وأنت تغادر مدينة ورزازات في اتجاه زاكورة ، تستوقفك على امتداد أكثر من 100 كيلومتر مناظر طبيعية جميلة ، ويثير انتباهك وأنت تزور المنطقة لأول مرة نهر جريانه شبه دائم وعلى ضفتيه تتراءى لك لوحات فنية جميلة ترسمها شجرة النخيل الشامخة شموخ ساكنة إقليم زاكورة المعروفين عبر التاريخ بوطنيتهم وتمسكهم بتقاليدهم الضاربة في عمق التاريخ . وهو ما يجعل الإقليم يتوفر على أكبر واحات النخيل بالمغرب ، ويعرف عند المغاربة بإنتاج التمر والحناء ، فهل يستغل الإقليم فعلا كل الثروات التي يمتلكها ؟ هل ينعكس ذلك إيجابيا على الساكنة ؟ هل تولى الفلاحة الأهمية التي تستحقها وتفرضها طبيعة ومناخ الإقليم ؟ لست خبيرا في المجال ، لكن بحكم انتمائي إلى هذا الإقليم العزيز، ومن خلال قراءة واقع الواحة بالنظر إلى كميات المياه التي يستفيد منها الإقليم انطلاقا من سد المنصور الذهبي ومقارنتها بإنتاج الإقليم من التمر وبعض المحاصيل الأخرى كالخضراوات والحناء ، وإذا علمنا مسبقا بأن النخلة شجرة شوكية صحراوية لا تتطلب الماء إلا خلال فترات معينة من السنة ، فإنه يمكن الجزم بأن سياسة السدود التي لا يختلف اثنان حول أهميتها ، لا تِؤدي وظيفتها في هذه الربوع بالشكل المطلوب أو بالأحرى لا تستغل كما يجب ،باستثناء تغذيتها للآبار المستعملة للشرب التي تتميز نسبة كبيرة منها بالملوحة الزائدة مما يجعلها غير صالحة لهذا الغرض . وإذا سألت الإنسان الزاكوري ، لماذا لا تستغل المياه الجارية طيلة السنة في بعض الزراعات الأخرى الأكثر مردودية و إنتاجية ؟ قال : إن الأرض الصالحة للزراعة على ضفتي درعة تظللها أشجار النخيل فتقلل من خصوبتها ، وحتى بعض الخضروات المحلية والنباتات العلفية كالفصة التي تزرع عادة في المساحات المشمسة يكون إنتاجها دون المستوى المأمول . ولهذا نعول كثيرا على النخلة لأنها لا تتطلب مجهودات نبذلها ولا مبالغ مالية نصرفها ، وبالمقابل عطاؤها كبير حيث نسوق كل ما له علاقة بها من تمر وعلف وعرش وسعف وإقدام وقرنيف ، ويكون مردودها أكبر خلال السنوات التي يصادف فيها موسم الجني شهر رمضان حيث يزداد الطلب على التمر فيرتفع ثمنه . فهي سر بقائنا في هذه الربوع ، منها التغذية والدواء واللباس والأدوات المدرسية وكل متطلبات الحياة اليومية . والزائر للمنطقة يلاحظ أن التمر لا زال يسوق بنفس الطريقة التقليدية المعروفة منذ القدم ، ولم يتأثر القطاع بالثورة التكنولوجية التي اكتسحت كل الميادين من حوله ، في الوقت الذي أصبح فيه التلفيف والإشهار من الشروط الأساسية في تسويق المنتوج . وقد انتبه المسؤولون في الثمانينات من القرن الماضي إلى هذا الأمر فتم بناء معمل للإنتاج ، لكنه لم يعمر طويلا ، ومازالت بعض الجهات تصنع علبا مكتوب عليها تمور زاكورة وتطرحها في الأسواق ، فيستعملها من هب ودب بدون رقيب ، الشيء الذي يسيء إلى سمعة التمر في المنطقة ويقلل من درجة الإقبال عليه ، وبالمقابل يستورد المغرب من الخارج تمرا اقل منه جودة لكنه مخدوم باحترافية ومسته يد التكنولوجيات الحديثة . فكيف يصدر أهل سوس الطماطم معتمدين المياه الجوفية الغائرة في الأرض ، ولا يستطيع أهل زاكورة والمغرب عموما تحقيق الاكتفاء الذاتي من التمر باعتماد مياه سطحية تزيد على الحاجة ويتبخر الكثير منها في رمال الصحراء ؟ إن في إقليم زاكورة ثروات كبيرة وخيرات هائلة جدا يستيقظ عليها السكان كل يوم ، توفر عن المنطقة عناء البحث في باطن الأرض عن المعادن النفيسة ،و من شأنها أن تحدث طفرة في حياتهم وتغني الشباب عن التفكير في ركوب مراكب الموت نحو الضفة الأخرى التي أعتقد أن ليس فيها ما يميزها عن زاكورة سوى إيمان وقناعة أهلها بأهمية خدمة الأرض واستثمارها . ولقد أدرك بعض الفلاحين في مناطق بعيدة عن الوادي حقيقة هذه الإمكانيات غير المستغلة، وتأسفوا على تلك الفرص الضائعة ، وبدؤوا في السنوات الأخيرة يجتهدون سعيا إلى عصرنة وتطوير أساليب عملهم معتمدين تقنيات الري الحديثة ، وبدأت مثلا تكتسح كل ربوع المملكة ،( الدلاح)منتوجاتهم من البطيخ الأحمر بل يصدر جزء من هذا المنتوج إلى السوق الإسبانية ، الشيء أثار شهية الفلاحين الإسبان الذين يراودهم حلم الاستثمار في هذه الربوع خاصة وان الدلاح الزاكوري يسبق غيره إلى الأسواق فيباع بأثمان مرضية للمنتج . ما قيل عن زاكورة ينسحب كذلك على وادي تافيلالت ، ويطرح أسئلة كبرى تجد إجاباتها في أيام دراسية حول الموضوع ، يجب أن يعقدها القائمون على الشأن الفلاحي داخل الإقليمين المنتميين إلى نفس الجهة في التقسيم الجهوي الجديد ، لطرح تصورات حول إمكانية استغلال هذه الثروات أحسن استغلال .لأنني أعتقد أن إقليم زاكورة المترامي الأطراف يزخر بكل المؤهلات التي تجعل منه وجهة سياحية عالمية وقطبا اقتصاديا هاما يسهم في تنمية الاقتصاد الوطني ، فهل من إشارة تدل على الكنز المفقود ؟ وهل للإ قليم مكانة ضمن المخطط الأخضر ؟