ليس من قبيل الاعنات الجهر بوجوب تنصيص الدستور المعد للتعديل على اللغات الوطنية المشكلة للهوية المغربية المتسمة بالتنوع الناشئ عن تعدد الثقافات المتعايشة في رحاب هذا الوطن . و لاشك أن الأمازيغية قد حظيت منذ خطاب أجدير بقدر لا تخطؤه العين من العناية التي شرعت لها باب البزوغ في الاعلام والصحافة والنشر فضلا عن حضور لايزال يشب ويشتد عوده يوما بعد يوم في ميدان التربية والتعليم . ومن أمارات هذه الحظوة أن مجمل السجال الدائر حول اصلاح الدستور يكاد لا يخرج عن السقف العالي _( أي المطالبة بترسيم الامازيغية )، أو ما دونه ( الاعتراف بالامازيغية لغة وطنية ) ، أما الحسانية فلا تسمع عنها الا همهمة أهلها المتوجسين أو الغافلين عن الجهر بحقوقهم الثقافية ، أو همسا يلقي به في روع لجنة مراجعة الدستور بعض الغيورين من المثقفين المنصفين من أمثال الدكتور عبد الغني أبو العزم الذي دبج مقالة وازنة ضمنها تصوراته للتعديلات الدستورية مقترحا التنصيص على الحقوق الثقافية واللغات الوطنية (الأمازيغية والحسانية). وفي تقديري ،فإن تصريح الدستور المعدل في المقبل بالحسانية لغة وطنية ضميمة إلى ضرتها الأمازيغية (1 )ضرورة تمليها الاعتبارات الآتية: 1- تساوقا مع الجهوية الموسعة التي سيرسي دعائمها التعديل الدستوري،فإن الاعتبارات الثقافية والأثنية المرعية في التقسيم أو التقطيع الترابي للجهات الصحراوية الثلاث،لا تستقيم إلا بالاعتراف بلغة الأغلبية السائدة بالمنطقة لغة وطنية،كي ينفتح لها الأفق الواسع ثقافيا و إعلاميا،وذلك تلافيا للمعايب والمثالب التي تنجم عن إغفال التصريح بحقوق هذا المكون الرئيس للثقافة الوطنية.وقد يسيطر الأسف على كل حصيف لبيب عندما يبصر حجم التناقض الناشئ عن غياب سياسة إعلامية رشيدة تأتي البيوت من أبوابها،وتسمي الأشياء بمسمياتها، لا تعمد إلى صوغ و إنتاج خطاب خاضع لرؤية سياسية تجعل من الندية والمضادة مبدأ حاكما وموجها،فيصبح الخطاب الإعلامي في ظل هذه الرؤية غير المتزنة ضربا من الرد المضاد لخطاب معاد.ولكي لا ينأى بنا التحليل بعيدا،لنربع على أنفسنا ولنتأمل هذين المثالين المقبوسين من مشهد إعلامي عربي يغنيك عن التعليق: 1. بثت قناتا مدي 1 سات والجزيرة في نشرتين تقريرا يرصد بوادر انحسار الفن الأصيل بالصحراء بفعل تأثير العولمة التي شدت قلوب الكثير من شباب المنطقة إلى الفنون الحديثة الدخيلة (الراب نموذجا)،وفي أثناء التعليق تتلامح لك إشارات التناقض الرهيب بين خط تحريري يزعم أن هذا الفن المرصود هو "فن الصحراء الغربية"،بينما يرد الخط التحريري المضاد بأن الفن المقصود في التقرير يتعلق بالصحراء المغربية،وبين ميم تزال و أخرى تزاد ضاعت الحقيقة لأمر يراد!. تلك الحقيقة التي لا نزايد في الجهر بها هي أن الفن المرصود في التقرير هو الفن الحساني المتسامي عن ضيق الأفق السياسي لقناة الجزيرة التي حشرت أنفها في صراعات لا ناقة لها فيها ولا بعير،وقناة مدي 1 سات التي كان يغنيها نسبة هذا الفن لأهله بني حسان،فتدعوه بالفن والغناء الحساني وهو نظير الفن الأمازيغي.ولا ينقص ذلك من الوطن شيئا ،ولا يزيد الوطنية إلا رسوخا في قلوب الوطنيين الذين يربأون بوطنيتهم عن أن تكون محل مزايدات... ب- تطالعك بموقع صحراء زيك SAHARAZIK صورة ناصعة لهذا التجاذب السياسي الذي ذهبت ضحيته الكينونة الثقافية،وهي جزء ماهية الكينونتين الوطنية والإنسانية.تلك الصورة جزء من حرب ثقافية كامنة تجعل من سكان الصحراء فسطاطين مختلفين إن لم يكونا متصارعين ! ،وللتدليل على هذا المنحى الخطير الناجم عن عدم الإبراز التام للهوية المشتركة لكل الصحراويين وهي الهوية الثقافية التي تشكل الحسانية سدى نسيجها،فإن الصفحة الرئيسة بالموقع المذكور تقسم الغناء أو الفن إلى أربعة أصناف: أغاني موريتانية:وتعكس الخصوصية الثقافية الموريتانية التي جذرها الوطن الموريتاني بعد استقلاله أغاني إفريقية : وتنضوي تحتها أشكال من الفنون الإفريقية المنشأ والأصل،ويشترك فيها الموريتانيون مع عمقهم الإفريقي. أغاني صحراوية: وتضم طائفة من الفنون المنتجة من قبل البوليساريو في سياق حرب الصحراء وبعدها. أغاني حسانية: وتضم عينات من الفن المنتج من قبل الفنانين بالجهات الصحراوية الثلاث بالمغرب. إن مكمن التناقض في هذا التصنيف،يتمثل في أن وسم الفن المنتج بالجنوب المغربي بالفن الحساني، ونظيره المنتج من قبل البوليساريو بالصحراوي يحفر أخدودا عميقا في الهوية الحسانية المشتركة ، فهل الفنانون الصحراويون ليسو ا حسانيين،ومن قال إن الحسانيين ليسوا صحراويين؟إن الفيصل في القضية هي أن نسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية،فنجهر بالقول أن مفهوم الصحراء يتسع للحسانيين وغيرهم لأنها انتماء جغرافي بالأساس،كما أن الحسانية تضيق عن استيعاب غير بني حسان،لأنها مفهوم ثقافي يعكس الخصوصية الثقافية واللغوية لبني حسان.والمعول عليه،ألا يترك الحبل على الغارب،وألا يترك "ضربان" السياسة يفسو بين الأشقاء من أبناء الوطن الواحد والهوية المشتركة! 2- إن التصريح بالحسانية لغة وطنية لا يراد لذاته، وإنما ينشد لما قد يترتب عنه من منافع تشد بنيان الوطن ومكونات هويته بعضا ببعض، وتسد منافذ تسرب مشاعر الإحساس بالحيف والتهميش إلى قلوب المثقفين بالصحراء الذين يتشوفون إلى ميلاد معاهد تهتم بثقافتهم الأصيلة جمعا وتحقيقا ونشرا،كما هو شأن المعهد الموريتاني للثقافة والفنون بموريتانيا والمعهد الملكي للدراسات الأمازيغية بالمغرب،فضلا عن نشدان سكان الجهات الصحراوية الثلاث ولوجا أقوى و أجدى للفضاء السمعي البصري من خلال قناة حسانية مستقلة تجلب لها كفاءات صحفية مقتدرة،مع التركيز على وجوب فتح فرع للمعهد العالي للصحافة بإحدى هذه الجهات تقريبا للتكوين الصحفي من الشباب المتوفرين على شروط ولوج المعهد ،مما يؤمن للقناة كفاءات ذات تكوين أكاديمي عال. وتأسيسا على ما سلف بيانه،فإن الحاجة ماسة إلى وضع الحسانية لغة وثقافة في صدارة الثقافات و اللغات الوطنية المنصوص عليها في الدستور ترسيخا وتجذيرا للتنوع والتعدد الرافد للوحدة الوطنية التي لا يخرمها إلا التعصب وتغليب ثقافة محلية على أخرى،رغم أن الثوابت الماسكة للوحدة راسية لا تعصف بها الرياح إن شاء الله....