الحديث مجددا عن مدينة الداخلة و في هذه الظرفية بالذات هو حديث ذو شجون لأنه لا يمكننا للأسف من معرفة الحدود الفاصلة بين الحقيقة و الوهم في تفاصيل أحداث تكررت بشكل متسلسل و كأنها حلقات من مسلسل رعب لا ندرك إلى الآن مخرجه الحقيقي الذي يتخفى خلف تفسيرات و تبريرات ألفناها منذ فبراير الماضي في مهرجان الشمس و البحر و هاهي تتكرر و كأنها نسخة متجددة في مهرجان آخر للرياضة و كأن قدر الداخلة أن تعيش مأساتها مع كل مهرجان. للداخلة المدينة الهادئة موعد لا تخظئه مع هذه الأحداث المؤلمة التي تتحرك خيوط لعبها من وراء ستار مظلم،الداخلة نفسها لم تفهم أي شيء في هذا التجاذب المفروض عليها قسرا و كأنها تؤدي ضريبة لجهة ما لا تعرفها. أحداث الكرة عادية في كل دول العالم و السيطرة عليها أمر متوقع الحدوث و معلوم لكل أجهزة الأمن،لكن الذي ليس معلوما لنا نحن الذين نشاهد الحدث من بعيد أو قريب هو تقاعس رجال الأمن أنفسهم في حماية المواطنين و التفرج عليهم و كأنهم ثيران في حلبة المصارعة و عندما يقع الأسوء و يموت الابرياء يعود الامن و تخرج علينا التصريحات الخشبية التي ألفنا التعامل معها عند كل حدث في الصحراء لتلصق التهمة بأشباح آدميين أو بمندسين لا ندري من أي قمقم خرجوا علينا. في كل دول العالم هناك تحديد للمسؤوليات و هناك محاسبة إلا في الصحراء هناك دائما سياسة إسمها العبث و هي في حد ذاتها فلسفة لمن يدرك أبعاد العبث حين يختلط بتلاوين السياسة و في الداخلة العبث تكرر مرتين ،لمصلحة من تكرر ؟ و لماذا ؟ هذا ما لا تجيب عنه وزارة الداخلية المغربية و ناطقها الرسمي الذين لا يرون في الأحداث سوى أنها شجار بين هذا الطرف أو ذاك ركب عليه طرف ثالث لا يحددوه في تصريحاتهم. في الداخلة مزيج من البشر قدم مع استفتاء لم يتحقق إلى الآن عاشوا و تعايشوا مع الساكنة الصحراوية و كونوا ثروات و راكموا عقارات داخل و خارج الإقليم و مع ذلك ظلوا بمثابة وقود لأية فتنة ،يظنون أنفسهم مغاربة مائة في المائة و غيرهم مشكوك في وطنيته و في انتماءه لذا ينظرون لما هو صحراوي و كأنه آكل للغلة و ساب للملة مع أن الغلة قليلة و من أكلها في الصحراء يعدون على رؤوس أصابع اليد الواحدة. في الصحراء نزاع دولي لم نعد قادرين على إدراك بعده الحقيقي لأن سياسة المغرب في تدبيره للملف غير واضحة و لأن البوصلة التي نحاول إتباعها في قراءتنا لهذا النزاع تحيلنا على تفاصيل كثيرة نستعين أحيانا فيها بعدم القدرة على الفهم لأن عند كل حدث نطرح العديد من التساؤلات و لا ندرك للأسف الإجابة في عمقها الحقيقي،لذا لا نجد حتى الآن تفسيرا لما جرى سابقا في الداخلة و لا لما يجري فيها حاليا،من يحرك خيوط المؤامرة ؟ من يستفيد منها و من يرى مصلحته في هذه الفتنة ؟من الأكيد أن المغرب هو الخاسر الأكبر في هذه الأحداث لأنه بذلك يعطي الإنطباع على عدم قدرته على بسط القانون على الجميع و على عدم قدرته أيضا على خلق التعايش بين مكونات مجتمعية يدعي أنها جميعا تنتمي إليه و قد دخلت الاممالمتحدة الآن على الخط في هذه الأحداث لمعرفة دوافعها و أسبابها الحقيقية خصوصا و أننا لم نعد قادرين على استيعاب نفس التبريرات المقدمة من طرف الجهات الرسمية و كأني بالتاريخ يعيد نفسه و من استمع لتصريحات المسؤولين في أحداث فبراير عليه مقارنتها أيضا مع أحداث نهاية شتنبر لن يجد فرقا واحدا سوى أن في الاولى مهرجان و في الثانية مبارة لكن العبارات واحدة أحيانا مندسين أو إنفصاليين و الآن مهربين و بين كل هؤلاء يضيع السؤال الحقيقي ،من المسؤول ،و كيف للأمن أن يقف متفرجا حتى يتفاقم الوضع هل في الأمر مكر سياسي ممنهج فاللمخزن حساباته و سياساته الخفية و له أيضا منافع يراها لوحده لكن الأبعاد و حدها و التأثيرات النفسية لا يشعرها إلا الصحراويون أنفسهم الذين لم يعودوا قادرين على الفهم. الجميل أن أحداث الداخلة تزامنت مع اجتماع الجهوية الموسعة أو المقنعة في مدينة العيون وقتها كانت الداخلة تحترق و كان منتخبوها يصيحون أمام المسؤولين و بدا الأمر و كأنه فيلم رعب أصاب الكل،لكن منتخبي الدخلة سيظلون على صراخهم و لا شيء سيتغير لأن التنازل الأول بدون محاسبة هو الذي أخرج المارد الآن من القمقم،عدم تحديد المسؤولية و محاسبة المسؤولين الحقيقيين سيفتح الباب في الداخلة على حدث ثالث قد يكون أخطر من هذا الذي تعيشه الآن. المسؤولية شرط لقيام دولة الحق و القانون و حين يتم التغاضي عن المحاسبة تنتعش الحلول الفردية في مجال لازال مصيره مجهولا. الداخلة مدينة للسلم و الهدوء و أناسها من أطيب قبائل الصحراء و أعرقها فلا تجعلوها مجالا خصبا لتصريف أية أزمة مهما كان نوعها بإمكانكم أن تجعلوها تضاهي المضيق أو كابونيكرو أو الشمال الجميل إن لم تفعلوا و لن تفعلوا فاتركوها هادئة،أهدتكم شواطئها و سمكها المجهول منه و المعروف و أهدتكم تصويتا بأعلى نسبة على الدستور حسب بلاغ الداخلية المغربية،فهل هذا هو الجزاء ؟ لا أدري .لسكان الداخلة كل التضامن و لمن يريد الفتنة نقول " حذاري من اللعب بالنار فليس في كل مرة تسلم الجرة"