بقلم : ذ عبد العزيز والمكصور في الجزأين الاول والتاني تم التطرق الى أهمية وكيفية بلورة رؤية تغييرية جديدة و مجددة بمسارات متنوعة ومتكاملة ، تأخذ بعين الاعتبار العناصر الثلاثة لعملية التغيير: الأهداف والامكانيات والفرص المتاحة . وكذا أهمية دور المشرف الذي يتحمل مسؤولية كبيرة في بناء وبلورة هذا التصور . في هذا الجزء الاخير سأتمم في مقاربة موجزة لدور المشرف ، ببسط للكيفية التي يمكنه بها ان يلعب دورا حاسما في قيادة رشيدة للفعل الاشرافي والتربوي ، مركزا على بعض المواصفات الضرورية لكل اشراف ماهر ، والتي على كل مشرف وقائد أن يسعى جادا لاكتسابها ، كي يستطيع أن يقود بيسر وهدوء وثقة قاطرة التغيير في مؤسسته نحو تحقيق أهدافها المسطرة . صحيح أن سمات و مواصفات القائد الناجح كثيرة ومتنوعة ، لكن سأقتصر في هذا المقال على تلات صفات أساسية ، ذات أثر بالغ ، وحاسمة في الفعل الاشرافي للمسؤول ، دون أن يعني ذلك الغاء لأهمية باقي الصفات . 1- المبادرة : لابد أن يكون المدير والقائد والمشرف مبادرا ، قادرا قبل غيره على بلورة رؤية مستقبلية واضحة لديه ، يسعى لتطويرها من خلال مبادرات أعضاء فريقه أو عموم أعضاء مؤسسته ، كما يكون مبادرا في تصور خطة عمل لها ، ويشارك قبل غيره في إحداث التغيير المنشود، من خلال تنزيل الرؤية و متابعة مراحلها حتى آخر محطة . اد لا يعقل ان ننتظر من قائد ، ان يدفع فريقه للعطاء والنشاط والابداع ، والابتكار للتصورات والحلول ، وهو غير مبادر ، خامل ، سلبي ، لا مبالي بتطور الأحداث في مؤسسته ، وغير مهتم بمستقبلها . 2- التواصل : وهي صفة لازمة لأي عمل مؤسساتي ، إذ لابد أن يكون المشرف ممتلكا لمهارة التواصل مع الآخرين ، مرؤوسين أو شركاء أو مستفيدين ، ويكون قادرا على تنميتها داخل مؤسسته ، بتوفيره أجواء الحوار و تبادل الآراء ، و مناقشتها بعلمية وموضوعية ، قصد بلورة التصورات و تعديلها . ولعل أهم ما يؤشر على جودة التواصل لدى الفرد ، هو مدى قدرته على الإنصات و استيعاب مختلف الأفكار المطروحة ، سواء ممن يشاركونه الرأي أو ممن يخالفونه ، و النظر فيها بما يلزم من اهتمام و انتباه و تركيز و فهم ، وتقدير للأفكار وأصحابها بعيدا عن هاجس المنافسة والمغالبة . والقائد الناجح هو الذي يتقن فن الإنصات بهذا المفهوم الشامل المتكامل . 3- القدوة : بحيث يكون المشرف قدوة لكل العاملين بالمؤسسة ، في بدله و عطاءه وتفكيره و إبداعه ووسع خياله ، مما يؤكد لهم إمكانية التغيير، ويستميلهم للانخراط في أنشطة المؤسسة، ويحفزهم على العطاء ، ويضاعف من انتاجيتهم في الادوار التي يقومون بها . فلا يعقل أن يدعو المشرف او القائد المنتسبين الى مؤسسته للعطاء في حين يركن هو للراحة !! أو يطرح أفكارا لا تتجاوز حنجرته ، ولا يعتقد جدواها في نفسه !! أو يرفع شعارات كالحوار والديمقراطية و المساوات ، أو من قبيل الحرص على انتقاء وتكوين وتأهيل القيادات الشابة ، في حين تصرفاته تشيء بنقيض ذلك كله . كيف يمكن اكتساب هذه الصفات ؟ صحيح أن هناك من القادة من يولدون ولديهم موهبة فطرية للقيادة ، الا انها فئة قليلة من الناس ، بيد أن القيادة فن يمكن اكتسابه وصقله بالتعلم و الممارسة والتمرين . وما يلزم فقط هي الرغبة و العزيمة ، رغبة في العطاء و أخد زمام المبادرة ، وعزيمة وإصرار على التحدي والمواصلة . لا ان يبقى منصب الإشراف أو المدير أو القائد هدفا يراد من وراءه التشريف فحسب، وينسى الفرد اقترانه بالتكليف و المسؤولية والمحاسبة . لذلك لا نستغرب أن يركن البعض من المشرفين والمديرين الى الراحة والخمول ، لان ما أراده هؤلاء من بلوغ المنصب قد تحقق لهم ، في حين أن الإشراف والتسيير بمختلف أنواعه ، مجال واسع للتغيير و التطوير و ترك الأثر بعد الرحيل . إن الانطباع بعدم وجود طموح واضح عند بعض المشرفين و المسيرين والمديرين ، لتطوير مؤسساتهم وتجاوز العوائق التي تعترض تحقيق أهدافها ، يكون السبب الأكبر في فقد الكثير منهم لمهارات القيادة ، وعدم سعيهم لاكتسابها ، وبالتالي تردي أداء مؤسساتهم وإن توفرت لها امكانيات مهمة و أتيحت لها فرص ثمينة. يقول جاينس روبينسون و جيمس روبينسون في كتابهما " التغيير أدوات تحويل الافكار الى نتائج" :( تبدأ شرارة التغيير من المدير نفسه، اي بك انت، وهذا معناه انك مطالب بالتفكير وتقييم قدراتك ومهاراتك ، ونقاط قوتك وسلبياتك ، وأيضا التفكير في القوى التي ستعمل معك وتوفر لك الدعم وتشاركك في تجربة وتقييم أفكارك المبدئية التي تطرحها عن التغيير ) . و الشرارة لا يمكن أن تنبعت الا من بطارية مشحونة ، ومهما بلغت درجة شحن هذه البطارية ، فأنها قابلة للنفاد مع طول مدة العمل ، وهي كذلك قابلة لعدم الصلاحية بالتقادم ! وهنا من حقنا أن نطرح تساؤلا مشروعا : الى أي حد هناك برامج حقيقية ودورات لاكتساب هذه الصفات اللازمة لكل اشراف فعال ، وتطويرها وتحديثها بما يناسب تطور المجتمع ، وتناسل الاكراهات والمشاكل داخله؟! وهل توفر مؤسسات الدولة والمجتمع المدني مثل هذه الفرص والبرامج للتكوين والتجديد بالكيف و الكم الذي يفي بالطلب ؟! الجواب للأسف لازال بالنفي ، الا اذا استثنينا بعض الحالات المعدودة ، والتي تكون موسمية أو موجهة في بعض الاحيان للاستهلاك الاعلامي ، ولا توجه للفاعلين الميدانيين الحقيقيين . ولهذا لازالت مؤسساتنا (تعليمية او اندية ثقافية او جمعيات او اطارات نقابية..) لا ترقى الى المستوى المطلوب . الا انه و مع أهمية ما سبق ، وبالعودة الى كلام جاينس روبينسون ، يبقى الفاعل الرئيسي في اكتساب القدرات والمهارات كيفما كانت ، هو التطوير الذاتي والتدريب الميداني من خلال برنامج تكويني شخصي ، وممارسة يومية تصقل للمشرف فكره و ترقي ممارسته ، من خلال المقاربة التشاركية لمفهوم الاشراف والادارة والتسيير. ختاما ، فكل انسان خلقه الله سبحانه وتعالى وبداخله القوة والعزيمة، ما عليه الا أن يأخذ القرار في التغيير، و يوقظ ذلك العملاق النائم داخله ، فمن أراد أن يحدث تغييرا ايجابيا بصفته مشرفا على احدى مؤسسات المجتمع، لا بد ان يبدأ بتغيير نفسه ، ويتحلى بصفات المشرف الفعال . قال تعالى : ( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) صدق الله العظيم .الرعد الآية11