باسم الله الرحمن الرحيم عندما قرأت مقال الدكتور الريسوني حول الاساتذة المتدربين تحت عنوان : (أبناؤنا و أساتذة الغد...؟ ) الذي نشره على الموقع الالكتروني لحركة التوحيد والاصلاح يوم 15 ابريل 2016 ، أحسست بحيرة كبيرة ، كيف لشيخنا ان يتعرض لآلاف من الاساتذة بهذه الطريقة التي تحمل قدرا كبيرا من الاهانة (المس بأشخاصهم ومؤهلاتهم وقيمهم) ، و يعمم بهذه السهولة ، و هو الذي تعلمنا منه الحدر و البينة ، وترتيب الامور في درجاتها المتفاوتة ، سواء كانت حسنة أو سيئة . فأخدت قرارا بكتابة مقال ابسط فيه ملاحظاتي حول ما جاء في مقال الدكتور . واني إذ أبدي ملاحظاتي في الموضوع ، فإني أوكد ابتداء احترامي لشخص كاتبه ومكانته ، واني ما قصدت منه الا المساهمة في التصحيح والتسديد . فلربما أثير انتباهه بكل هدوء و احترام و حسن نية ، الى أمر عظيم غفل عنه ، وهو العالم الكبير المعروف . وان مما دفعني الى ذلك ، هو محبتي للحق أولا ، ولوطني ثانيا ، و لأهل العلم ثالتا واعتزازي بهم ، فكم تعلمنا منهم واستنرنا بعلمهم . وقد شجعني لبسط رأيي هذا ، ما تزخر به حضارتنا من سير سلفنا الصالح في قول الحق دون خجل أو خوف ، وقبولهم النصيحة بكل تواضع و محبة ، نصرة للحق لا غير ، لا لشخص ولا فئة و لا نفس . فلا خير فينا ان لم نقلها ، ولو في حق عالم بمستوى الدكتور الريسوني ، اذ لا أحد منزه ، مع استحضاري ما يلزم من اللياقة والادب و الاحترام مع المشايخ والعلماء . كما استحضر في هذا المقام موقفا رائعا لسيدنا عمر بن عبد العزيز ، فقد كان له مستشار خاص ، اسمه عمر بن مهاجر، قال له : يا عمر بن مهاجر ،إذا رأيتني ضللت - أي اخطأت - فخد بمجامع ثيابي ، وهزني هزا عنيفا وقل لي : اتق الله يا عمر ، فإنك ستموت . وهذا ما ينقصنا للأسف اليوم ، في عدد من مواقع المسؤولية المتفاوتة الدرجات . واني أخشى ان يكون الريسوني قد ظلم أحدا من الاساتذة المتدربين بوصفه بما ليس فيه. وانه بلا شك لا بد فيهم رجل لا ينطبق عليه ما وصفهم به. ففيهم الصالح والطالح كعموم الناس ، فيهم المجتهد والنشيط ، وفيهم ذو المبادئ و المسؤولية والمواطنة.. فهل منا من يقدر على مظلمة أحد ، غدا يوم يكون المرؤ احوج الى حسنة واحدة تدفع عنه سيئة ؟! لكل هذا استسمح العالم الجليل الريسوني ، لبسط ملاحظاتي حول مقاله ، فإن كان فيه ما يدفعه لمراجعة موقفه ، فهو أهل لذلك ، وان رأى فيه - أو رآه غيره – ما يسيء اليه ، فليس من قصدي . ان اول ملاحظة اشير اليها في هذا الصدد ، واستغربت لها كثيرا ، هي غياب أي رد على مقال الريسوني من طرف أحد من اخوانه في حركة التوحيد والاصلاح أو حزب العدالة والتنمية ، رغم ان هناك عدد كبير ممن لا يوافقونه الرأي في مضمون مقاله ، لكن أحدا لم يجرؤ على الرد ! ولو تحدث احدهم لأعفاني عن الحديث .. فمتى شرع لنا ديننا تعظيم الافراد الى هذا الحد ، والسكوت عن ابداء الرأي إذا أخطأوا ؟! ان موقف الدكتور احمد الريسوني حول الاساتذة المتدربين ، في جزء كبير منه غير موفق ، فقد حكم جماعيا على عشرة الاف استاذ بعدم اهليتهم ، ونعتهم بأوصاف لا تليق بهم ، فقد وصفهم ( باحتراف الغوغائية و الفوضوية ) ، وتحدث بعاطفية كبيرة ادت به الى السقوط في العموميات و مجانبة الحكم بالعدل ، بوصفهم ( عاطلين عن المبادئ و المسؤولية و روح المواطنة ) ! حكمه عليهم بعدم الاهلية التربوية ، يستلزم تقويما من طرف لجنة مختصة و بشكل فردي . فقد قال انهم مجموعة من ( الكسالى الخاملين) ، رغم انهم نجحوا في امتحان الدخول الى المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين ، والقاعدة في المغرب الى الامس القريب ان النجاح في هذا الامتحان يساوي التخرج باطار استاذ متدرب شرط النجاح في امتحان التخرج ، ويبقى التكوين داخل المركز عبارة عن اعداد نسبي لهؤلاء الاساتذة ، بإعطائهم بعض المبادئ الاساسية و المقاربات التربوية للفعل التربوي ، و الاليات الممارساتية الضرورية لبداية مشوارهم التدريسي الذي يعتبر المحطة الحقيقية للتكوين و التأهيل الذاتيين والتعلم مدى الحياة . فالممارسة اليومية في الفصل والبحث خارجه ، هو الذي يطور الفعل التدريسي و التربوي للأستاذ. كما نسي الاخ الريسوني ان قطاع التعليم يعج بالآلاف ممن تخرجوا مباشرة من مراكز التكوين دون اجتياز المباراة المحدثة هذا الموسم ، إضافة الى أفواج بالآلاف كذلك ، اندمجوا مباشرة في اسلاك الوظيفة العمومية و قطاع التعليم مند التسعينات الى الان ، في حملات للتوظيف المباشر دون تكوين حتى!! و رغم ذلك ساهموا جميعا في بناء هذا الوطن كل من موقعه ، و في تكوين وتربية اجيال من ابناء الشعب ، وتخرجت على ايديهم اطر عليا للوطن في كل المجالات . فما موقع هؤلاء كذلك ؟ أضمن الكسالى و الخاملين ؟! ß النتيجة : وقع الاخ الدكتور الريسوني في تعميم في غير محله . كما عاب عليهم الدكتور نضالهم ، واستغرب كيف سيتعامل معهم المديرون والتلاميذ ، وكأن النضال جريمة ، يستوجب حرمان كل من مارسه ، من التمتع بحقه الدستوري في ولوج الوظيفة التي يختارها ، ان توفرت فيه الشروط المحددة لها بدون تمييز او اقصاء. وكأن عالمنا نسي ان جل الاساتذة وجل مسؤولي الاحزاب ، بمن فيهم حزب العدالة و التنمية ، مارسوا النضال في الجامعة وفي الشارع ، و منهم من لا زال يمارسه في القطاع الذي ينتمي اليه الى الان ، اتفقنا ام اختلفنا معه ، وفي بعض الاحيان أكثر حدة من نضالات الاساتذة المتدربين . كما ابدى الاخ الريسوني تخوفه من ان يدرسوا ابناءنا ، وما يحمله ذلك من اسقاط لأهليتهم وعدم احقيتهم في ممارسة مهنة التدريس ، حين شدد بقوله :( لو علمت أن أحد أحفادي سيكون في قسم يُدرّسه ويحكمه أحد هؤلاء، لبادرت إلى نقله وتخليصه منه بأي ثمن) . وانطلاقا من هذا القول ، ونحن نستحضر منزلة عالمنا ، فيلزم الدولة طردهم جميعا اذا اخدنا ورجحنا حكم و رأي عالم الفقه المقاصدي ، خدمة لمصلحة الامة ، والا فإننا نكون قد سكتنا عن مفسدة عظمى ، وساهمنا في (خراب) للوطن كبير !!على حد تعبيره . و ان كنت اعلم يقينا انه لا يمكن ان نأخذ كل كلام او موقف اتخذه الدكتور محمل الحكم المطلق ، اولا لأنه بشر يؤخذ من قوله و يرد ، و ثانيا لأنه يخص مجالا ليس من ضمن تخصصه المعروف له كعالم مقاصد الشريعة . و رغم ذلك ، فإن مكانته كعالم ، تجعل مثل هذه الخرجات بهذه الحدة ، أمرا غير مقبول ، ومحير لكل متتبع لملف الاساتذة المتدربين ، من كل الاتجاهات والاطراف. ان هؤلاء الذين وصفتهم بهذه الصفات سيدي الريسوني ، اساتذة اكفاء بكل المقاييس ، القانونية والشرعية والاخلاقية والواقعية . وهم من خيرة ما جاد به الوطن من مجازين و دكاترة في تخصصات متعددة ، و منهم من مارس مهنة التدريس في القطاع الخاص لسنوات ، و يشرفني شخصيا ان يتتلمذ على ايديهم ابنائي او أحفادي . كيف نسمح لأنفسنا فجأة بسبب موقفهم من مرسومين وزاريين ، ودخولهما في أشكال نضالية - وصفت للأسف من بعض المخالفين بالغوغائية ومنهم د.الريسوني - أن نسقط عنهم كل تلك المؤهلات والقدرات والمكانة العلمية ، التي أكدتها نتائج المباراة التي اجتازوها و الشواهد التي حصلوا عليها ؟! اين المنهج العلمي في الحكم على الافراد والاستنباط والتعميم؟! بالعكس ، من وجهة نظري المتواضعة ، ارى انهم زادوا تكوينا في الحياة و النضال و الاتحاد والصبر والتحاور والمراجعة ، و حتى التنازل لما اقتضتها الظروف والضرورة ، من اجل مصلحة الوطن و مصلحة المجموعة ، ولا عيب في ذلك في اطار سنة التدافع . تحية لهم على هذه الملحمة ، وانشاء الله سيكونون احسن من جيلنا نحن الاساتذة الممارسين الان ، ولا شك عندي في ذلك ، تفاؤلا مني بمنطق تطور التاريخ ، و تراكم المعرفة والتجربة الانسانيتين ، وباتجاه مسار اصلاح منظومتنا التربوية عموما . فإنشاء الله سيكونون خير سلف لخير خلف ، املنا فيهم بعد الله كبير . الشكر موصول لكل من ساهم في حلحلة هذا الملف، لتنتصر الحكمة والمصلحة العليا للبلاد . فدعونا نفرح مع هذا الوطن في هذه اللحظة التاريخية ، التي ساهمت اطراف عدة في رسم ملامحها ، فقد كدنا أن تخسر الامة في جيل من ابنائها بدون اساتذة لموسم كامل ، لولا ان الله سلم و يسر اسباب الحل . ارجوكم يا ابناء الوطن الواحد، و يا نخبته ، اتركوا صفة الاختلاف التي فطر الله سبحانه وتعالى الناس عليها ، تظهر لنا محاسن الامور في من نخالف .. وكفى من وأد الاختلاف ، وتحقير المخالف واهانته ، فقد ضقنا درعا بالنمطية واستنساخ المواقف وردود الافعال.. وفي الاخير اتمنى ان يراجع الدكتور الريسوني موقفه بنظره وعلمه ، تحريا للإنصاف والعدل ،، وينشره كما نشر مقاله الأول ، فهو اهل المراجعة والتسديد ، و من اهل العلم والتواضع . فقد أهان أحبة لنا في اسرة التعليم ، واحبط عزائم و ونكس سواعد لنا في مهنة التربية و التعليم . فالأمة تحتاج في هذه اللحظة من عموم المواطنين وخاصتهم ، فضلا عن النخبة ، الى توجيه الجهود نحو البناء والتسديد واستدراك ما فات ، ومن العلماء والدعاة خصوصا اصلاح القلوب ، و تهدئة الاجواء ، واطفاء الفتنة والنعرات . بيد ان عالمنا بموقفه هذا ، اختار ركنا ضيقا محدودا ما احببنا ان نجده فيه ! فقد اردناه للجميع ابا وأخا ، مواسيا رحيما حليما ، واردناه للجميع مربيا و موجها و محفزا...واردناه للوطن رزينا متسامحا و مقربا ، مستمسكا بما يجمع مجانبا ما يفرق ، خاصة ان الملف وجد اخيرا طريقه للحل والحمد لله . وآخر كلامي ان ، حفظ الله بلدنا و ادام استقراره ، وقوى أواصر المحبة والتعاون والتسامح بين افراد شعبه ، وجعل من سمة التنوع التي يتميز بها في روافده المختلفة ، مصدرا للإغناء لما يخدم المصلحة العليا للوطن و المواطنين . والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل .