محمد الوحداني، منسق السكرتارية المحلية لسيدي إيفني وأيت باعمران، وأحد معتقلي أحداث سيدي إيفني ، ورئيس المجلس البلدي لمدينة سيدي إيفني، عن الحزب الإشتراكي قبل اعتقاله .:
أسندت ظهري على الهيكل الحديدي البارد لسيارة الأمن،كان الجو قارسا تلك الأيام،أحسستني أسدا جريحا و مقيدا،كنت متعبا من قلة النوم،و كثرة السفر،أحسست لحظتها بتعب عقدين من الزمن يرخي علي بكلكله.كما أحسست بسكين الغدر يطعنني مرة أخرى من حيث لا أحتسب!جلت بنظري في محيط القفص الذي أوجد فيه وحدي مقيدا …. و إن كان معي رجل أمن!فهو معهم و ليس معي …. رأيت كاميرا مراقبة أعلى الباب المغلق،كانت صغيرة و دقيقة،تحتل مساحة لا تكاد تظهر،مصوبة ناحيتي!شاشتها توجد في الأمام بجانب مرافق سائق الناقلة،و صافرة الإنذار مازالت مستمرة في عويلها المزعج،إنها المسطرة!هذا ماقاله السائق!كنت أسترق النظر مرات الى الخارج من خلال النافذة الأمامية،و أتذكر مئات المرات التي قطعت هاته الطريق حرا،كنت حينها سائق سبيلي الحر،أما الآن فأنا مصفد يد واحدة كبهيمة مربوطة من رجلها،يجرها جزار الى مذبح الخيانة كي يسفك دمها قربانا لشيطان يرتب تفاصيل حكمه كي يبايعه المتأمرون و الخونة و السراق و البغاة و كل ذي إفك مبين ….. السيارة تأكل الطريق في ذلك الليل البهيم مسرعة و كأنهم يريدون أن يتخلصوا مني باقصى مايمكنهم،لمرتين كنا على وشك أن نقوم بحادثة،في المرة الثانية صرخنا على السائق أربعتنا،و نهرناه،كانت سياقته خرقاء …. دخلنا مدينة تزنيت،سألني السائق عن الطريق التي يمكننا أن نستعملها،في ذلك العام 2014،و نتيجة التساقطات المطرية المهولة التي عرفها المغرب،و خصوصا في المناطق الجنوبية،فأن أرواحا كثيرة أزهقت،و العديد من الطرق و القناطر إنهارت،فتعذر الوصول الى كثير من الأماكن و القرى و المدن في جهات الصحراء،و خصوصا في أقاليم إفني و كلميم و طانطان. أجبته:طريق إفني عبر أربعاء الساحل،كل قناطرها منهارة.فأجابني:أعلم ذلك،و لذلك أسألك!توجهت إليه:خذ طريق أكلو،و من خلاله سنعبر الى ميراللفت،قنطرة الشيخ سيدي محمد بن عبلا،رمموها بالتراب!و أتمنى من الله أن لا يكون البحر أو مياه الفيضانات قد دمراها ثانية.إتجهنا صوب طريق أكلو … غفوت قليلا فقد كنت بالغ التعب،و إستسلمت لقدري …. آخر ما أتذكره هو حينما تجاوزنا قنطرة أولى في مدخل جماعة أكلو.سمعت مابين النوم و اليقظة حوارا أو بعضه!و إستيقظت هالعا،كنت مشوشا،السيارة واقفة في طريق ما،و الليل الحالك الشتائي يلف الفضاء،و البوليس يتناقشون بينهم:تجلينا،و صاحبي انت مامخالط هاد الطريق و جاي سايق بنا،لاش دخلتي مع هاد لابيست؟!! (طريق غير معبدة ) حينها إستيقظت،حاولت النظر لكن سواد الليل حال دون أن أتبين ما يحيط بنا!في تلك اللحظات،تبادرت الى ذهني أفكار سوداء،فبدأت أتوهم أشياء من قبيل،ماذا لو تمت تصفيتي في هذا المكان؟و لماذا لم يقوموا بإعطائي الهاتف كي أتصل بعائلتي و أبلغهم باعتقالي كما يكفل لي القانون!هل حرموني من ذلك كي تتم تصفيتي هنا بعيدا و في مكان قصي؟و زاد من شكوكي حينما قلت لنفسي:ماذا لو لم يصل خبر إعتقالي الى أهلي و الى باقي الناس؟في تلك اللحظات القاسية،و على أضواء السيارة ظهرت لي شجرة أركان عملاقة،قلت ماذا لو علقوني مشنوقا على أغصانها و قالوا بعدها:الوحداني إنتحر!و أفاقني من هذه الكوابيس صوت بوليسي:و اسي الوحداني را تجلينا،شوف معنا الله يجازيك فين كاينا الطريق؟حينها عدت الى ثباتي و قلت للسائق أخرج بنا من هاد لابيست و أدخل بنا الى الطريق المعبدة و بعدها سنرى!قطعنا مسافة طويلة،كان السائق قد دخل بنا الى دواير أكلو،و حين وصولنا الى إحداها تعرفت عليها جيدا فقد كنت أزورها مع صديق لي إسمه ابراهيم،حيث كان يسكنها لمدة مع أبنائه و زوجته الثالثة التي تزوجها من غير علم زوجتيه القاطنتين بفرنسا،كان الدوار قريبا من مقر جماعة أكلو،و حينما وصلنا الى هناك إكتشف السائق الطريق السالكة. تأذت الطريق كثيرا،تساقطت أجزاء منها،و قناطر كثيرة خصوصا تلك التي بنيت في عهد الحكومات المغربية تهاوت مثل السراب،أما قناطر الحماية الفرنسية (منطقة ميراللفت كانت تابعة للنفوذ الفرنسي)و الحماية الإسبانية فقد قاومت الفيضانات،قنطرة افني التي بنيت لمرات بعد خروج اسبانيا عام 1969 انمحت نهائيا من الوجود،أما قنطرة اسبانيا بمحاذاة ملعب سما راسو التي بنيت منذ الأربعينيات فانها ظلت صامدة أمام فيضان 1986 و فيضان 2009 و فيضان 2014،و منها مرت سيارتنا الى كوميسارية إفني،كانت هذه القنطرة هي صلة الوصل الوحيدة التي ظلت تربط افني بالعالم!كانت تسبقنا سيارة أمن تابعة للمنطقة الإقليمية لسيدي إفني،كان يسوقها العميد الرئيسي طارق،إفني كانت في أسوء حال الفيضان أحالها الى مدينة مدمرة و منكوبة،مارأيته من خلال النافذة الأمامية،إغرورقت له روحي قبل عيني!كنت أحس إفني متعبة مثلي،مجروحة أكثر مني،نال منها الغدر و المكر و غضب الطبيعة مثل ما أنا تلك اللحظات.قال لي مرافقي الآن من فضلك،يجب أن ندخل الى الكوميسارية و أنت مصفد اليدين!لخبار فراسك.حينها أحسست أن بعض بوليس إفني طرف في مؤامرة ما ضدي، أدخلوني الى داخل كوميسارية افني،هذه البناية الباردة روحا و شكلا؛الجديدة بناءا،كانت قبل سنوات مثل كثير من بنايات الإسبان بافني؛ذات شكل معماري موريسكي أنيق،منسجمة مع محيطها العام؛حتى المركب السجني التابع لها كان بأبراجه و شكل نوافذه و بواباته الجميلة و هندسته،يحمل بصمات إفني!حتى الكوميسارية و الكوارتيل (مكان سجن الحراسة النظرية و التعذيب)كان يشبهنا… أما الآن و بعد تدميرهما معا،بنيت مجرد أعمدة مسلحة…تم تسليمي لبوليس افني أخيرا.ودعني رجال الأمن القادمون بي من أكادير و انصرفوا بعد أن حرروني من قيد أصفاد أكادير و بدأت معالم مؤامرة ثانية تنسج داخل أسوار كوميسارية إفني!جلست أمام العميد،كان مطروحا على مكتبه حليب و بعض بسكويت،قلت له:السي طارق قبل من بداية هاد التحقيق الطويل!غادي نمشي نغسل ايدي و من بعد غادي نرجع ناكل هاد طانغو و نشرب هاد لحليب-كنت جوعانا لم أكل شيئا ذلك اليوم؛و لدي عادات أكل غير منتظم؛و كنت أتغدى أغلب الأوقات نهاية اليوم-و ضروري نتصل مع عائلتي باش نخبارهوم بانني اعتقلت را مافراسهوم والو!فقال لي العميد و هو يبتسم:مافراسهوم والو؟المغرب كامل فراسو را خبارك نقلتها كل المواقع و صفحات الفايس!على أي تعشا واخا لعشا على قد الحال؛و غادي تتصل إتصال واحد اللي كيرخص لك القانون لا غير. عدت،و طلبت أن أجري اتصالي؛كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل،كان قد التحق بنا عميد أخر ناداه العميد طارق بالمسعودي،كنت اعرف الإسم و قد عزيته في صفحتي بالفايس بووك في وفاة بعض أفراد عائلته ضحايا فيضانات كلميم،لكني لا أعرفه شخصيا،قال لي ماهو الرقم الذي ستطلبه؟فكرت قليلا،لم أستحمل أن أتصل بأبي لن أستطيع أن أنقل إليه خبرا مثل خبر إعتقالي؛و هو المسن الخارج حديثا من أمراض و عمليات،قلت للعميد المسعودي:ساتصل بأخي،و قبل أن أتم كلامي:شكون واش جمال؟نظرت اليه بتساؤل:ما فهمت واش انا قلت جمال؟!! إبتسم و قال:لا عادي غير حيث جمال مع عضو تاع المجلس الجهوي تاع حقوق الإنسان و مرارا كيجي هنا حول ملفات تاع المواطنين و الشكايات تاعهوم و هو را نائب رئيس تاع البلدية يعني كنعرفوه أكثر.أجبته:ها الرقم تاع خويا عزيز عضو المركز المغربي لحقوق الإنسان!سلمته الرقم الذي كتبته على قطعة من ورقة سلمني إياها. أخدني الى مكتب أخر به هاتف ثابت،ركب الرقم و سلمني سماعة التليفون،رن الهاتف مرتين. المكالمة… صوت أخي عزيز:الو . محمد:مرحبا أبا عزيز… عزيز و صوته به بحة تأثر و دمع يقاومه:مرحبا خويا،حنا كل شئ بخير و با و مي را بخير غير أنت كون بخير أخويا واش نجي… محمد:و زربتي عليا هههه.شوف جيب ليا شي مانطة و وسادة و شي ماناكل و قل لبايا و ميا أنا بخير و حامد الله الى غار صبروا هوما أنا الحبس ماعندي فيه كسار؛في تلك اللحظة أشار علي الكوميسير المسعودي بإنهاء المكالمة!و دعت خويا عزيز،على موعد اللقاء به بعد قليل. رجعت قافلا الى مكتب الشرطة القضائية بمعية الكومسير.وجدنا الكوميسير طارق جالسا يحمل حزمة أوراق بين يديه.قال لي:عتق بعدا بين ما نوجد انا هاد الضوصي.شققت علبة حليب سنترال بأطراف أنيابي و فتحت بسكويت طانغو بأطراف أظافري و بدأت أشرب جرعات الحليب و أقضم البسكويت.أين كنت و أين أنا الآن بفضل مؤامرة بوليد و آخرين لا محالة أني أعرف بعضهم و البعض الأخر سيكشفه الزمن و البعض الأخر سيمكر الله بهم،كما مكروا بي،و الله خير الماكرين! انهيت إفتراس مابدأت أكله،خرج العميد طارق بعد إتصال أحدهم به على هاتفه الجوال!تأخر قليلا مر أكثر من 15 دقيقة!كان الكومسير المسعودي جالسا على كرسي ماقبل التحقيق الذي كان يتناوب عليه هو و زميله طارق!. الكومسير المسعودي:آش غادي نقول آ الرايس،انت مايقد الواحد يفهم فيك وااالو،يلاه كنقولو صافي را الوحداني هداه الله و داها فراسو و هنانا منو،كتطلع لينا بشي عجب!أنا عييت مانحلل في التقارير،انت شريف و خلاص لوقت اللي كتطلع كتدير أمارش و كتريب كاع الإحتمالات اللي كانديروا … محمد الوحداني:أنا بسيط جدا.مواطن بغا هاد الوطن يكون وطن تاع الكرامة و تاع المعقول و تاع الديمقراطية و حقوق وواجبات يحترمها الجميع.التقارير المغلوطة اللي كتوجه من مستنقعات المصالح و الأطماع هي اللي خرجت على هاد البلاد.لو كان المعقول اكون كاع مايموتو العائلة تاعك الله يرحمهوم ضحية تاع شوية تاع الشتا،اكون كان المعقول و المحاسبة كاع مايفيض الما من السد تاع افني،و زيد و زيد …. قاطعني الكومسير المسعودي:الأسرة تاعي الله يرحمهوم ماتوا لأن الأجل تاعهوم انتهى! محمد الوحداني:هي نمشي انا دابا و نقتل شي واحد،و تقول ليا:إنتهى الأجل تاعو!هذا منطق غريب.الجريمة ممكن تكون بسبب مباشر باستعمال سلاح او بسبب اختلاس و سرقة المال العام،واحد بنى عمارة او طريق او سد او قنطرة و سرق و نهب من الميزانية تاعها و ماتوا الناس يجب ان يحاسب. دخل الكومسير طارق و نهض الكومسير المسعودي،و بدأ التحقيق: وضع كومة من الأوراق،أمامنا و قال لي هذه تصريحات المتابعين الأخرين،الذين تمت محاكمتهم منذ أكثر من شهر و صدرت في حقهم أحكام بالبراءة و السجن،على أي التحقيق سيكون سريعا،مجرد أسئلة و ننتهي،غار عطلتي راسك و عطلتينا،أكون قدمت راسك من الأول كاع من تكون شي مذكرة بحث او تقديم بهاد الطريقة ! محمد الوحداني:السبد العميد،على ماأظن أنا ماشي أمي،و قاري واحد شوية!و في نفس الوقت انتم تعرفون بانني ماشي أول مرة يتم الإستماع الي،فقد تم الإستماع لي و تقديمي في حالة اعتقال أكثر من مرة،و عندي تجربة فهاد المجال!منذ 2005 و انا داخل خارج مرة اعتقال مرة تقديم مرة سجن،واه أنا فوق شهر من وقوع أحداث نوفمبر 2014 و انا كنضور حداكوم هنا في افني و يوميا اما كنتغدى او كندير كسكروط في المقهى المقابل للكوميسارية،و تم اعتقال مايقارب العشرة،و محاكمتهم،و معمر شي حد سول فيا،او توصلت بشي استدعاء،و الى حد الآن أنا ماتوصلت بشي استدعاء،جيتوا واحد النهار بعد صدور الاحكام و بعد مدة و سولتو فيا فالدار و مشيتو …. قاطعني الكومسير طارق:هناك إجراءات آ الرايس،نحن ننفذ تعليمات النيابة العامة،و حتى دابا هوما اللي جابوك! محمد الوحداني:صحيح،أنا أعرف جيدا لماذا تم تحريك الملف في هذه المرحلة،و لماذا الآن و خصوصا بعد تحركاتي وطنيا و دوليا في ملفين،خصوصا ملف اعتبار إقليم إفني منطقة منكوبة و تنسيقي مع ابناء المنطقة عبر العالم لفضح ماوقع هنا،و ملف الحكم الذاتي.هنا قاطعني الكومسير طارق بصرامة.قائلا: إسمك و أسم أمك و أبيك و تاريخ إزديادك و باقي معلوماتك؟ في هذه اللحظة،و في هذه اللحظة بالضبط،أحسست بأنني وضعت رجلي الثانية داخل سور السجن.القدم الأولى وضع فخها بوليد المتأمر ضدي من خلال توظيفه كاعلامي باعمراني وثقت به،قدم خدمة للوبيات إنتخابية،تعرف جيدا أنني لن أتركها ترسم كما تريد خريطة إنتخابات 2015 و 2016،وفقا لمصالحها الفاسدة،لأنها تيقنت من أنني منافسها القوي و العنيد!و نال المتامر جزاء ذلك،رئاسة لم يحلم بها أبدا و هو الذي ترشح من قبل و لم يستطع حتى تحصيل مجرد مقعد في أحد افقر الجماعات القروية في العالم!و هاهو الفخ الثاني يجر قدمي الثانية،خدمة للوبيات أزعجها تحركي وطنيا و دوليا في ملفات حارقة و ساخنة….كنت مطلوبا من كبار صناع الخرائط الإنتخابية،و من بعض صناع القرار الأمني …. يتبع