* فاعل جمعوي- ايت بعمران بعد خطاب الدولة بتاريخ 9 مارس بشان مراجعة الدستور، جاءت محطة 1 يوليوز وأبرم العقد السياسي بين الدولة والمواطنين وانصرف الجميع إلى حال سبيله وسط مناخ إقليمي يتميز بإسقاط أنظمة الإستبداد والقهر وأخرى في طور الإستئصال والإجتثاث. وقد تعددت المجاملات والمساحيق والانتقادات في الآن ذاته بين من يصف مشروع الدستور 2011 بأنه دستور من الطراز الديمقراطي المستوجب التصويت عليه بالإيجاب وبين قاطع له بحجة مخالفته للمنهجية الشكلية الديمقراطية المتعارف عليها دوليا في صياغة وإعداد الدساتير الديمقراطية، ناهيك عن مضمونه المكرس للإستبداد بتمركز جل السلط في يد الملك الشيء الذي يبرر مقاطعته أصلا. وبين هذا الموقف وذاك، فإن مجلس العقد الإجتماعي قد إنفض إيجابا لصالح مشروع دستور 2011 وبالأغلبية الساحقة بمشاركة تقول الدولة إنها بلغت أزيد من 70 % مما يعني بطريقة أو بأخرى مصادقته عليه شعبيا وبالتالي طبيعيا أن يحظي بالتزكية والتأييد من طرف المجلس الدستوري باعتباره دستورا رسميا للمغرب. وبالرجوع إلى الوراء قليلا، نسجل أن ثمة أراء عدة حول أسباب اعلان الدولة مبادرة مراجعة الدستور، فهناك من يقول إن النظام القائم يخاف من انتقال عدوى الربيع العربي ولذلك لا مفر من نهج سياسة استباقية وقائية عبر طرح مبادرة تعديل الدستور، والبعض الأخر يرى أن الملك ماض أصلا في الإصلاح وأن مسالة مراجعة الدستور كانت مسالة وقت لا اقل ولا أكثر بدليل انه لا يمكن الاشتغال بالتزامن على موضوعين من حجمين الجهوية والدستور، فكان الأولى التريث إلى حين الإفراغ من الجهوية ولتطرح بعد ذلك مبادرة تعديل الدستور، على أن ثمة اتجاها يذهب إلى أنه لولا حركة 20 فبراير المطالبة بإصلاحات نوعية تؤسس لدولة ديمقراطية ما كان الدستور ليجد طريقه إلى المراجعة نهائيا. وعلى ذكر حركة 20 فبراير، فنؤكد هنا أنها تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية من قبيل الملكية البرلمانية وترسيم الأمازيغية تكريسا للطابع التعددي للهوية المغربية وتحرير الإقتصاد والإعلام العمومي من احتكار لوبيات المخزن وتعزيز منظومة حقوق الإنسان مع توسيع هامش الحريات الجماعية والفردية في إطار دولة ديمقراطية والتأسيس لقضاء مستقل يبت في قضايا الشعب بنزاهة وتجرد، وكذا تقوية مؤسسة الوزير الأول الذي سيضطلع بالمسؤولية كاملة عن الجهاز التنفيذي والإدارة العمومية مع تنفيذ البرنامج الحكومي مع ربط المسؤولية المحاسبة، بالإضافة إلى التكريس للجهوية الموسعة...تلك هي إصلاحات سياسية هامة يتوخي منها تحقيق انتعاشة الأحزاب السياسية وتقوية مكانتها داخل المشهد السياسي المغربي بما يخدم مصلحة البلاد والعباد إلى جنب مؤسسة ملكية ذات اختصاصات مضبوطة بشكل يمكن من ضبط المسؤوليات وملاحقة الفساد الصغير والكبير، والمأمول لدى الفبراريين هو الإنتقال من نظام يسود فيه المخزن إلى نظام يحقق السيادة للشعب من خلال برلمان وحكومة منتخبين ديمقراطيا يمارس كل منهما اختصاصاته كاملة في واقع يحتكم فيه الجميع إلى قضاء مستقل تمام الإستقلال. ومما لا شك فيه أن تحقيق مطالب الحركة أعلاه، من شأنه أن يعزز موقع الأحزاب السياسية في صنع القرارات السياسية الكبرى سياسيا واقتصاديا بل وسياديا، لكن أسئلة عميقة وموضوعية تداهمنا ونحن بصدد أجرأة الدستور'الجديد' هل ستستمر أحزابنا على منهجيتها القديمة؟ وبمنطق أي تحالفات ستتبلور؟ وهل ستصمد الكتلة 'الديمقراطية' في ظل هذا الدستور أم أنها ستصاب بالإنشقاق وتظهر تحالفات جديدة؟ و كيف للمواطن العادي التمييز بين الأحزاب السياسية ذات برامج وغيرها في قائمة تضمن أزيد من ثلاثين 'حزبا سياسيا' مغربيا ؟ ألا يثير ضخامة هذا العدد من الأحزاب نوعا من الميوعة السياسية بل ويفقد الفعل السياسي نبله وقيمته السياسية؟ المؤكد حقا، أن أحزابنا السياسية تعيش أزمة شرعية وتمثيلية حقيقية نتيجة الانفصام العميق بين القيادة والقاعدة -على الأرجح لدى الأحزاب المشاركة في الحكومة- لأسباب يعرفها جميع المغاربة تقريبا، فغياب الديمقراطية الداخلية واستبداد القيادة وتسلق مواقع القرار بمنطق الو لاءات على حساب الكفاءات...جعلت المشهد الحزبي في قسمه العام يعيش من البشاعة والانتهازية ما يستدعي إرساء بدائل حقيقية للأحزاب جادة والعمل على إنهاء عبء الأخلاقي للنموذج الحالي على المجتمع المغربي، وإذ لا يسجل أي استغراب في ما يذهب إليه غالبية الشارع المغربي بأن هذه الأحزاب لا تمثل إلا نفسها ولا تدافع إلا على مصالحها الخاصة وبالتالي لا نستغرب إذا علمنا أن حصاد التعددية العددية للأحزاب في أي تجربة غير ديمقراطية، هي التمييع السياسي بالمرة وغرس أزمة الثقة في المجتمع باستفزازها شعور المغاربة وباختيارها أسلوب الشفوي المطبل والنفاق والركوب والفساد والخيانة السياسية، فأزيد من ثلاثين حزبا سياسيا دفعوا المغاربة إلى إعلان تجميد مشاركتهم السياسية إلى إشعار آخر نظرا لصعوبة التمييز بين الأحزاب الكرتونية وغيرها من الأحزاب الجادة كأن الولوج إلى نادي الدول الديمقراطية رهين بضخمة عدد الأحزاب والثابت أن الدولة بشكل أو أخر هي المسؤولة في ما حصل، لكن وأمام بشاعة الموفق، دعت إلى التقاطب عبر اندماج وانصهار أحزاب صغيرة في حزب وحيد يتماشى وأهداف الإيديولوجيات المندمجة، لكن الملاحظ أن عملية التقاطب ما إن بدأت في التبلور والتشكيل (تجربة الأصالة والمعاصرة وحزب العهد...) حتى وقع الطلاق السياسي ورجع كل طرف إلى سابق عهده، مما يعني بالوضوح أن الساحة الحزبية في بلادنا هذه تشهد صراعات شخصية بعيدا كل البعد عن التنافس الشريف حول البرامج السياسية والمصلحة العامة للبلاد، بل إلى درجة عدم اكتراث بعض الساسة بفوائد التقاطب والتي من ضمنها احترام المواطن على الأقل، لأن التعددية العددية للأحزاب بالصورة المغربية لا تفيد إلا العبث والتميع ولأن هوامش الاشتغال السياسي لا تقتضي بالضرورة العشرات من الأحزاب في بلد وحيد مادام الوسيلة مشتركة والهدف كذلك مشترك ولأن حتمية القطع مع التناسل والتفريخ للأحزاب أضحي قضية وطنية يجب التصدي لها بحزم ودراستها ومعالجتها بالتأسيس لتقاطبات إجبارية تحت طائلة الحل القضائي ولأن التمكين من إنشاء الأحزاب السياسية بالمنطق الذي تؤسس به المقاولات والشركات لم يعد مقبولا إطلاقا. وحتى نكون منصفين، لابد أن نوضح أمرا أساسيا وهي أن الإيديولوجيات الحية بهذا البلد، ليست ثلاثين إيديولوجية أو سبعين، وإنما وعلى سبيل الحصر هي الإيديولوجية اليسارية والإسلامية والأمازيغية والليبرالية والصحراوية وبالتنافس السياسي بين هذه الإيديولوجية تستطيع الأمة المغربية أن تنهض وتخطو خطوات التقدم والنماء الشامل ديمقراطيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، على أن تجاهل هذه الإيديولوجيات أو المزايدة عليها سوف نكون بعيدين عن الواقع المغربي وسنخسر عقودا أخرى من الزمن دون أي تقدم يذكر اللهم التقوقع في إطار مسلسل الفساد السياسي والاقتصادي وتعميق الفوارق الاجتماعية وانتصار منطق المجاوزة بين المال والسلطة كقاعدة شاذة مغربية بامتياز. إن مجلس العقد الإجتماعي قد انفض بالتصويت الايجابي والسلبي وبالمقاطعة أيضا، نعم بالمقاطعة التي دعت إليها حركة 20 فبراير وحزب الاشتراكي الموحد والعدل والإحسان والحركة الأمازيغية وغيرها لأن مشروع الدستور موضوع الاستفتاء يحمل في ثناياه بنية الاستبداد ويناقض المقاربة الديمقراطية التشاركية في الحكم، في حين نجد أحزابنا السياسية تبارك الدستور مؤكدة أنه استجاب بشكل كبير لمذكراتها المرفوعة للجنة د/المانوني المشرفة على إعداد الدستور. فالواضح من مواقف الأحزاب السياسية المؤيدة للدستور وكعادتها تفضل الاختباء وراء مؤسسة ملكية تنفيذية لكونها أوهن من بيت العنكبوت لو كنتم تعلمون، فهي محتاجة إلى إصلاح وتطهير أجهزتها الداخلية من الفساد وتبني الديمقراطية الداخلية وتجاوز منطق الو لاءات والمحاباة في نيل المواقع وإعادة النظر في التزكيات المكرسة للأعيان وفي جلب لوبيات المال إلى أحضان هذه الأحزاب، وهذا عن فئة من الأحزاب، أما عند فئات أخرى فهي تظهر وتختفي كالبرق عند كل فرجة انتخابية وحتى إيديولوجيتها لا نعرف عنها أي شيء ولا يهمنا البحث عن خصوصيتها لأن المبدأ كون الحزب هو ابن بيئته، ومتى كانت نظيفة كان حزبا سياسيا بالمفهوم الفني للكلمة ومتى كانت فاسدة كان حزبا عدديا بالمفهوم التعددي العددي. إن كل المشاكل والتحديات الذاتية والموضوعية، دفعت أحزابنا السياسية إلى عدم استساغة الملكية البرلمانية المفترضة أحزابا ديمقراطية ذات مشروعية كاملة وبرامج سياسية وكونها ليست على هذه الشاكلة بل هي أحزاب هامشية ولا مأمول تنموي إنساني معقود عليها وأن فاقد الشيء لا يعطيه. إن أحزابنا السياسية تفضل الوضع الحالي بسيادة ملكية تنفيذية فلها ذالك، ولكن لماذا تريد التخندق بهذا الشكل السلبي؟ بكل بساطة كون رموزها لا تريد المحاسبة ولا الشفافية ولتبق مدافعة عن هذا الواقع واقع تشهير ورقة 'الأوامر العليا' في وجه كل مبادرة لاستجواب وزير أو برلماني أو مدير يشتبه تورطه في قضية فساد، وهو ما أفز ظاهرة مغربية بامتياز كون مسئولون الكبار ووزراؤنا المتعاقبون على الحكومة أضحوا بين عشية وضحاها أثرياء يملكون الهكتارات من الأراضي وشركات تمارس الابتزاز والاستغلال بحق اليد العاملة وشقوا كلهم تقريبا طريق المليارديرات الوطنية والإقليمية متناسين أن السلطة السياسية هي تكليف لخدمة الصالح العام وليس مرتعا لخدمة المصالح الشخصية بل اختلاس المال العام وتبذيره بطرق غير معقولة مع توافر مناط تصريفه. إن تمطيط الدستور الجديد من طرف أحزابنا السياسية بإدراجه ضمن دساتير نادي الدول الديمقراطية، يؤشر على وفائها لسياسية الدوغمائية وللغة الخشب المبنية على مفارقة الخطاب والممارسة غير مدركة أن المغرب يعيش زمنا فاصلا لا مجال فيه عن المزايدات السياسية والبلطجيين والأعيان والطحالب الانتخابية الباحثين عن مصالحهم الشخصية المادية على حساب الشعب، فليخلوا الساحة تماما ولنقل لهم 'كفاكم فسادا وعبثا فلترحلوا' ولتتركوا الفرصة للمناضلين أصحاب المبادئ والأفكار ذوي القوة الاقتراحية والبرغماتية العمومية -إن صح القول- في أفق تحقيق إقلاع سياسي واقتصادي مغربي لا رجعة فيه، ولكن هل للأحزاب المؤيدة للدستور مستعدة لتطهير بيتها يا ترى ؟ إن تركيزي على تلك الأحزاب كطرف منتصر للدستور الجديد أملته عدم استيعابها لرسالة حركة 20 فبراير المطالبة بإبادة الفساد السياسي ماديا وأخلاقيا والمستشري في الحياة السياسية بشكل فضيع، ومن باب المقاربة النقدية أجد نفسي مشفقا لحال هذه الأحزاب الموشكة على الإنهيار ما لم تقع ثورة حقيقية داخلها بهدف تغيير الوجوه -كمطلب شعبي- وتقديم المقترحات والبدائل عبر تجديد النخب بضمان صعودها وفق مبادئ الاستحقاق والكفاءة والديمقراطية..وما دون ذلك فستزيد هذه الأحزاب عزلة وركوضا وبالتالي تنتحر سياسيا طبقا لمنطق من لم يتكيف مع الواقع ينقرض.