير الإصلاحات الشكلية المزعومة والتسويق لها عبر طاحونة إعلامه ،غير طرق المعاملة بالقدر الذي لايسيء إلى سمعته خارجيا وذلك لاعتبارات نذكر منها : *اطمئنانه إلى أن سقف الحركة لن يعرف ارتفاعا على الأقل في المدى المنظور بحكم العقليات السياسية التي عول عليها كمكابح مفرملة لمسار الحركة وضابطة لإيقاعها . * الحركة أصبحت تحجب وتشوش على سقف جماعة العدل والإحسان المرتفع عن كل سقف سياسي للفاعلين بالبلد وهو أمر مرغوب فيه من قبل المخزن الذي يعتبرها جماعة مزعجة متمنعة عن محاولات الإدماج والاندماج بشروطه . *الحركة أصبحت وسيلة يعتمد عليها المخزن في تنفيس الغضب الشعبي دون أن يخشى جانبها في إحداث خلخلة في بنية الفساد والاستبداد . فاستمرارها في الشارع ظاهرة صحية بالنسبة إليه يتم من خلالها تسويق صورة مغلوطة للرأي العام الدولي ،على أن الحكم بالمغرب استثناء يتعاطى بشكل ايجابي مع مطالب الشارع ويؤمن بحرية التعبير والتظاهر إلى أبعد الحدود ... *تحول أداء الحركة إلى نفس إصلاحي عوض النفس التغييري يظهر المخزن بمظهر النظام المتقدم في إصلاحاته على مايطلبه الشعب والمتعامل مع مسألة الحريات الشخصية والجماعية بأسلوب ديمقراطي عبر سياسة الهروب إلى الأمام. وإجمالا يمكن القول بان المخزن أصبح يستفيد من استمرار الحركة أكثر مما هو متضرر كما كان في بداية الحراك الشعبي . قرار يربك الرهانات إن قرار الجماعة بتوقيف مشاركتها في حركة 20 فبراير كان حسب رأينا قرارا متميزا بحنكة سياسية عالية في إدارة الصراع بالبلد أو ما أطلق عيه البعض : ضربة معلم ،وينم عن وعي دقيق بالمرحلة وبلعبة التوازنات السياسية وبطبيعة الرهانات المطروحة وخلفياتها، وبمآلات الأمور ونتائجها بناء على تحليل المعطيات و مقدماتها ، وعلى هذا الأساس فإن مفاجأة الجماعة بقرار التوقيف قد أسهم إلى حد بعيد في خلط الأوراق وخلخلة الرهانات وإرباك الحسابات السياسية لمختلف الأطراف ، خاصة وأنه كان قرارا مفاجئا جاء في ظرفية حسم فيها الجميع رهاناته التي علقها على التحولات الواقعة في البلد وعلى الوضع كما هو كائن،لا كما يحتمل أن يكون ، فإذا بانسحاب الجماعة خاصة وهي التي تعتبر العمود الفقري للحراك الشعبي ل 20 فبراير عددا وتأطيرا وخطة وتنفيذا يفرض على الجميع إعادة النظر في حساباته من نقطة الصفر وبأقصى سرعة في مجال اتخاذ القرارات السياسية وحسب اعتقادنا فان هذا الأمر ليس غريبا عن الجماعة فقد عودت الجميع على صناعة الحدث عبر محطات عديدة إلى درجة أن البعض يعتبر الفاعل السياسي الأساس في المغرب طرفان : النظام المخزني من جهة والجماعة من جهة ثانية لأن النظام عودنا على انه هو من يصنع الحدث ويفاجئ بالحلول والمبادرات ليبقى الفاعل السياسي الحزبي بالمغرب يتيه في مناقشة مبادرات النظام وخرجاته وما يصنعه من أحداث عوض أن يصنع الحدث السياسي الكبير المؤثر في توجهات البلد، ومن ثمة يتحول مفعولا به ومتفاعلا ايجابا بما يراه المخزن عوض أن يكون فاعلا ، بينما تمنعت الجماعة عن السقوط والارتهان إلى هذه المسلمة المخزنية في الممارسة السياسية المغربية رغم محاولات النظام اليائسة مرارا جرها إلى مربع رد الفعل وإشغالها به عوض الفعل، وذلك عبر مضايقتها واستفزازها بمنع أنشطتها حينا ،وفبركة ملفات في حق قياداتها وأعضائها وخلق توترات في العلاقة معها أحايين أخرى ، إلا أن الجماعة غالبا ماكانت تمتص الضربات من موقع الإيمان بمبدأ: الضربة التي لاتقسم ظهرك تقويك ، وعوض أن تنجر إلى الرد تقوم بالفعل الهادئ المتعقل المدروس، لتعيد النظام إلى إعادة ترتيب أوراقه ومراجعة حساباته من جديد، إن لم يسقط هو في رد الفعل أحيانا ولعل ابرز تجليات لعبة الفعل ورد الفعل بين الجماعة ونظام المخزن هو: إنزال ماي 1990 ، المخيمات الصيفية على طريقة المنهاج النبوي ، النزول إلى الشواطئ العمومية ، الأبواب المفتوحة... ، إضافة إلى العديد من المبادرات المتقدمة والجريئة لإقامة الحجة على النظام و السياسيين بالبلد من أجل انخراط الجميع في الخلاص من الفساد والاستبداد في إطار ميثاق وطني جامع يحفظ حق الجميع في المساهمة في إنقاذ البلد من مصير مجهول مفتوح على كل الاحتمالات ،ومن هذا المنطلق لايمكننا إلا أن نصف موقف الجماعة الأخير المفاجئ بما وصفه به البعض بضربة معلم ،خاصة إن علمنا أنه قرار صادر عن مؤسسات الجماعة الشورية فكان أبعد مايكون عن العبث : العبث بمستقبل البلد و بإرادة الشعب وثقته وآماله ،وبمصداقية العمل السياسي ومسؤوليته في التبني الصادق لقضايا الأمة والوضوح معها بداية حول طبيعة المعركة وأهميتها ومدى تأثير أدواتها وحول الثمن الواجب دفعه من أجل التغيير الحقيقي بالبلد .