صحراء بريس / د.عبد الرحيم بوعيدة * ليست النخب التقليدية في الصحراء هي المسؤولة وحدها عن الوضع الكارثي الذي تعيشه هذه المناطق،لكن يبدوا أيضا أن فئة من المتعلمين و النخب الجديدة تساهم بدورها في إنتاج أو إعادة إنتاج نفس شروط هذه الأزمة التي تحدثنا عنها سابقا في مدينة كلميم و التي ليست في الواقع إلا نموذجا مصغرا لمجموعة من الأوضاع التي تعيشها الصحراء سواء المتنازع عليها بين المغرب و جبهة البوليساريو، أو الخارجة عن النزاع لكنها محكومة أيضا بقواعد نزاع من نوع آخر من طرف لوبيات و مافيات جديدة مسؤولة كل المسؤولية عن هذه الأوضاع التي تعسشها الساكنة. إن هذه النخب الجديدة المعول عليها في تغيير قواعد اللعب داخل الصحراء و الإنخراط في بلورة نقاش علمي و بناء حول الأولويات و راهنية أسئلة المرحلة،إنخرطت للأسف في تمييع النقاش حول صلب الموضوع الرئيسي المتعلق بالفساد الإقتصادي و السياسي و انتقلت من مناقشة الأفكار و الرؤى إلى مناقشة شخصية صاحب المقال و كأنه المسؤول عن هذه الأوضاع أو ساهم في بناءها شخصيا،إن النقد الموضوعي يقتضي من القارئ الدفع بعجلة النقاش نحو الأسئلة الحقيقية لواقع المرحلة و قراءتها بصورة علمية،لا محاسبة الآخر على إسم أو عائلة ينتمي إليها ،و يستقل عنها علميا و معرفيا،بل يستطيع تقديم نقد ذاتي شجاع عن المسؤولين الحقيقيين عن كل شيء دون إستثناء هدفه الأساسي هو المساهمة في بلورة تصور مستقبلي لمنطقة ينتمي إليها و ليس مطلوب منه المرابطة فيها لكي يكتب عنها لأن المكان يسكننا أحيانا أكثر مما نسكنه،و الصحراء التي تسكننا نكتب عنها منذ خمس سنوات بكل جرأة و موضوعية،لكن ثقافة و اقتصاد الريع الذي رسخه المغرب في هذه الصحراء هو الذي يصور للآخر أن من يكتب عن الصحراء يكتب عنها بدافع نفعي أو مصلحي للحصول على منصب في الداخلية أو للإستعداد للإنتخابات القادمة،هذا هو التصور السائد لدى البعض،لكن ينسى هذا البعض أن مهمة الباحث الجامعي و الأكاديمي هو المساهمة في طرح الأسئلة دون وضع الحلول و إثارة النقاش بكل استقلالية و جرأة بحكم وظيفته كأستاذ جامعي مستقل غير مقيد لا بأوامر الداخلية و لا بحسابات الإنتخابات. إن للمثقف خياراته و لرجل الدولة الذي لا نتمناه ضروراته التي تمنعه من الكتابة و الحديث بكل هذه الصراحة،الإنتخابات في الصحراء لها أهلها و أناسها الذين يعون تشعباتها و يملكون آلياتها المادية التي لا نملكها نحن،و لا يمكن لعاقل في ظل هكذا أوضاع داخل الصحراء أن يرضى لنفسه بشراء الذمم قصد الحصول على منصب لأننا بكل بساطة لا نملك امتيازات أو شركات أو صفقات نريد تحصينها بمقعد برلماني،فتشابه الأسماء لا يعني تشابه الأوضاع و على من ينتقد أن يتحرى الحقيقة كاملة و ليس نصفها و أن يقرأ التاريخ جيدا لأن العديد من الأسماء العلمية و الروائية التي ناضلت بالقلم خرجت أحيانا من رحم ثرواث و قصور و تمردت على واقع ساهم علمها و ثقافتها في صنع هذا التمرد،حتى و إن كانت المقارنة غير مستقيمة لأننا لم نخرج لا من قصر و لا حتى من ڤيلا،خرجنا من رحم معاناة إقتسمناها مع جميع أصدقاء الطفولة في قرية القصابي الصامدة،و كان بودنا أن نفتح نقاشا علميا نتردب عليه كأطر صحراوية تحترم الخصوصيات و تناقش الأفكار و الرؤى لا الأشخاص و الحسابات و الأسامي التي لسنا مسؤولين عنها،لكن يبدو أن جيوب المقاومة لازالت تحكم تفكيرنا و أن ثقافة الريع هي التي تتحكم حتى في رؤيتنا للمستقبل،و في نظرتنا للأمور و المغرب يدرك جيدا أن ليس من مصلحته تغيير قواعد اللعب و اللاعبين في الصحراء لأنهم يخدمون أجندته داخل الإقليم من لكويرة إلى كلميم،و أن ظهور طبقة مثقفة يعني أن منطق المحاسبة و التغيير و الشفافية سيسود و هو منطق تخشاه الدولة،لأن الديمقراطية هي آلية الحل داخل الصحراء،و على هذه النخب الجديدة التي ركبت جرارات و آلات أخرى في الصحراء أن لا تندفع وراء مصالح ضيقة،لسنا ضد أحد بعينه و لا نملك آليات المحاسبة لأي شخص لأن ذلك من اختصاص القضاء،لكن نملك قلما لا نريد منه سوى إظهار الحقيقة كاملة و محاسبة المسؤولين عن هذه الأوضاع،و لا نريد لهذا القلم أن ينخرط في البحث عن ظهائر تعيين أو مقاعد برلمانية أو بلدية في زمن دخل فيه هذا البرلمان أصحاب سوابق و شواهد إبتدائية مزورة.