نموذج وضعية فئة أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي خريجي المدارس العليا للأساتذة (أساتذة التعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي سابقا) يبدو أن تدبير الشأن التعليمي، خاصة في الشق المتعلق بتدبير الموارد البشرية، لا يتم وفق رؤية واضحة تستحضر ضرورة استغلال كفاءات الأطر التربوية من اجل تطوير المنظومة التعليمية، ومن اجل تحسين الوضع المادي والأداء التربوي للشغيلة التعليمية بالمغرب، بدل هدر الطاقات وضياع فرص بالإمكان توظيفها لتطوير تلك المنظومة. هذا الواقع ينطبق تماما على أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي خريجي المدارس العليا للأساتذة،أساتذة التعليم الابتدائي و التعليم الثانوي الإعدادي سابقا،بالنظر إلى وضعهم القانوني التعامل الفريد للوزارة الوصية معهم جراء اجتهادهم ورغبتهم في تحسين وضعهم المادي و الاجتماعي، استنادا إلى مؤهلاتهم التربوية و المعرفية. ولتوضيح معاناة أساتذة هذه الفئة لابد من تقديم صورة شاملة عن منشأ خصوصيتها ومشاكلها، وكيفية تعامل وزارة التربية الوطنية مع مطالبها. يتعلق الأمر بأساتذة التعليم الابتدائي و الإعدادي، المتوفرين على أقدمية أربعة سنوات أو أكثر من الأقدمية في الإطار تسمح لهم باجتياز امتحان ولوج المدارس العليا للأساتذة، إضافة إلى نقط امتياز جامعية تؤهلهم لاجتياز ذات الامتحان، بهدف تغيير الإطار إلى أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي . هؤلاء تمكنوا بالفعل من النجاح في الامتحانات الكتابية و الشفوية، و خضعوا لتكوين استغرق مدة سنة، انتهى بالنجاح في امتحان التخرج مما يعني أنهم من أكفأ الأطر التربوية حيث خضعوا لتكوينين (مركز تكوين المعلمين أو المركز التربوي الجهوي+المدرسة العليا للأساتذة) يفترض أن يتم استثمار خبرتهم لتحسين الأداء التربوي للمدرسة المغربية، ذلك أنهم راكموا بحوثا تربوية مهمة في مختلف مجالات البحث التربوي، لقد ولجوا المدارس العليا للأساتذة إذن بهدف تحسين تكوينهم البيداغوجي، لكن أيضا من اجل تحسين وضعهم المادي و الاجتماعي، انسجاما مع أهداف التكوينات التي دأبت الوزارة على تخصيصها للأطر التربوية وفق القانون الجاري به العمل. عند انقضاء سنة التكوين بالمدارس العليا للأساتذة، وجد هؤلاء أنفسهم عرضة لتعيين جديد لم يراع النيابات الأصلية التي اشتغلوا فيها، وخصوصية هذه الفئة، حيث اعتبروا بمثابة اطر متخرجة جديدة ينبغي أن تسد الخصاص أينما وجد ، مما جعل الوزارة تعينهم بعيدا عن النيابات الأصلية التي قدموا منها، وهو ما مثل ضربا لاستقرارهم الاجتماعي و النفسي، لكن هذه ليست سوى البداية. بعد استيفاء أساتذة هذه الفئة لست سنوات في الدرجة الثانية ، تقدموا بطلبات لاجتياز امتحان ولوج الدرجة الأولى في إطارهم الجديد، لكنهم عوملوا من قبل الإدارة بالازدواجية و الغموض : سمح لبعضهم لاجتياز المباراة و رفضت طلبات البعض شفويا فيما توصل آخرون بقرارات رفض مكتوبة ،الشيء الذي جعل الوزارة هنا تتعامل بمنطق التخبط والمزاجية و الازدواجية ، انه منطق إدارة فاقدة لرؤية إستراتيجية لكيفية تحسين أداء الموظفين بدل قرصنة أقدميتهم كما هو حال هذه الفئة . اثر استشعار أساتذة الثانوي التأهيلي خريجي المدارس العليا للأساتذة –أساتذة التعليم الابتدائي و الإعدادي سابقا- للمأزق القانوني ولقرصنة أقدميتهم في الإطار السابق وعدم احتسابها في الإطار الجديد ، قاموا بتشكيل منسقية وطنية منذ متم موسم 2008/2009 والتي اتخذت خطوات نضالية ووقفات احتجاجية أمام وزارة التربية الوطنية، لم تعرها الجهات الوصية أية أهمية، وظلت صيحات الشغيلة في واد لا تنصت له الآذان. ولتشخيص جوانب الخروقات القانونية التي مست هذه الفئة، نعرض جملة منها على أمل التدخل ومعالجتها لإعادة الاعتبار لخريجي المدارس العليا للأساتذة وصونا لكافة حقوقهم ، هذا ونسجل أن استمرار هذا الوضع يمثل أمرا خطيرا ويوحي إلى وجود التمييز بين موظفي الوزارة الواحدة، فضلا عن اعتبار ولوج الموظفين للمدارس العليا للأساتذة بمثابة عقاب من خلال المعطيات التالية: 1- قرصنة الأقدمية العامة في الدرجة الثانية في الإطار السابق (الابتدائي أو الإعدادي) وعدم احتفاظ خريجي المدارس العليا للأساتذة بها ونقلها إلى الإطار الجديد(الثانوي التاهيلي) وهو ما يعني حرمان أساتذة الفئة من حق اجتياز مباراة ولوج الدرجة الأولى إلى غاية استيفاء ست سنوات في الإطار الجديد. هذا الأمر يتنافى مع وضع مماثل لأطر تربوية قامت بتغيير إطارها مع احتفاظها بأقدميتها العامة في الإطار السابق، كما هو شأن الملحقين التربويين وملحقي الإدارة و الاقتصاد، ومجموعة المائتين (الأساتذة المنحدرين من الأقاليم الصحراوية) . إن حرمان أساتذة الفئة قيد الحديث من أقدميتها في الإطار السابق، يجعلنا نتساءل عن المبررات التي جعلت الوزارة لا تتنبه إلى هذا الخرق القانوني الذي يميز بين فئات موظفي نفس الوزارة في احتساب أقدميتها العامة بعد تغيير الإطار، لنصل في الأخير إلى أن الإبقاء على هذا الوضع معناه أن خريجي المدارس العليا للأساتذة –أساتذة التعليم الابتدائي و الإعدادي سابقا- تمت معاقبتهم جراء اجتهادهم، فوضعهم كان سيؤول إلى الأفضل لو لم يغيروا الإطار ، إن وضعهم هو القهقرى دون انعقاد أي مجلس تأديبي!!! وتجدر الإشارة إلى أن هذا العقاب يزكيه حرمانهم من جملة حقوق أخرى مثل المشاركة في التباري لمناصب إدارية وفقدان الأقدمية في المنصب السابق فضلا عن اعتبارهم بمثابة موظفين جدد لن يستفيدوا من اية استحقاقات كانوا سيضمنونها لو بقوا في الاطار السابق، وفي كلمة واحدة فقدان مجمل الحقوق؟؟؟ 2- تحيلنا النقطة الأولى إلى وجود تمييز إداري وقانوني في التعامل مع موظفي وزارة التربية الوطنية، وهو ما يتنافى مع المادة الخامسة من الدستور المغربي الذي يعتبر كافة المواطنين المغاربة متساوين في التمتع بحقوقهم. انه خرق دستوري يتعين الانتباه إليه وتجاوز السكوت عنه ، فكل قانون لا يتم تعميم تطبيقه على الجميع يتناقض مع شرط القاعدة القانونية( التجريد). 3- بعد امتلاك أساتذة الفئة لست سنوات في الدرجة الثانية اللازمة ،تقدموا لاجتياز مباراة ولوج الدرجة الأولى،فسمح للبعض بذلك،فيما منع آخرون من ذلك حسب اجتهادات و مزاجية مسؤولي النيابات و الاكاديميات ،انه عبث ليس بعده عبث!!! 4- من بين الذين سمح لهم باجتياز تلك المباراة من أتبث استحقاقه بنجاح ،غير انه سرعان ما رفض قبول نجاحه وبالتالي رفضت ترقيته دون أي تبرير كتابي معلل لهذا التناقض الإداري. 5- تؤكد المادة 115 مكررة من النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، انه يحق لمن خضع للتكوين وغير الإطار دون أن يغير الدرجة، يحق له الاستفادة من سنتين جزافيتين وهو ما تقره إجابات التضامن الجامعي للمعنيين بعد مراسلتها واستشارتها من طرف العشرات منهم، إما الوزارة الوصية فتقر أن لا حق في التمتع بهاتين السنتين بعد 2003 تاريخ صدور النظام الأساسي، وتكاد إجابات المسؤولين مركزيا تتفق لكن في حدود الاجابات الشفوية، ذلك أنها لا تجيب على مئات المراسلات التي طلب فيها الأساتذة تمتيعهم بها .لم يتم الرد عليها إطلاقا مما يشير إلى وجود تردد وتعدد القراءات بشأن المادة 115 مكررة. 6- بعض الأساتذة امتلكوا الدرجة الأولى قبل ولوجهم المدارس العليا للأساتذة، وعند تخرجهم طالبوا التوصل بقرارات التسمية، لكنهم تفاجئوا بمطالبة الوزارة منهم التنازل كتابيا عن الدرجة الأولى، بمبرر أنهم خلقوا وضعا استثنائيا، لكون المدارس العليا للأساتذة لا يتخرج منها الأساتذة بالدرجة الأولى .فهل توجد وزارة تستخف بموظفيها أكثر من هذه التي تطالب منهم التنازل عن درجة حصلوا عليها باجتهادهم واستحقاقهم؟ ومن المسؤول عن هذا الوضع الذي تبرر به الوزارة هذا الاستثناء هل الموظف؟ أم الوزارة المعنية التي سمحت له بمتابعة التكوين ثم طالبته لاحقا بالتنازل عن الدرجة الأولى؟ إن هذا الخرق القانوني يؤيد فكرتنا السابقة و القائلة بأن أساتذة الفئة هنا بصدد القهقرى مع ما يرتبط بذلك من عصف بحقوقهم و ضرب لاستقرارهم النفسي و الاجتماعي. 7- بعد حرمان أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي خريجي المدارس العليا للأساتذة-أساتذة التعليم الابتدائي و الثانوي الإعدادي سابقا- من أقدميتهم في الإطار السابق و التي تصل عند البعض إلى عشر سنوات او تفوقها، تمادت الوزارة في حرمانهم من الترقية بالاختيار عند استيفاء عشر سنوات في الدرجة، حيث تشير المستندات إلى أن التسجيل في لائحة الترقي سوف يكون ممكنا لهؤلاء بعد استيفاء عشر سنوات في الإطار و ليس في الدرجة،مما يعني إقصاء آخر من حق مضمون للجميع إلا لهذه الفئة. وسوف تكون عواقب هذا الإقصاء وخيمة على المعنيين الذين سيجدون وضعهم أسوأ من الوضع المفترض لهم لو لم يغيروا الإطار، وهذا المعطى يعني بكل وضوح أن وزارة التربية الوطنية تقوم بهدر الطاقات في بلادنا وتحرم من استحق التشجيع وناضل من اجل تغيير اطاره بالتكوين المستمر من كافة حقوقه، بدل استثمارها بالشكل المناسب لتطوير المنظومة التعليمية و تحسين الوضع الاجتماعي للموظفين. تجدر الإشارة كذلك إلى تضرر أساتذة هذه الفئة جراء تغيير الإطار ،من خلال حرمانهم من جملة استحقاقات لعل أبرزها الحرمان من ولوج مراكز تكوين المفتشين(الابتدائي و الإعدادي) و تدريس أبناء الجالية المغربية المقيمة بالخارج، وولوج مركز تكوين أطر التخطيط و التوجيه، هذا فضلا عن إدارة المؤسسات الابتدائية و الإعدادية حسب الإطار السابق لكون الوزارة المعنية لم تراع أقدمية المعنيين في الإطار الأول و مصالحهم،هذا فضلا عما الغموض الذي يكتنف الوضع الاداري للتكوين المهني للمعنيين( إما باكالوريا+ستة أو باكالوريا + سبعة) مما يفرض ضرورة إيجاد صيغة قانونية مواتية لهذا الاستثناء . من اجل التنديد بهذا الإقصاء ولرفع الحيف على عشرات الأساتذة بربوع الوطن ، أسس المعنيون منسقية وطنية سطرت ملفا مطلبيا مدعما نقابيا(على الاخص كل من الجامعة الوطنية للتعليم و النقابة الوطنية للتعليم ك.د.ش والنقابة الوطنية للتعليم ف.د.ش و الجامعة الوطنية لموظفي التعليم) وتم تنفيذ جملة إضرابات واحتجاجات ووقفات أمام وزارة التربية الوطنية تجاهلها المسؤولون وتعاملوا معها باستخفاف لغاية إصدار المنسقية لبلاغ تضمن تهديدا بمقاطعة امتحانات الباكالوريا لموسم 2009/2010 مما جعل ممثلي الوزارة ،في شخص مدير الموارد البشرية ،يقبلون التحاور مع المعنيين بحضور ممثلي بعض المركزيات النقابية الداعمة للمطالب العادلة للفئة وكانت النتيجة تشكيل اللجنة الموضوعاتية رقم 13 والتي يبدو أنها لم تقم بأي شيء عدا ذلك الاجتماع الشكلي لتشكيلها، والحال أن الملف له خصوصية استعجالية، يقتضي المعالجة الآنية إذا علمنا أن بعض الأساتذة استوفوا ست سنوات في الإطار الجديد، مما يعني أنهم مقبلون على اجتياز الامتحان المهني لولوج الدرجة الأولى هذا الموسم بعد حرمانهم من هذا الحق مدة سنوات ظلما. إن تدارك هذه الثغرات القانونية وإنصاف خريجي المدارس العليا للأساتذة –أساتذة التعليم الابتدائي والاعدادي سابقا - يستدعي التعجيل بتنفيذ جملة من الإجراءات و التدابير الأساسية التي نجملها فيما يلي: 1- إصدار قرار يسمح لخريجي المدارس العليا للأساتذة –أساتذة التعليم الابتدائي و الإعدادي سابقا- بالاحتفاظ بأقدميتهم العامة في الإطار السابق ،أي نقل تلك الأقدمية إلى الإطار الحالي،وتعديل المادة 28 من النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية ضمانا لمساواة الموظفين امام القانون وانصافا لهذه الفئة. 2- تفعيل المادة 115 مكررة من النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية وذلك بتمتيع أساتذة الفئة بسنتين جزافيتين مع تعويض مادي لمن حرم منها سابقا. 3- الإسراع بتسوية الوضعية المالية و الإدارية للذين توفقوا في ولوج الدرجة الأولى عقب نجاحهم في الامتحان المهني، والتعجيل بمنح قرارات التسمية لمن ولجوا الدرجة الأولى قبل الالتحاق بالمدارس العليا للأساتذة بدل مطالبتهم بالتنازل كتابيا عنها. 4- الإسراع بصرف المستحقات المالية عن فترة التكوين وفق مرسوم 2.05.1366 المنظم للتكوين المستمر وذلك بتسهيل الوثائق المطلوبة في إعداد الملف المطلوب. 5- إقرار حق أساتذة التعليم الابتدائي سابقا في اجتياز مباراة ولوج مركز تكوين المفتشين (الابتدائي) وحقهم في اجتياز مباراة تدريس أبناء الجالية المغربية المقيمة بالخارج، وحق أساتذة الثانوي الإعدادي سابقا في اجتياز امتحان ولوج مركز تكوين مفتشي الثانوي الإعدادي وحق اجتياز مباراة التخطيط و التوجيه بهدف الاستفادة من خبراتهم المراكمة في السلكين معا . 6- إصدار مذكرات تسمح لأساتذة هذه الفئة بالتدريس بمراكز تكوين المعلمين و بالمراكز التربوية الجهوية و المدارس العليا للأساتذة بهدف استثمار خبراتهم البيداغوجية المراكمة. 7- معادلة سنة التكوين بالمدارس العليا للأساتذة بالسنة الأولى ماستر(المتريز) بالنسبة لحملة الإجازة الجديدة في نظام LMD ومعادلتها بالماستر بالنسبة لحملة الإجازة في النظام القديم لاسيما بعد إلحاق المدارس العليا للأساتذة بالجامعات. 8- العمل على إيجاد صيغة تسمح بترقية المتضررين من الثغرات القانونية التي كان أساتذة الفئة ضحيتها، وإعمال المفعول الرجعي ،كالسماح لهم بالمشاركة في اجتياز مباراة ترقية أساتذة حملة الماستر لولوجهم الدرجة الأولى،لاسيما وأن عدد أساتذة الفئة قليل. في انتظار الالتفات إلى هذه الفئة التي عانت جراء تجاهل واضعي القوانين الجاري بها العمل في منظومتنا التربوية لمصالحها، ونتيجة لتجاهل الوزارة لمطالب المعنيين التي رفعوها مرارا إلى المعنيين خلال محطاتهم النضالية المختلفة عبر إقفال باب الحوار فضلا عن تجميد تفعيل اللجنة المشكلة بهذا الصدد ، في انتظار كل ذلك ندعو المعنيين الى الالتفاف حول المنسقية الوطنية لاساتذة التعليم الثانوي التأهيلي خريجي المدارس العليا للأساتذة –أساتذة التعليم الابتدائي و الإعدادي سابقا- و المساهمة في إنجاح مختلف المحطات النضالية المزمع تنفيذها وأخيرا ندعو النقابات الداعمة لمطالب هذه الفئة الى جعل ملف هذه الفئة ضمن أولوياتها المطلبية بالنظر الى خصوصية مطالبها وكونها لا تقبل التأخير و الانتظار . * مروش سعيد عضو المنسقية الوطنية لخريجي المدارس العليا للاساتذة-اساتذة التعليم الابتدائي و الثانوي الاعدادي سابقا- وعضو منسقية الاقاليم الصحراوية لذات الفئة.