في السنوات الأخيرة،كثرت الأيادي المتسخة التي تقوم بالعبث في الوطن فيتعرض مواطنيه إلى عقاب جماعي ، فيما تتمدّد الاحتقانات على أبعاد مختلفة وتمس مختلف الشرائح وعلى جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،وتكون الوجبة المتفحمة لهذه الصراعات هو "المواطن المسكين" الذي يتجرع مرارة العيش يوما بعد يوم ، ويصبح الضحية لدى هذه الحكومات المتعاقبة، بعد أن يتحمل كل المآسي المؤلمة التي يشنّوها(تعويم الدرهم)، والأزمات التي يختلقوها بجميع أنواعها وغير ذلك. لقد أصبحت الحياة مرعبة جدا بالنسبة للمواطن، بعد أن أغلقت أبواب الأمل عليه من جميع النواحي ،وأصبح غريقا في ظلمة التشاؤم لا يكاد يلتمس بضوء التفاؤل طلقا، فناحية الفقر والغلاء هي الظاهرة الأولى التي أصابت المواطن في حالة من الإحباط المهيمن على بناء مستقبله ومستقبل أولاده ، وناحية الفساد التي تمارسها مجالس النهب والسلب هي السبب الرئيسي لدمار مستقبل المواطن الذي كان يملك الكثير من الطموحات والذي عجز عن تحقيقها ، بسبب مسئولي الحكومة الذين يمارسون سياسة غض الطرف على حساب المواطنين المساكين وسكوتهم المستمر ، هذه هي الصورة العامة لما جرى إلى الآن، ، فالناس لا تلمس مما يجري كله غير حرائق الغلاء الجنوني،بدأوا في 2011 برفع سعر المحروقات والإلغاء التدريجي لدعم صندوق المقاصة ، والزيادات الدورية في أسعار النقل والماء والكهرباء ،وقالوا لنا أن الأصعب مضى، فتفاجئنا برفع سن التقاعد والزيادة في الاقتطاعات من الأجور لسد الفجوة التي خلقها نهب الصندوق المغربي للتقاعد ،وانتهت فترة بن كيران وجاءت فترة خلفه العثماني ليجرب حظه فينا في برامج مفتوحة للزيادة المزيدة إلى ثلاث أو أربع سنوات تالية، فالعذاب لم يصل إلى آخرته بعد ،خاصة أن إجراءات المزيد من رفع أسعار البنزين والكهرباء في الطريق وبعضها تم عملياً، فضلا عن تعويم الدرهم الذي زاد من سعر اليورو وانخفض بقيمة الدرهم، والمغاربة العاديون يتقاضون رواتبهم إن وجدت بالدرهم لا باليورو، وعلى ما يبدو أن فترة العثماني ستشهد الضربة القاضية بضرب مجانية التعليم كحق مكفول وذلك عبر فرض رسوم بالسلك الثانوي والجامعي بحسب البرنامج المتفق عليه مع صندوق النقد، الذي تشكل قروضه أغلال في معصم الحكومة إضافة لعبء الديون الخارجية، ويشترط الصندوق إكمال الجرعة المميتة إلى آخرها، رغم اتساع نطاق الفقر على نحو كبير، ووصول معدل الفقر النسبي إلى ملايين المغاربة بأرقام الرسميين، بينما الواقع الفعلي المنظور يظهر تفاقم المأساة، وانزلاق الطبقات الوسطى إلى هوة الفقر، ووقوع 11 في المائة من المغاربة عمليا تحت خط الفقر الدولي النسبي المقدر بدولارين في اليوم للفرد الواحد، والأفدح هو انتظار الأخطر، فكل وصفة لصندوق النقد تنتهي في العادة بخصخصة كل شيء كما وقع في دول المخروط الجنوبي،فغلمان مدرسة شيكاغو الذين يسيرون صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يؤمنون ب«عقيدة الصدمة»، العقيدة التي لا تعرف الرحمة، عقيدة الغاب والخراب العابر للقارات، عقيدة الربح ولا شيء إلا الربح. هذا من جهة ،ومن جهة ثانية أظهرت ناحية الفساد الكثير من الفاسدين والعابثين بأموال الشعب وخيراته بمجالسنا التمثيلية التي كان من المفترض فيها تخفيف العبء على المواطن البسيط فتحولت هي إلى عبء حقيقي مضاف، وخلقت بعدها الكثير من المؤشرات المؤثرة على الواقع الذي يعيشه المواطن المسكين ، لتخلق أزمات متدفقة تتطاول يوما بعد يوم ،وتشكل خناقا واسعا في حناجر المواطنين ، يهدد باحتقان اجتماعي كما حدث بالريف و جرادة ..وتتوسع هذه الإشكاليات بأشكال مخيفة تهدّد بجعل مستقبل كثيرين جحيماً لا يطاق إذا لم تتدخل الدولة. ختاماً، يخطئ من يظن أن بإمكانه مواجهة شعب، كحكومتنا التي تمعن وتتفنن في إذلال الشعب عبر رفع الدعم عن المواد الأساسية وهو ما يعني تدهور حاد في مستوى المعيشة لدى غالبية الشعب ، وهو قرار ليس صائب فهي(أي الحكومة) تضع نفسها أمام مواجهة الشعب آخر الكلام: ما دخل صندوق النقد الدولي بلد إلاّ وخرّبه.