لقد كان للهبّة الفلسطينية الجارية وقع كبير على ساسة الكيان المغتصب بنفس القدر الذي كان على الصهاينة المستوطنين، هبّة مباركة بعثرت أوراقهم ، كما بعثرت أوراق المتعاونين معهم من الساعدين إلى التنسيق المشترك مع الصهاينة ، والمتذللين على أعتاب مجرمي الكيان ومن يقف وراءهم من قوى التكبر و الطغيان في العالم ، بداية من أمريكا وانتهاء بآخر العرب المتآمرين والخانعين.. لقد كان لإعدام الشاب الفلسطيني الأعزل ذو الستة عشر ربيعا وقع الصدمة على الرأي العالمي بأكمله، إذ تكالب عليه أكثر من خمسة جنود أمطروا جسده الطاهر بوابل من الرصاص، مُدّعين أنه كان يَهُمّ بطعن جندي صهيوني .. وقد تناسلت التعليقات والإدانات من كل حدب وصوب ، بل حتى من معسكر الشرّ نفسه الذي تدعمه أمريكا ، على إثر نشر شريط الحادثة الفظيعة، الذي انتشر على صفحات التواصل والمواقع انتشار النار في الهشيم.. غير أن هذا الشجب والاستنكار لم يواكبه تحرك عربي أو غربي جاد من طرف القوى التي تدعي الدفاع عن حقوق الانسان ،و في مقدمتها الحق في الحياة .. ولكم أن تتصوروا معي كيف كان سيكون حال هؤلاء وهؤلاء من المدّعين والمنافقين لو كان الصبي يهوديا، وما الذي كانوا سيقومون به عبر العالم . وبالتالي فإن الصمت المطبق هو الغالب على معظم قادة العالم و في مقدمهتم قادة العرب و المسلمين شرقا وغربا، الذين يفترض فيهم السبق إلى الاستنكار و الشجب ، بل و عدم الوقوف عند الاستنكار و الشجب ، لأنهما لن يفيدا في شيء مع عدو متغطرس غبي، لا يرى في العرب و المسلمين سوى حشرات ضارة يجب سحقها وتطهير العالم منها .. عدو بلغ طغيانه مبلغا لم يعد يجدي معه لا الشجب ولا الاستنكار و لا بيانات التنديد ، لأنه متمترس خلف قوى عظمى في العالم ، أمدّته بالدعم المادي و السياسي والإعلامي على مدى عشرات السنين ، وجعلت منه قاعدة متقدمة لضرب قوى التحرر العربية ، وتأديب كل من سولت له نفسه التطاول على سادة العالم ، وهو بهذا يجني مقابل ذلك سكوتهم وصمتهم عن جرائمه التي يقترفها في حق الفلسطينيين العزل ، الذي شاء قادة السلطة الفلسطينية لانتفاضته ألا تخرج عن السلمية المزعومة .. فعن أي سلمية يتحدثون ، ولأي سلم يطمحون ؟! أمام انبطاحهم الذليل هذا ، لا يسعنا إلا أن نصدع في وجوههم بكل قوة " إن لم تستحيي فافعل ما شئت" . إن العدو الصهيوني استغل بمكره المعهود ، وخبثه المشهود الأوضاع الكارثية التي تمر بها معظم البلاد العربية بعد رياح الربيع العربي ،الذي تحول بفعل فاعل مُغرض إلى خريف قاتم ، أتى على الأخضر و اليابس ، كما هو الحال في اليمن و سوريا وليبيا ومصر والعراق .. وظن أنه سينفرد بالفريسة في غفلة من أحرار العالم ، وينفذ ما تبقى من مخططه المشؤوم الساعي إلى تكريس هيمنته على القدس الشريف ،وفرض الأمر الواقع على الفلسطينيين و العرب جميعا ..إلا أن أنفسا زكية ثائرة كانت له بالمرصاد، شباب في مقتبل العمر ، واجهوا آلته الحربية المدمرة بصدور عارية ، لا يخشون الموت ولا يقبلون بالدنية ..وكيف لهم ألا ينتفضوا ، وهم الذين يتجرعون علقم الإذلال والعنصرية و الحقد الصهيوني المقيت كل يوم ، في غدوهم ورواحهم ، من مستوطنين أغبياء أعمتهم نار العنهجية والتسامي على باقي الخلق ، مدججين بالسلاح ، ومسندين من جيش لا يقل عنهم عنصرية و حقدا..كيف لهم ألا ينتفضوا ، وفيهم اليتامى والثكالى والأرامل والمعوقون بسبب آلة الحرب والدمار الصهيونية .. أم يريد باعة الوطن وسماسرة السياسة من الفلسطيني أن يستقبل جحافل الصهاينة الحاقدين بأكاليل من الورد والريحان ؟؟ أو بالركوع والانحناء والتهليل والاذعان ؟؟. ما كان ليحصل هذا لولا الصلف الصهيوني ،الذي بلغ مبلغا لا يمكن لأي إنسان أن يتصوره ، مهما بلغت ساديته و انعدمت إنسانيته ، وما كان ليحصل هذا لولا إحساس الإنسان الفلسطيني المقهور بالظلم والجور وقلة الحيلة والهوان ، أمام صمت عربي وإسلامي مُريب ، وشعور بعدم اكتراث العالم لما يعانيه ، وبما تقترفه آلة البطش الصهيوني.. نقول بصوت عال ، في وجه كل العالم ، نعم حق للفلسطيني أن يطعن ويرشق بالحجارة ويصرخ بملء فيه في وجوه الصهاينة المغتصبين، وفي وجوه كل العرب الخانعين والمسلمين المنشغلين عن مأساة الفلسطيني وهمومه ؛ فكيف لا يفعل ذلك وهو الأعزل العاري الصدر ، مقابل المستوطن الصهيوني المسلح والمحمي من قِبَل الساسة والعسكر؟؟ كيف له ألا يفعل ذلك ، وقد سدّت كل أبواب الأمل في وجهه ، وتبخرت كل أحلامه في العيش الكريم ، في وطن يجمع شتاته ويلملم جراحه ، و يعيد بعضا من كرامته المهدورة ، ويمسح الدمع عن الأرملة و الثكلى المقهورة .. حق له أن يطعن ويرمي بحجارة من سجيل ، لأن الصهاينة قد جاوزوا المدى .