اذا كنا في المقال السابق قد تطرقنا للواقع الاجتماعي الهش وللسياسية البئيسة المعتمدة في مواجهته ،فأننا في هذا المقال سنتناول بالدرس والتحليل بنية الممارسة الاقتصادية وعلاقتها بخصوصية المنطقة، او ما يعرف بالحقوق الثقافية في علاقتها بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية .وكيف يمكن ان تكون هذه المقاربة مدخلا أساسيا لتحقيق التنمية الانسانية ؟ . ان تحليل وفهم ظاهرة الاحباط والتهميش الداخلي الذي تعيشه فئات عريضة من ساكنة بوجدور لن يتم بمعزل عن تتبع مسارات الفعل الاقتصادي بهذا الاقليم ،. ففي الوقت الذي كان من المنتظر ان تنعكس الثروات الطبيعية التي يتوفر عليها الاقليم على دورته الاقتصادية و ان تؤدي الى خلق سلاسل انتاجية منعشة للفعل الاقتصادي ومدعمة للدخل الفردي : خاصة في قطاعي الصيد البحري والفلاحة وتربية المواشي كقطاعين اساسين في علاقتهما بقطاعات اخرى مهمة مثل العقار والسكن ، والخدمات ... ظلت الدينامية الاقتصادية تعرف تدهورا نظرا انعدام الاستثمارات العمومية الداعمة لنمو ثقافة العمل والإنجاز، والمشجعةللاستثمار الأمثل للموارد البشرية بالشكل الذي يحقق المصلحة العامة. ان الحديث عن العنصر البشري يجرنا الى الحديث عن خصوصيات هذا العنصر الثقافية والاجتماعية ،ومنه الى الوقوف على ما يسمى الحقوق الثقافية او الرأسمال اللا مادي أي الخبرة التي لا تنضب فاغلب الساكنة الاصلية لبوجدور راكمت رصيدا وخبرة مهمة في مجال تربية المواشي" ف“الكساب” الذي يوجد وراء نوقه في ابعد نقطة في الصحراء، يملك من الخبرة ومن القدرة على التشخيص ما لا تملكه مكاتب الدراسات ،والتي وان كانت تملك "بروفيلا" تقنيا صرفا، فإنها لا تملك عمقا إنسانيا و تنمويا راكمه هذا الانسان في هذا المجال وما يحتاجه فقط هو تثمين ممارسته وربطها بالسوق بشكل تضامني يضمن له الاستفادة من القيمة المادية الحقيقية لمنتوجه ، وهو ما سينعكس بشكل مباشر على واقعه الاجتماعي ونظرته السيكولوجية لهذا الفعل الاقتصادي الذي تعتبره الغالبية من البدو ملاذ ا بعد ان لفظهم واقع المدينة البئيس .وهو امر يتطلب اولا توفير عنصر بشري مؤهل في مختلف مراحل انتاج هذا المنتوج, ففي الوقت الذي يعاني هذا القطاع خصاصا في اليد العاملة والتي في الغالب يتم استيراد ها من موريتانيا اومن بلاد افريقيا جنوب الصحراء، والتي تعرف عدم الاستقرار الشيء الذي يفرض تقنين هذه المهنة وضبطها بشكل يحمي" الكسابة" من الاستغلال. كما ان تثمين المنتوج من خلال التسويق الجيد له وحمايته من المستغلين بخلق سوق محلي للحوم الحمراء مهيكلة ومنظمة لتثمين المنتوج والحد من الوساطة و استغلال" الكسابة "الصغار ،وتهيئة واصلاح الابار القديمة واضافة ثقوب استغلالية جديدة وبناء سدود تلية للمحافظة على البيئة وتدعيم الفرشة المائية والعمل على النقص من اهتلاك المراعي مما سيمكن من ضمان استفادة حقيقة لهذه الفئة من قيمة منتوجها ، فالثروة الحيوانية والقاعدة البشرية والتقنية التي يتوفر عليه المجال الاقليمي لبوجدور في قطاع تربية المواشي (الابل:180000، الاغنام:70000 الماعز، 30000 ، ويد عاملة مهمة , واسطول كبير من السيارات... ) عوامل اذا تم الاشتغال عليها بشكل يضع "الكسابة " خاصة الصغار منهم في قلب السياسة العمومية للدولة بأجهزتها التنفيذية والمنتخبة . ستيكن دون شك من الارتقاء بهذه الحرفة وجعلها مصدرا للثروةالمستدامة. موضوع الصيد البحري يجرنا للحديث عن الخبرة التي راكمها الانسان المحلي في هذا المجال ، وعن مزاولة فئة عريضة من الساكنة الاصلية لنشاط معيشيي ارتبط بمنتوجات مجاليه بحرية ( الصيد التقليدي ، جمع الأعشاب الطحالب ... ) تجربة كان من المفترض تثمينها وتطويرها . وهنا نشير الى ان بداية ممارسة نشاط ا الصيد البحري بالإقليم كانت على يد العنصر البشري المحلي ، الذي استطاع ان يراكم خبرة في هذا المجال ،لكن هذه الخبرة لم تستثمر ولم يتم اعتمادها من اجل تمكين الاجيال اللاحقة من الاندماج في سوق الشغل بهذا القطاع ،وظلت اغلب اليد العاملة فئات وافدة من مدن الشمال ، الشي الذي جعل هذه الاجيال تعيش احباطا ويأسا وتظن ان العمل يأتي بالقوة وليس بالفعل( الشغل في قطاع الصيد البحري يخد طابعا احتجاجيا ) ، في قطاعغني وصلت ارقام معاملاته تقريبا سنة2016 حسب المكتبالوطنيللصيدالبحري 40 مليار سنتيم والتي تضم مداخيل الجماعات المحلية الثلاث ومداخيل الدولة ف( الخزينة العامة للمملكة ) ومداخيل المهنيين بكل اصنافهم ، كما يمكن ان نضيف لهذا الرقم قيمة معاملات وخدمات اخرى مرتبطة بالقطاع كالنقل واللوجستيك البحري الخاص.المواد الاولية الخاصة بصيد السمك – المحروقات ) .قطاع يوفر ايضا فرص عمل مباشرة و غير مباشرة(تفوق 9000شخص أ والمئات من المناصب الخاصة بالتفريغ ونقل القوارب بمجموعة من نقط الصيد و صناعة الثلوج الخ ).وضع تتسأل معه الاجيال الجديدة المتمردة على حياة البداوة من ابناء هذه الارض عن مصير هذه الثروة ؟ولماذا لا تنعكس على واقع هذا الاقليم البئيس ؟ امر يلزم اعادة الاعتبار للرأسمال البشري المحلي القار ، وضرورة الاستثمار فيه بشكل يمكنه من المشاركة في انتاج هذه الثروة وتطويرها عبر مختلف المراحل من خلال خلق الاستثمارات العمومية الهادفة في قطاع الصيد البحري ،وذلك بتشجيع التكوين خاصة بالنسبة للشباب غير المستهدف ببرامج التشغيل عن طريق تكوينه في مهن ترتبط بالصناعة البحرية وشبه البحرية ،ودعم المبادرة الحرة وتشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة واشراك القطاع الخاص في برامج لإدماج شباب المنطقة في سوق الشغل بالإضافةالى تأهيل البنية التحتية( توسيع الميناء والاسراع بتجزئة الشطر الثاني ،وبناء المراسى بقرى الصيادين ...) ان تهميش الانسان ونسيانه يعني قتل مورد مهم من موارد الثروة المستدامة ،والذي هو الرأسمال البشري . فإذا كان الرأسمال المادي(الأموال والعقارات…) قابلا للقياس و"التكميم "،فان الرأسمال غير المادي يرتبط أساسا بالقضايا المعنوية الفكرية غير القابلة للقياس من قبيل القيمة الإجمالية للفرد من خلال مردود يته في المجتمع. فالمقوم الاساسيلتقييم الوجود الحقيقي للإنسان هو مدى إحساسه بالكرامة وحقوقهالكاملة والانتماء الفعلي للوطن عبر الاستفادة من ثرواته.. بغض النظر عن نوعيتهاوتوزيعها بشكل ديمقراطي على أوسع الفئات الاجتماعية .