يوم الجمعة 13 نونبر 2015، كانت باريس على موعد مع ليلة حالكة أحصت فيها فرنسا قتلاها الأبرياء من جراء عدة تفجيرات متزامنة تبناها تنظيم داعش "الصبَّاحي" (نسبة لحسن الصَّبَّاح ). ولا يخفى على المطلع ما يعنيه تزامن اليوم 13 مع الجمعة في الذاكرة الجمعية للمسيحيين، كرمز للشؤم والتوجس من أحداث فظيعة عرفتها البشرية على مدى التاريخ الميلادي منذ خيانة "يهوذا". لكن الأحداث التي وقعت في باريس لا علاقة لها بالجمعة ولا باليوم الثالث عشر ولا بالعهد القديم، أكثر مما مرتبطة بالتاريخ الحديث والمعاصر وباللحظة الراهنة والأحداث التي تعرفها العديد من الأقطار العربية والإسلامية بعد ما اصطلح عليه بأحداث أيلول 2001، والربيع العربي. ثم التدخل الفرنسي في ليبيا، مالي، سوريا، وأفريقيا الوسطى. لقد كانت الضربة موجعة جدا لفرنسا، أحرجت أجهزتها الأمنية والاستخباراتية، كما أحرجت الحكومة نفسها، فكان المدنيون في سوريا كبش الفداء الذي ستنتقم منه فرنسا المجروحة في كرامتها، كرسالة للداخل الفرنسي – بدرجة أولى - على أن فرنسا بمقدورها أن تنتقم لقتلاها في الجمعة السوداء. لكنه انتقام العجز أكثر منه انتقام القوة. فالقوة لا تكمن في قتل الأبرياء من المدنيين السوريين، بل هي دليل التخبط الفرنسي في المستنقع الأمريكي، وهو ما رفض "جاك شيراك" بحكمة، التورط فيه أثناء توليه الرئاسة الفرنسية. لكن حماقة "ساركوزي" وضعف "أولاند" ،ورطت فرنسا في مستنقع التدخلات العسكرية الخارجية الممولة من طرف بعض الدول الغربية والخليجية. كما أن القوانين التمييزية ضد المسلمين الفرنسيين أو المسلمين المقيمين في فرنسا، والتي جعلت بعض الشباب الفرنسي يفضل الثورة على الدولة الفرنسية بدل الاندماج، والذي تجلى بشكل فجٍّ جدا بالتحاق العديد منهم بالتنظيمات الإرهابية في سورياوالعراق وليبيا، وهنا لا بد أن الدولة الفرنسية هي المسئولة قانونيا وأخلاقيا وحضاريا عن توجه هؤلاء الشباب إلى الخيار الإرهابي التدميري. غير أن الإرهاب لا يقتصر على تنظيمات راديكالية ك(داعش) في العراقوسوريا أو (جبهة النصرة) في سوريا أو (بوكو حرام) في نيجيريا أو(حركة الشباب) في الصومال... بل يضم جيوش الدول أيضا والتنظيمات التي تقود حروبا بالوكالة ك(بلاك ووتر) في العراق. إننا لا نشك أبدا في أن ما وقع في باريس عمل إرهابي لا يدعمه أي سند قانوني أو أخلاقي. كما أننا لا نشك أن ما تقوم به فرنسا من تدخل عسكري في دول خارجية عمل إرهابي كذلك، لكن تحاول فرنسا عبثا، أن تضفي عليه صبغة قانونية وأخلاقية. ولسنا هنا بصدد تبرير الهجمات الإرهابية التي وقعت بباريس، ولا يمكن أن نسعى لذلك. لكن ما يثيرنا هو ممارسة الدولة الفرنسية للإرهاب في حق دول بأكملها واعتباره مبررا أخلاقيا وقانونيا وحضاريا، وموجها ضد تنظيمات إرهابية، في حين تستنفر العالم كله بعد الهجوم على مجلة مفلسة تقتات من السخرية من معتقدات الآخرين. إننا نعتقد جازمين أن فرنسا ستظل هدفا لهجمات إرهابية باستمرار، ما دامت على نهجها الاستعلائي الكلونيالي، واحتقارها للآخر المسلم والأفريقي، وادعائها الكاذب للحرية والمساواة والإخاء. فهل ستتخلى يوما عن غطرستها الاستعمارية وتعتذر عن جرائمها في مستعمراتها السابقة؟